لا أنا لا أتحدث عن ضحى اليمن! اليمن التي تبدأ تباشير الصباح فيه باصوات البارود ورجفة الخوف في الابدان بل أتحدث عن ضحى الفتاة الصبيحة المفعمة بالامل والتي تسكن احدى قرى اليمن الصغيرة ضحى ذات الثالثةعشرة تسرح بالغنم صباحا وهي تحلم باليوم الذي ستتمكن فيه بالعودة للمدرسة والتعلم أصبحت تتذكر انها كانت في مدرسة القرية حين كان لها أباً يعيش معهم تعلمت فيها مبادئ القراءة والكتابة ، بل وعلم الحساب وعرفت ماذا يعني ان تجمع او تطرحاً أو تقسم رقميا لا كما تحسب أمها بأصابع يديها وأحيانا بحبات الشعير يوم ما ..أفاقت ضحى من نومها على حزن كالح يغطي وجه أمها الاصفر ، لتعلم بعد ذلك أن الاب لم يعد يستطع زرع قطعته الصغيرة من الارض مصدر قوته وقوت عياله لم يجد بدا من تركها للشيخ الذي تجاور أراضيه ارضه والذي حاصره طويلا في "السقاية"فاضطر لأخذ المبلغ الذي عرضه عليه تاركا له أرضه الذي ورثها عن ابيه وجده قرر الهجرة كما فعل الكثير من رجال القرية ترك نصف المبلغ الذي اخذه لزوجته وأوصاها ان تقتصد فيه الى ان يتمكن من إيجاد عمل في البلد الذي قصده وحينها قد يستطيع العودة وأخذهم معه للعيش او ربما اقتصد كثيرا من المال لشراء ارض جديدة وحراثتها وعاش كما يعيش الأعيان في قريته تتذكر ضحى انها سمعت نقاش طويل بين ابيها وامها تخلله دموع ونشيج من أمها واختفى غالب الاب منذ زمن طويل لم تجد ضحى بدا من ترك مدرستها بعد ان تعبت أمها في عمل "اللحوح" وبيعه في سوق القرية وقد تعود احيانا بنصفه معها اذ لا احد يشتري لحوح في القرى تحدثت أمها اليها ذات مساء بأنها قد تحدثت مع من لهم اغنام في القرية بان تقوم ضحى برعي اغنامهم ,وقد وافقها حوالي سبعة منهم الحجة خيرية التي قالت ان ليس لديها اجر تعطيه لكنها ستعطي مايجود الله به , وقد وافقت امها عل الله يكتب لهم الاجر برعاية غنمة الحجة خيرية التي لامعيل ولا سند لها في عيشها غير صدقة سكان القرية,لذا عليها ان تركز حين رعايتها لها , لم ترع ضحى الاغنام في حياتها لذا ستعلمها عمتها في البدابة كيف يمكن ان تجمع الاغنام خاصة حين ياتيهن كلب او حين يشعرن يالفزع.لفد قبل سكان القرية ان تقوم برعي أغتامهم رغم انعدام خبرتها نظرا للاجر القليل الذي ستاخذه منهم وعونا منهم لها وامها . كانت تفكر بكل ذلك وهي في غفوة جميلة في في العصرية الناعم. حين سمعت دوي هائل ورأت شيء اسود يطير في الهواء , ياربي غنمة جدتي خيرية ! لم تعد ضحى ترى ما امامها غير النيران والدخان واعضاء الاغنام التي بدأت تتساقط امامها لم يعد هناك غير لون احمر وسواد كثيف وفزع لم تعرفه في حياتها ضحى فتاة ترعى اغنام الناس مقابل اجر تقتات منه هي وامها واخوتها في غياب العائل الذي غربه الفقر وضيق الحال من قريته تخرج كل يوم من بيتها في قريتها التي يمكن ان تكون في حجة او في الضالع او في صعدة او في شبوة او في دمث او في العدين او في أية قرية من قرى اليمن الكبير الذي لم يعد فيه أية بقعة خالية من البارود اوامنة من الموت.