من خلال قراءة الواقع والتاريخ لأوضاع تعزوإب في الحروب وخاصة مع مواجهة المشروع الحوثي الحالي والمشروع الإمامي عبر التاريخ، نجد أن المحافظتين كان من السهولة احتلالهما من قبل المشروع الإمامي قديماً وحديثاً، ليس لجبن أبنائها ولا لضعفهم في القتال والمواجهة؛ فقد أثبتت الأحداث شجاعتهم وعزيمتهم التي لا تقف عندها أعتى الجيوش، وكذلك حكمتهم في المشروع المواجه. لكن هناك عوامل هامة أهم من الشجاعة هي التي جعلت مناطقهم عرضة سهلة للاجتياح. أكلت يوم أكل الثور الأبيض التنازع فبدراسة للحالات الميدانية قديما وحديثاً وجدنا أن أهم عوامل سقوط هذه المناطق وتقاعس أهلها عن الصد هو حالة التشتت القيادية التي تحجم عن مبادرة التصدي واتخاذ القرارات في انتظار القيادة من ناحية، وكذلك كثرة الاختلاف بين الشخصيات التعزيةوالإبية، ومحاولة الجميع أن يكونوا رؤوساً لا مرؤوسين، والجميع "ديكة" وإذا كثرت الديكة فسد الفجر كما قيل. ففي أيام الإمام يحيى في العام الذي هزمت فيه الدولة العثمانية أمام الحلفاء وقررت الانسحاب من اليمني بموجب اتفاق "مندروس"؛ أي في عام 1918م تداعى بعض مشايخ وزعماء تعزوإب للنظر في حالة بلادهم بعد هزيمة الأتراك وخوفاً من تسلط الإمامة عليهم وتسليم الحكم للإمام يحيى في الشمال، واجتمعوا في قرية العماقي بين القاعدة وتعز كونها كانت محطة استراحة للمسافرين، وتشاوروا فيما بينهم وتوصلوا إلى أن يكون الحكم لا مركزياً الولاء الضمني والصوري للإمام يحيى ولهم كل الحق في إدارة بلدانهم، وكان ما توصلوا إليه مشروع ناجح، ولكن عند التطبيق فشل الجميع بسبب اختلافهم على الرئيس؛ فقد رشح كل واحد منهم نفسه للرئاسة ولم يرتضِ أحدهم أن يكون مرؤوساً سعياً لتنفيذ المشروع، عندها انقسموا ونفذت الإمامة إلى اليمن الأسفل من ثغرة الانقسام، على الرغم من أن هناك بعض الروايات تقول إن المؤتمرين اختاروا الشيخ محمد بن ناصر رئيساً، غير أن هذه الرواية لا تقوى على الصمود كون الاختلاف كان بادياً ولم يجرؤ أحد منهم على المجاهرة بعصيان الإمام والوقوف في وجهه خاصة وقد أعلن هذا الشيخ ولاءه للإمام وهو ما أدى إلى فشل المؤتمر، بينما تقول إحدى الروايات أن المؤتمر فشل بسبب تغيب الشيخ محمد علي الصراري. حيث كان محمد ناصر مقبل أكبر مشايخ لواء تعز نفوذاً في العهد العثماني يحكم القماعرة ومخاليف من الحجرية وبلاد قعطبة (كانت قعطبة تتبع تعز حينها) وناحية الحشا، ويضع يده على المدافع ومخازن الأسلحة العثمانية فيها، وكان يعمل على تأديب كل مخالف. وكان مشايخ الحجرية أولاد نعمان مقبل (بني النعمان) وكانوا يحاولون دعم نفوذهم بمزاحمة علي عثمان عامل المخاء على الأسلحة والذخائر، وكان ينافسهم نور الدين بن حسان الصوفي على زعامة جبل حبشي. ومع هذا الاختلاف فيما بينهم بشأن مشروعهم، تجدهم ينقادون بسهولة لشخصية خارجية جاءت من الشمال (صنعاء) وهو القاضي علي بن عبدالله الأكوع الذي وحدهم خلفه لطاعة الإمام بكل يسر وسهولة، بينما رفض كل منهم الانقياد لصاحبه حتى أفشلوا مشروعهم بأيديهم. وعلى الرغم من طاعة الإمام والتسليم له، وذهاب كبار مشايخ تعزوإب وقضاة البلدين إلى صنعاء لمبايعة الإمام والتسليم له، إلا أن مشروعهم ظل يراودهم ونصب أعينهم، ومع ذلك ظلوا متهمين من قبل الإمام وعماله