إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    عقلية "رشاد العليمي" نفس عقلية الماركسي "عبدالفتاح إسماعيل"    تصريحات مفاجئة لحركة حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والانخراط ضمن منظمة التحرير بشرط واحد!    تطور مهم.. أول تحرك عسكري للشرعية مع القوات الأوروبية بالبحر الأحمر    البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    فيديو صادم: قتال شوارع وسط مدينة رداع على خلفية قضية ثأر وسط انفلات أمني كبير    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    فينيسيوس يتوج بجائزة الافضل    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف حكم الأئمة اليمن؟
أوضاع اليمن قبل قيام الثورة
نشر في الجمهورية يوم 26 - 09 - 2009

- مثلما اختلفت بواعث التذمر وأساليب الاحتجاج من قبل المواطنين اختلفت أساليب الانتقام منهم وفقاً لاختلاف مواقفهم ومكانتهم الاجتماعية
- كان الإمام يحيى يتهم من يقدمون له النصح أنهم يحاولون اختصار القرآن وتقصيرهم في أداء الشعائر الدينية وتحت هذه التهم زج بكثير منهم إلى السجن
جاءت بداية القرن العشرين واليمن مجزأ إلى جزأين رئيسين المناطق الشمالية ويحكمها الأتراك والمناطق الجنوبية موزعة بين مجموعة من السلاطين والمشايخ تحت الحماية البريطانية المسيطرة على مدينة عدن منذ1938.
وفي 1904 دعا يحيى ابن الإمام المنصور محمد حميد الدين بالإمامة لنفسه وواصل الحرب على الأتراك إلى أن عقد معهم صلحاً في عام 1911م . وقد قامت الدولة العثمانية وبريطانيا بعقد اتفاقية لترسيم خط حدود بين المناطق التي يسيطر عليها كل طرف لأول مرة بتأريخ اليمن .وفي نوفمبر 1918م دخل الإمام يحيى صنعاء ليستلم ما كان تحت سيطرة العثمانيين من مناطق المناطق التي خضعت لحكم الإمام يحيى فقد حكمها بأساليب بالية وقاسية حكم بها الأئمة الذين سبقوه معتمداً على القبائل الموالية له في ضرب القبائل غير الموالية ، وفي فرض الاستقرار والأمان في مملكته .
فلم يستفد من الأساليب الحديثة التي أدخلها الأتراك في حكمهم الثاني إلى اليمن بل عمد إلى إلغاء جميع النظم الإدارية وأساليب التعليم الحديثة . ففرض حصاراً رهيباً على البلاد وعزلها عن كل ما يمت إلى العالم بأي صلة .حاول المستنيرون ، والعلماء مراجعة الإمام في ذلك ولكن دون جدوى ، فكانت ثورة 48 التي فشلت وتولى السيف أحمد بن الإمام يحيى السلطة بعد مقتل والده والذي كان على نفس عقلية أبيه والذي نكل بكل من اشترك في الثورة وواصل منهج والده وكانت هناك أكثر من محاولة للقضاء عليه ثورة 1955،1959،1960م وحتى وفاته 1962م لا يوجد في طول البلاد وعرضها سوى مدرسة ثانوية واحدة هي المدرسة العلمية بصنعاء ومستشفيين اثنين لا تزيد سعتهما على مائتي سرير فقط وطريق إسفلتي واحد بطول مائتين وثلاثين كيلو متراً ولم تكن الإنارة بالكهرباء معروفة إلا في أحياء معينة من مدن صنعاء وتعز والحديدة .
أما في الجنوب فمنذ إقدام بريطانيا في يناير 1899م على احتلال عدن بالقوة بعد رفض المواطنين التنازل عن عدن مقابل مبلغ من المال وكان هدفها جعل عدن محطة للتموين بالماء والوقود لأساطيلها التجارية المتنقلة بين موانئ بريطانيا وموانئ مستعمراتها في الهند والصين ، وربطت عدن إدارياً بالإدارة البريطانية في الهند ثم ربطتها بالتاج البريطاني مباشرة.
لذا فقد عملت بعض الشركات البريطانية والهندية المتخصصة في الملاحة وتموين السفن على فتح فروع لها في عدن لتقديم الخدمات المطلوبة واللازمة للسفن من تموين وإصلاح وتفريغ ، وكانت الوسائل المتبعة لتوفير هذه الخدمات للسفن التجارية بدائية وشاقة . ترتكز على سواعد العمال وعضلاتهم ، وكان أبناء المناطق الوسطى في إب وتعز والبيضاء هم الرافد الأساسي لهذه الشركات.
وكانت عدن تعتبر متقدمة ومتطورة قياساً ببقية المدن اليمنية وعلى الرغم من توافد الشركات الملاحية الدولية إلى عدن والتي خلقت فرص عمل كثيرة إلا أن مقاليد أمور عدن السياسية والإدارية والاقتصادية بما فيها الوظائف الكتابية مع الشركات الأجنبية انحصرت جميعها بأيدي الهندوس وحدهم وشاركهم بعض اليهود في النشاط التجاري.
أما ما قدمته بريطانيا لعدن والمحميات من خدمات فلا يساوي شيئاً مما كانت تجنيه منها فكان يوجد ثلاث مدارس ابتدائية ومدرسة ثانوية ومستشفى واحد ومنح للدراسة لبعض أعضاء النوادي الأدبية .
حاولت بريطانيا في 1954م دمج مستعمرة عدن والمحميات في كيان سياسي واحد إلا أنه فشل بسبب التركيز على إعطاء حق الانتخاب لسكان عدن من أبناء الجالية الصومالية والهندية وحرمان أبناء المحميات والمناطق الشمالية من ذلك فكان بداية النضال الذي تزعمته نقابات العمال وظهرت الجمعيات والأحزاب والصحف ، وحاولت بريطانيا بالترغيب والترهيب وأد نشاط القوى الوطنية إلا أن قيام ثورة 26سبتمبر التي وفرت القاعدة الخلفية والمساندة لثورة 14أكتوبر عملت على قيام الجمهورية وطرد المستعمر وبدء العمل في سبيل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية .
اليمن سمي اليمن يمناً لوقوعه يمين الكعبة أو ليمنه وبركته وخصبه أو سمي بأيمن ابن الهميسع بن حمير ، وسماه الله ( بلدة طيبة ورب وغفور ) وسماه قدماء أجدادنا الحميريين « اليمن الخضراء» لاخضرار جبالها وكثرة أشجارها.
وأسماها الرومان واليونان « بلاد العربية السعيدة» وأسماها قدماء المصريين «الأرض المقدسة» وأسماها بعض المستشرقين «بلاد الغرائب» وأسماها الإخباريون « بلاد القصور» وأسماها أستراليون «بلاد الطيب»، واليمن يقع في الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية ، ويطل على بحرين هما البحر العربي والبحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وحضارة اليمن موغلة في القدم وما زالت آثارها في باطن الأرض ، بل إن بعض الباحثين يجزمون بأن حضارة اليمن سابقة لحضارة مصر وبابل ، بل إن بعضهم يرجع أصل الفراعنة إلى اليمن ، والقرآن الكريم يشهد على حضارة اليمن وسبقها في مجال الشورى إذ أن هذه المجالس كانت ممثلة لكل القبائل وكبار الملاك والتجار والمزارعين ، وكانت تسن التشريعات التي تضاهي إلى حد كبير التشريعات الحديثة في بعض جوانبها ويتم تنفيذها بصرامة.
وقد دلت الاكتشافات الأثرية التي اكتشفت إلى وقتنا الحاضر عن حضارة يمنية راقية ذات قيمة إنسانية استطاع أهل اليمن الاستفادة مما سخر الله لهم من الخيرات والنعم ، وأن يوجهوها في خدمة بلادهم ومجتمعهم.
وحقيقة لم يتمكنوا من صنع حضارتهم القديمة إلا في ظل الاستقرار والأمن والسلام ، ولم يتحقق ذلك إلا في ظل وحدة الأرض والشعب والحكم ، ولم تتحقق له الوحدة إلا في ظل حكم يقوم على الشورى والمشاركة الشعبية.