وغير موثوقي الجانب حتى قامت ضدهم حملات عسكرية أخضعت مناطقهم بالقوة لا بالولاء السلمي!! بمثل هذه الأحداث تتكرر كثيراً، فحينما غزت المليشيات الحوثية تعزوإب كان الناس منقسمين على عدة آراء ولم يتصدوا للغزو الحوثي سواء كان الانقسام على مستوى المشايخ أم المسؤولين أم الأحزاب، فبعضهم ناصر الحوثيين مناصرة جهرية دون أية مواربة بالسلاح والمواقف والدعوات والمجاهرة بها والتسليم والحرب، ومنهم من ناصر الغزو الحوثي بالتخلي عن المسؤولية وإلقاء اللوم على الجهة التي تصدت للغزو، وناصرت الحوثي مناصرة غير مباشرة بالطعن في ظهور المقاومة التي نظمت صفوفها لمواجهة الانقلاب الحوثي، وبالتالي فقد نالت سهامهم الإعلامية ظهور المقاومة والجيش الذي تشكل أكثر مما نال الغزو الحوثي نفسه، على الرغم من إعلان موقفهم مناصرة الشرعية ضد الانقلاب، وظهرت مواقفهم العسكرية أن لديهم تعميمات قيادية حزبية بعدم حمل السلاح والانخراط في صفوف الجيش أو المقاومة وانقسمت أحزابهم نصفين بين مؤيد للشرعية وبين مؤيد ومناصر للانقلاب الحوثي. ومع التضحيات التي قدمها المقاومون، ونال تعز ما نالها من الأذى والمجازر والحصار فوق ما يتصوره العقل، ظل الانقسام بين كافة المكونات، وظلت المناكفات الإعلامية والتحريضات والتشكيك والوشاية بين كثير من أبناء تعز ضد المقاومة، وعدم التوحد خلف قيادة موحدة، وحتى بوادر الانتصارات وتحرير جزء كبير من مدينة تعز ظلت هذه الانقسامات وعدم تقارب شخصياتها لا الإنسانية ولا الاعتبارية المتمثلة في الأحزاب والجماعات. وبكل يسر وسهولة أيضاً يأتي رجل من خارج تعز، وهو الوزير عبدالعزيز جباري وينقاد الجميع له دون تعنت ولا قيود ولا شروط، وهذا يفسر كثيراً أن الشخصية التعزية سهلة الانقياد للغير، أما التنازل فيما بينها والتفاف الناس من تلقاء أنفسهم خلف قيادة موحدة فهو لن ولم يحدث مطلقاً. لمثل هذه المواقف تجد الشخصيات لا تثمر ولا تقود في مجتمعاتها وتتطلب الهجرة إلى خارج المجتمع للمناصرة، وهو الأمر الذي حدث مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذاته مع قومه في مكة؛ ولم ينجح في دعوته إلا خارجها في منطقة أخرى بعيداً عن قومه وهي المدينةالمنورة، فعادة الرجل في مجتمعه يبدأ أقاربه -وغير أقاربه- في غمزه ولمزه وعدم تصديقه أو الانقياد له لمعرفة أصله وفصله وعدم الرضوخ لأنهم يشعرون أنهم سواسية ولا يفوقهم في شيء وتظهر الأناة والأنفة من الاتِّباع هنا، كقول وحالة أبي جهل مع الرسول؛ إذ يقول للأخنس بن شريق: "تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف؛ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاذينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه؟، والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه"! فنزاعات الأفضلية هنا من أهم النزاعات التي تقضي على المشروع وتمزق الصف، حتى لا تظهر شخصية جامعة فيراها الآخرون أنها الأفضل. ولو كان تنافس الأفضلية على الأرض من خلال التطبيق لقبل الجميع، لكنها رؤية مَرَضِية في النفس وهي العُجْب الذي يودي بصاحبه. يتكرر الأمر ذاته مع الإمام يحيى في سنة 1928؛ إذ يأتي أناس آخرون لنفس المشروع والهدف، وهو عدم الرضوخ لحكم الإمام والمطالبة بالحكم الذاتي، حيث اجتمع