وكانت أقدم الدول اليمنية القديمة وعمود التاريخ اليمني القديم هي دولة سبأ ، وكما تدل الآثار والنقوش التي اكتشفت حتى الآن مثل ( نقش صرواح ) والذي يتحدث عن الحاكم السبئي ( كرب آل وتار ) وحملاته العسكرية لتوحيد اليمن ، والذي نستفيد منه أن ذلك الحاكم تمكن من إقامة دولة مركزية انضوى تحت لوائها كل اليمن تقريباً.
وظلت سبأ الدولة الكبيرة الأم حتى القرن الرابع قبل الميلاد حين خرجت عن سيطرتها مناطق عدة واستطاعت أن تكون دولاً مستقلة مثل معين وقتبان وحضرموت ، ودخلت هذه الدول في منافسة مع سبأ وشاركتها نفوذها السياسي والتجاري ، وفي القرن الثاني والأول قبل الميلاد ظهرت دولة حمير ، وزاد الصراع بين هذه الدول مع بعضها البعض ، حتى القرن الثالث الميلادي عندما تم توحيد اليمن مرة أخرى بقيام الملك الحميري شمر يهرعش بضم حضرموت وتوحيد سبأ وحمير ، وبلوغ حمير أوج قوتها في عهد أسعد الكامل ، ويقال أنه تم مد نفوذها حتى شمال الجزيرة والبحرين وعمان ، حتى مجيء الأحباش في عهد الملك ( ذو نواس ) والذي كان يلقب بملك كل القبائل نتيجة للوضع المتفتت والذي سهل الغزو الحبشي وتم حرب التحرير ومساعدة الفرس ثم النفوذ الفارسي وانقسام اليمن مرة أخرى وسادت الكيانات القبلية المتعددة.
وبينما كان أهل اليمن في هذه الدوامة ظهرت دعوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في مكة ، وبدأت تصلهم تباشير هدى البعثة ، فأجابوا الدعوة ودخلوا في دين الله أفواجا ، وما هي إلا بضع سنين حتى كان أهل اليمن في طليعة المجاهدين في سبيل الله الفاتحين لإمبراطوريتي الفرس والروم ، وأضحت بلاد اليمن جزءاً لا يتجزأ من دولة الخلافة الإسلامية عن طواعية ، فتحول اليمن بذلك من حياة الكيانات القبلية المتعددة والصراعات العشائرية التي كانت تسوده فيما قبل الإسلام إلى كيان موحد يخضع لسلطات مركزية ، ويسوده النظام والأمن ، وبالطبع ليست هذه هي المرة الأولى التي يتوحد فيها اليمن ، غير أنها هي المرة الأولى التي يتوحد فيها من غير أن تسفك فيها ولا قطرة دم واحدة.
وظلت اليمن موحدة وجزءاً من الدولة الإسلامية حتى القرن الرابع الهجري عندما بدأ الضعف والفساد يدب في جسد الدولة العباسية ، ونال اليمن ما نال بقية الأقطار الإسلامية من اضطرابات خاصة أن اليمن كانت بعيدة عن عاصمة الدولة العباسية وكانت ملجأ لكثير من المعارضين.
وبالرغم من ظهور الحركات الانفصالية عن اليمن وظهور الاضطرابات والحروب ، فإن اليمن شهدت ظهور دول يمنية قوية وحدت اليمن في فترات متعددة من التاريخ ورافق ذلك نهضة علمية وسياسية واقتصادية واجتماعية ، وظهرت الكثير من التيارات الفكرية التي عملت على قيام حركة فكرية ثقافية ، واشتهر اليمن كما لم يشتهر أبداً من قبل بالعلم ومدارسه وأصبحت منارته العلمية قبلة العلماء وطلاب العلم من خارج اليمن ، وواكب ذلك نفوذ سياسي يمتد إلى ما هو أبعد من اليمن إلى الحجاز والحبشة وغيرها.
وكانت آخر هذه الدول اليمنية القوية الدولة الطاهرية التي خلفت الدولة الرسولية والتي انهارت بعد تغير طرق التجارة نتيجة لسيطرة البرتغاليين على المحيط الهندي وكان ذلك سبباً مباشراً لمجيء العثمانيين إلى اليمن.
وبالرغم من قيام الثورات ضد العثمانيين في ولاية اليمن واختلاف مساحتها من فترة إلى أخرى ، كان اليمن بحدوده الجغرافية الواسعة يتمتع بوحدته السياسية تحت الحكم العثماني بل حرص العثمانيون على توحيد هذا الإقليم تحت سيطرتهم باستثناء الفترات التي نجح فيها الأئمة في الاستقلال ببعض أقاليم اليمن .
صراع الأئمة على السلطة
وإذا كان اليمن هو أول أقطار العالم العربي استقلالاً عن العثمانيين ( 1045ه/1635م) إلا أن الأثر السياسي لهذا الاستقلال هو سيطرة الأئمة على مقاليد الحكم في اليمن الواحد لأول مرة في تاريخ الإمامة خاصة في عهد الإمام المتوكل إسماعيل الذي مد نفوذه على كافة الاراضي اليمنية، وبالرغم من هذه السيطرة فقد كان نظام الإمامة هو السبب الحقيقي في ظهور الصراع وانفصال كثير من المناطق عن اليمن الأم .
وكان السبب في ذلك هو الصراع والنزاع المستمر على منصب الإمامة والذي ساعد على استمرار هذا الصراع هو طبيعة التعاليم الفكرية لنظام الحكم الإمامي والتي وفر مبررات نظرية لذلك الصراع العنيف في ظل أرضية يمنية قبلية قابلة للخروج والثورة.
لذا فقد كان يتنازع الأقارب وغيرهم على الحكم حول منصب الإمام بعد وفاة كل إمام ، وكان هدف المتنازعين في أغلب الأحوال هو الدخول في مساومات مع من هم أقرب للإمامة للحصول على المزيد من الامتيازات والنفوذ ، مقابل سحب دعواتهم أو على أقل تقدير تثبيتهم على ما تحت أيديهم من مناطق الحكم ، وهذه الخلافات والنزاعات بين مدعي الإمامة ترمي بظلالها على سلطة الدولة ونظم حكمها وأحوال سكانها ، وأصبحت أراضي الدولة مفتتة إلى شبه إقطاعيات شهدت الأطراف الشمالية والشرقية والجنوبية للدولة خروجاً متكرراً عن طوع السلطة بل وخارج المنطقة الغربية في إحدى الفترات ، وأصبح الأمر ممهداً للعدو الخارجي باحتلال عدن وفرض الحماية في المناطق الجنوبية من قبل بريطانيا 1839م وعودة العثمانيين مرة أخرى 1872م إلى المناطق الشمالية ، والتي كانوا من الضعف الذي لا يمكنهم من بسط نفوذهم على اليمن بأكملها.
خط الحدود الأنجلو تركي:
تجزئة الوطن
في 1902 وحتى 1904 شكلت لجنة لوضع حد فاصل بين المناطق التي تسيطر عليها بريطانيا والدولة العثمانية في اليمن وتم تحديد الخط بحيث يبدأ من مقربة من نقطة وادي بنا على مقربة من قعطبة وينتهي بباب المندب وتم الانتهاء من تحديده في 1907 والمصادقة عليه في معاهدة 1914م وهذا الخط هو الذي ظل فاصلاً بين الشطرين لأول مرة في تاريخ اليمن حتى إعادة تحقيق الوحدة في 22مايو1990م .
وقد قاوم اليمنيون العثمانيين بشدة ، واستقلت المناطق التي كانت خاضعة للحكم العثماني حتى عام 1918م عندما انسحب العثمانيون من اليمن على اثر هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى وتسلم الإمام يحيى المناطق التي كانوا يسيطرون عليها .
مخلفات الأتراك في اليمن :
- 1876 إدخال الطباعة إلى اليمن وإصدار أول صحيفة .
- توسيع الطرقات لنقل المدافع .
- إدخال السلك للتلغراف .
- إدخال نظام الإدارة والأرشفة .
- إنشاء سلسلة من المدارس الابتدائية والسلطانية.
- أسسوا مدارس عسكرية في صنعاء وتعز والحديدة وأخذ بعض الطلاب للدراسة إلى استانبول للدراسة .
- التمثيل البلدي - التمثيل البرلماني .