بعض مشايخ إبوتعز في مدينة تعز وهم، سلطان عبدالله يحيى الصبري وأخواه إبراهيم وعلي، وعبدالوهاب نعمان من الحجرية، وزيد بن عثمان المساوى، وحميد بن علي الجماعي، من إب، وغيرهم، وأبرموا اتفاقًا على الثورة، وفصل بلاد إبوتعز عن سلطة الإمام يحيى بن محمد حميد الدين، إلا أنه تم الخلاف بينهم وتمت الوشاية بهم بسبب أنهم لم يأخذوا حيطتهم ولم يولوا الأمر الإهتمام اللازم وتمت الوشاية بهم من بعضهم وانكشف أمرهم للإمام قبل التنفيذ، فجرد عليهم حملة هدمت بيوتهم وأحرقتها، وأسرهم جميعاً وكبلهم بالحديد، وسيقوا راجلين إلى صنعاء حيث أعدم بعضهم والبعض الآخر مات في سجون الإمام يحيى. وهكذا لم تنجح الثورات ولا التصدي للمشروع الإمامي بسبب الشخصية السائبة غير الحازمة التي تتخذ القرار وتصر عليه وتحزم في تطبيقه، ففي وجه الحوثي من دماج وحتى عدن كان الجميع يشعر أنه ليس صاحب القرار المخول التصدي لهذا الانقلاب حتى داهمهم الحوثي في عقر ديارهم في كل مكان، ودفعوا أثماناً باهظة نتيجة هذا التراخي في اتخاذ القرار. وقد شخص الله هذه الأمور من التنازع بأنها سبب الفشل في كل حال {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.. عدم أخذ زمام المبادرة التردد في عدم الأخذ بزمام المبادرة هي طبيعة غالبة على الشخصية التعزيةوالإبية معاً تنتظر من يأتي للقيادة دون الإقدام واقتحام العقبات والبروز، الأمر الذي يسهل للعدو الغزو بكل انسيابية، صحيح أنه أول من يتصدى لك هو من بجانبك ويجعلك متردداً بالإيحاء لك أنك لست مخولاً من قبل أحد بالقيادة، ولماذا أنت بالذات دون وغيرك؟ وحتى لا تقحم المنطقة في شر الحروب، هذه هي الأعذار التي يتم تقديمها، فإن تراخيت داهمتك الطامة، وإن أقدمت طعنت من الظهر، كما يفعل الكثير اليوم. الجدل العقيم طابع الشخصية التعزيةالإبية طابع الجدل العقيم الذي يجعلك تدور في نفس الدوامة دون الخروج برؤية حقيقية للمبادرة والفعل والتطبيق، وبنظرة سريعة اليوم للمواقع الإعلامية وصفحات التواصل الاجتماعي تلقى لك ألف دليل ودليل على هذا الغثاء من الجدل اليومي الذي لا ينتهي ولا يصل إلى نتيجة، وبالتالي فإن المتحرك على الأرض هو الذي يحسم كل هذا الغثاء والجدل سواء الاختلاف السياسي أو الإعلامي أو الميداني، فلو أردت أن تجمع عشرة أشخاص على قضية معينة يصعب عليك إقناع الجميع، ولو تم الاقتناع يتم الاختلاف السريع في التصدر والتطبيق ومن يكون الرئيس، وبالتالي عودة شخصية ناصر مقبل والصراري اليوم وفي كل زمان. كثرة الجدل هذه طامة لوحدها بقدر ما تمزق الصف الداخلي بقدر ما تضعف القضية وتقوي من جانب الخصوم حتى لو كان الخضم ضعيفاً أو نمراً من ورق تجعله هذه الخلافات هو الأقوى بين الجميع مما يطيل أمد الصراع والاحتلال، وحينما يتم العزم وغزو المواقع تتفاجأ كم أن خصمك ضعيف، وإنما الذي جعل منه قوة هو هذه الاختلافات البينية. وقد كان ضمن تشخيصات مثل هذه الحالات كما في الحديث الشريف: "ما ضل قوم بعد هدًى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل..."، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إذا أراد الله بقوم سوءاً ىتاهم الجدل ومنعهم العمل"..فالجدل من أهم أسباب الفرقة وتشتت الآراء خاصة الجدل المصاحب للمراء المؤدي إلى الخصومة.