كيف حكم الإمام يحيى اليمن؟
منذ دخول الإمام يحيى صنعاء 1337ه - 1920م حتى معاهدة الطائف 1353ه 1934م عالج شئون الدولة الداخلية بمزيد من الظلم والاستبداد الفردي مستغلاً الدجل باسم الدين ومستثمراً نضال الشعب اليمني ضد الأتراك غير مستفيد مما خلفه الأتراك إلا ما كان له علاقة بضبط الضرائب وتحويل المباني أو المخازن على استخدامات على غير ما كانت عليه.
دخل الإمام يحيى صنعاء بنفسية كئيبة وروح مظلمة وتسلم السلطة وهو أسير ذهنية قديمة متزمتة تنفر من كل جديد أو غريب فلم يستطع أن يرقى بنفسه وطموحه إلى مستوى العصر يتفهمه ويستوعب منجزاته ويستفيد بما يجد حواليه وحاول أن يحكم بنفس القاعدة والأساليب البالية والقاسية التي حكم بها الأئمة الذين سبقوه معتمداً على القبائل الموالية له في ضرب القبائل غير الموالية وفي فرضوبسط نفوذ في مملكته ولم يحاول تكوين جيش نظامي مثل بقية الدول لولا أن مفتي إب القاضي يحيى الحداد نبهه إلى خطورة الاعتماد على الجيش البراني ونصحه بضرورة تكوين جيش نظامي حديث كما نصحه باستبقاء بعض الضباط الأتراك لتدريب وتنظيم الجيش النظامي . حتى بعد أن عقد معاهدة مع ايطاليا واتفق معها على تزويده بالأسلحة دفع 60ألف فرانصة كدفعة أولى لتسليح الجيش ،وحصل على 3 طائرات كنواة أولى لقوات جوية ،أرسل عشرة أشخاص ليتدربوا عليها عادوا بعد ثلاث سنوات وعندما سقطت إحدى هذه الطائرات اعتبرها شؤماً وألغى الصفقة وأوقف الطائرات عن العمل .
فعند مجيئ البعثة العسكرية العراقية إلى اليمن في أربعينات القرن العشرين وصفوا الجيش اليمني بالآتي: « تدريب الجيش كما شهدناه في بدء زيارتنا لليمن ، هو القيام بمسيرات وإتقان بعض الإيعازات والحركات التركية ، التي كانت موجودة في الدولة العثمانية ويدير هذا الجيش بقية من الرجال العثمانيين والعسكريين الذين آثروا البقاء في اليمن وهم مازالوا حتى الآن يحملون الشارات والرتب العثمانية ويرتدون اللباس العثماني»
كذلك ظل الإمام يستعمل دفاتر الدولة العثمانية وأوراقها حوالي أربعين سنة .
كما عمل القاضي راغب بك ( التركي ) وزير الخارجية على إكمال مظاهر الدولة بإقامة علاقات وعقد اتفاقيات مع بعض الدول الأجنبية. هذان هما فقط المظهران من مظاهر الدولة الحديثة فقط اللذان وافق الإمام يحيى على إيجادهما أما ما عداهما فقد كان سلوكه وأسلوب حكمه تجسيداً لقسوة الحياة وطبيعة التفكير والسائد في المناطق المنغلقة على نفسها وقد فرض حصاراً رهيباً على البلاد وعزلها عن كل ما يمت إلى العالم الخارجي أي صلة بل عمد إلى إلغاء النظم الإدارية الحديثة، وأساليب التعليم الحديث الذي كان الأتراك قد نقلوه معهم إلى اليمن عند عودتهم الثانية إليها .
انغلاق وضيق أفق الإمامة
حقيقة ارتكب الإمام يحيى أخطاء كثيرة كان بعضها يرجع إلى ضيق الأفق والانغلاق وطبيعة الاستبداد والبعض الآخر إلى سوء النية والترفع فوق الشعب .
- لا تعليم حتى المدارس التي تركها العثمانيون تحولت إلى سجون أشهرها مدرسة الصنائع التي حولها إلى سجن الصنائع الذي ظل حتى قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر .وإهمال التعليم وجعله مقتصرا على فئة معينة يرجعه الريحاني إلى : «رغبة الإمام في عدم تعميمه حتى ينفرد به فيصبح أعلم قومه».
- ولا صحة اللهم وجود بعض الأطباء الايطاليين الذين يعدون بأصابع اليد يقومون بمعالجة أسرة الإمام الصحية.. وصف طبيب إيطالي لأمين الريحاني الوضع بقوله :«لا طب عندهم ولا دواء ... والأمراض المتفشية في اليمن تفشياً مريعاً هي الجدري وحمى التيفود والملاريا ، والأهالي فقراء ولا يحصلون على قوتهم الضروري إلا بشق الأنفس» . وهذا الطبيب الايطالي الذي خلف الطبيبة الفرنسية كلودي فايان في رسالة إليها قال فيها: « إن الأمر يزداد سوءاً منذ سفرك إن وباء التيفوئيد منتشر ولا وجود للأدوية ..لا شيء ..لا شيء ..لاشيء..!!» وقد وصفت الطبيبة الفرنسية وضع النساء في عهد الإمام بقولها: «قد يخيل للإنسان أنه يستطيع أن يتصور فظاعة وشناعة كهذه ولكن مشاهد هؤلاء النسوة في هذه الزرائب أكثر سوءاً من كل ما قد يخطر على البال لقد قرأت كما قرأ الناس أوصاف معسكرات الإبادة والإفناء ولكني هنا رأيت بأم عيني امرأة تحتضر وهي راقدة فوق برازها رأيتها تنهض وتستند على كوعها وتتناول طفلها المبلل وهي في النفس الأخير تتضرع وتتوسل» .
- عزلة اقتصادية حتى محصول البن كانت تحتكره شركة يونانية وتتلاعب بسعره بسبب عدم معرفة اليمنيين القليلة بالسوق وعدم وجود رأس مال لديهم.
فرض ضرائب جائرة
- فرض ضرائب جائرة مع فقر شديد يعم الجميع فهذا مواطن من منطقة يريم يذكرلأمين الريحاني «لا غنم عندنا ولا بقر ولا ماعز ولو كان عندنا فليس من يرعاها ، شبابنا في عسكر الإمام ، وأولادنا هاربون من التجنيد والعمال أخذوا أغنامنا كلها زكاة وضرائب لبيت المال».
راجع الإمام أحد أصدقائه من جور الضرائب التي يفرضها على المواطنين وطلب منه أن يخفف منها أجابه بقوله: « هل رأيتهم يحملون البصائر ويعرضون أرضهم للبيع؟»
ومن الأخطاء التي ارتكبها الإمام يحيى:
توزيع الإمام يحيى أبناءه أمراء على بعض الألوية
وزع الإمام يحيى أبناءه على ألوية المملكة فأحمد في تعز والحسن في إب وعبد الله في الحديدة والمطهر في حجة والذين زاولوا من الظلم والجور والتعسف ما هو معروف وعبرت عنه قصائد الأدباء والشعراء وبالذات قصائد عبد الرحمن الإرياني التي تداولتها الجمعيات الأدبية والسياسية التي انتشرت في مختلف المدن. حتى أن نظرته إلى هذه الألوية بقدر ما تدر عليه من دخل فمثلاً البيضاء كانت جزءاً من لواء ذمار وطلب عبدالله بن أحمد الوزير مبلغ ألفي ريال للجيش المرابط في البيضاء كرواتب فأجابه الإمام يحيى بقوله : « إذا كانت وارداتها لا تفي بمصاريفها فلتلحق بإخوتها» .
أما مارب فقد سمع الإمام يحيى يقول :«ما معنا فائدة من مأرب هذه تخسرنا كل سنة خمسة ألف ريال معاشات ونحن ما فيش معنا منها مدخول ماعدا نشتيهاش» .
تعيين بقية أبنائه وزراء
ومن الأخطاء عين الإمام بقية أولاده وزراء لوزارات وهمية لا وجود لها في الواقع أو يمكن القول أن بعضها أنها مجرد مكاتب لإدارة صغيرة لمكتب وزارة في مديرية من مديريات الجمهورية.
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يعكس انتفاضا صولة الأسد
ومن ناحية أخرى شكل أولاد الإمام والمسئولون والمتنفذون في تلك الأولوية وتلك الوزارات بسلوكهم وتصرفاتهم إشكالات وتنافسا مع بقية كبار موظفي الدولة .وكان على جميع الحكام والعمال أن يراجعوا في قراراتهم وأحكامهم إلى الإمام .
نظام الرهائن
وهي وسيلة لجأ الإمام لفرض سيادته ، وضمان إخلاص وطاعة القبائل والجهات المختلفة اليمنية ، فقد كان يأخذ رهينة من شيوخ القبائل أو أصحاب النفوذ في الجهات المختلفة وهي دائما ما تكون الابن أو الأخ أو أقرب الناس إلى الشخص الذي يرغب الإمام في إخضاعه له . وكان يحتفظ بهذه الرهينة في صنعاء أو الحديدة أو أي مدينة بعيدة عن مركز أو وطن الشخص نفسه وكانت أعمارهم تتراوح بين العاشرة والثامنة عشرة ويمثلون كل القبائل .
ولاية العهد
كان أكبر خطأ جعله ولاية العهد لابنه أحمد فقد كان هذا الخطأ انتهاكاً واضحاً لمفهوم الإمامة أو في الحكم بناء على القواعد الأصولية عند الزيدية التي ترفض ولاية العهد وتقر اختيار المؤهلين للحكم ، فالإمام المنصور اختير من فرع من آل القاسم لم يسبق أن تورط في الحكم طيلة أربعة قرون ، واختيار الإمام يحيى نفسه كان لمشاركته لوالده في الحكم والنضال ضد العثمانيين طيلة سنوات حكمه الأربع عشر حتى توفي 1323ه/1904م في قفلة عذر.
فاختيار يحيى ليخلف والده رغم تحفظ بعض العلماء عليه للأهلية التي أظهرها الرجل ففي ظرف خاص ومرحلة مهمة لها مبرراتها ، ولم يكن يحيى نفسه في الواقع قد اختير من قبل وليا للعهد أو أن شيئا من هذا القبيل قد أثير في هذه القضية في حياة والده هكذا اتخذت رغبة الإمام في تعيين ابنه الكبير السيف أحمد وليا للعهد مسارا لم يكن في حسبانه فبالإضافة إلى موقف كبير من العلماء الذين استهجنوا الإقدام على مثل هذه الخطوة فقد أثار حفيظة آخرين وبالذات عبدالله الوزير الذي كان يرى في نفسه أو أسرته بديلا منافسا .
سياسة الإمام يحيى الخارجية
الإمام ظل يعتبر عدن والمحميات جزءاً من مملكته وظل يطالب بها ولكنه فشل في تحقيق أي انتصار عسكري حاسم على بريطانيا في التخوم الجنوبية وفي 1928م هاجم الإمام الضالع وبلاد القطيبي وردت بريطانيا بقصف الطيران على المدن اليمنية ( الضالع - قعطبة - ذمار - يريم - تعز -إب) حتى انسحب الإمام من هذه المناطق .
وعلى الرغم من عدم اعتراف الإمام يحيى بالاتفاقية الأنجلو تركية التي تحدد خط الحدود بين الشطرين إلا أنه في 1934 م عقدت معاهدة أنجلو يمنية لمدة 40 سنة اعترف فيها بالوضع القائم كما هو عليه .
وفي 1938م هاجمت بريطانيا شبوة وزعمت أن بينها ومنطقة شبوة معاهدة شرف ، واتضح أن الغزو البريطاني كان بهدف الكشف عن البترول واستخراجه .
كان من الممكن أن يتحقق حلم هذه الطلائع اليمنية التي كانت على جانب من الاطلاع والفهم بالتطورات الجارية في العالم وتأثرت بها واحتكت بالإدارة التركية أو البريطانية واستفادت منها لو كان الإمام يحيى صادقاً فيما بذله من عهود ووعود لهذه الطلائع وغيرها أثناء دعوته للإمامة خاصة وقد دانت له كثير من المناطق بالطاعة والولاء وقدم رؤساؤها لتهنئته ومبايعته كان من الممكن أن يتحقق ذلك لو كان إماماً متجاوباً مع هذه الطلائع وله نفس تفكيرها وطموحها لكنه كان على عكسها ونقيضها لم يحتك مثلهم بإدارات حديثة ولا تأثر بما يحدث في العالم من تطورات ولا مؤمناً بالأخذ بأساليب الحكم الحديثة من إدارة ودستور وبرلمان وجيش في بناء الدولة لأنه عاش وترعرع في بيئة متزمتة تأثر بها واتخذها أسلوباً لتصرفه ومنهجاً لنظام حكمه.
لقد جاء من مناطق جبلية جرداء قاحلة منغلقة على نفسها ومنعزلة عن المناطق التي عاشت ردحاً من الزمن تحت الحكم التركي ولم تكن على صلة مثلها بما يجد في العالم.
ولد هذا الأسلوب من الحكم ردود فعل معاكسة لدى مواطنين اتخذت أكثر من شكل وأكثر من أسلوب باختلاف دوافع السخط والتذمر ونوعية الاضطهاد الذي يعانون منه ومثلما اختلفت بواعث التذمر وأساليب الاحتجاج من قبل المواطنين اختلفت أساليب الانتقام منهم وفقاً لاختلاف مواقفهم ومكانتهم الاجتماعية.
سخط عليه المستنيرون والعلماء من أبناء المدن بالذات أبناء صنعاء وذمار لتزمته وانغلاقه وكانوا يرون أنفسهم أكثر تطوراً وتفهماً وانفتاحا على العالم ولأساليب الحياة الجديدة منه فراحوا يضيقون به ذرعاً وبما يمارسه من تزمت وانغلاق وربط طاعته بطاعة الله سبحانه وتعالى فأخذوا ينتقدون تصرفاته وسلوكه ليفضحوا القداسة التي يغلف بها تصرفاته وأد طموحهم ركبت تطلعاتهم وتحرض العامة عليهم بما يوجه إليهم من تهم والتقصير في أداء الشعائر الدينية واتهم الذين تقدموا له بالنصح بمحاولة اختصار القرآن وتحت هذه التهمة زج في السجن بكل من الحاج محمد المحلوي وعبد الله العزب وصالح السنيدار وأحمد المطاع ومحمد المطاع والشماحي.
ولما لم تجد نصائح المخلصين أو شكاواهم أذناً صاغية عند الإمام العجوز وقد وقع من ثم تحت سيطرة الأبناء . فكانت ثورة 1948م الدستورية والتي كانت بداية كانت النهاية لنظام الإمامة الذي استمر فيه آل القاسم من القرن 17 .
الإمام أحمد
تمكن السيف أحمد من القضاء على ثورة 48 والتنكيل بقادة الثورة بالإعدام والسجن ، وقام بنقل العاصمة إلى تعز. وعلى الرغم من اشتهاره بالكرم وتقريب العلماء والأدباء إلا أنه كان ينزع إلى التفرد بالرأي وكان مزاجه الحاد هو الطاغي على شخصيته . فمنذ توليه أمر الإمامة اقتفى سيرة والده متخذاً من سياسة العزلة منهجا في الحكم لإدارة دفة الدولة. فبعد انتصاره اتخذ تعز عاصمة له واستبعد صنعاء بسبب النهب الذي لحق بها بعد إسقاط الحكومة الدستورية حتى أنه رفض استقبال المبايعين له من فقهاء صنعاء بحجة أنه نال الخلافة «بنصرة الله من البغاة«. وأناب أخاه الحسن عنه على صنعاء وهو المعروف بشدة البخل والتشدد على الناس .
وبالرغم من قسوته وشدته إلا أن حركة 55 كادت تطيح به لولا ذكاؤه في التخلص من قادتها وأعدم أخويه العباس وعبدالله وقائد الحركة أحمد الثلايا . وبعد فشل الحركة زادت رغبته بانتهاج سياسة العزلة وحاول تثبيت أركان نظامه المهزوز في أعين الناس بنسج قصص أسطورية حوله ك«أن جسده مصرف» أي لا تخترقه العيارات النارية ، وحكايات أقرب ما تكون إلى الخيال من الواقع ، بوصفه واحداً من الأئمة الذين يمتلكون كرامات وخوارق للعادة تؤهله للإمساك بزمام طائفة من الجن تخبره عن كل شاردة وواردة تحدث في أرجاء مملكته . وعليه فقد تكنى أحمد رسميا بالناصر ثم أصبح يعرف شعبيا بلقب : « أحمد ياجناه» .أما علاقته الخارجية فقد انضم إلى الحلف الثلاثي ( مصر -السعودية -اليمن ) 1956م وحصل على دعم من السعودية ثلاثة ملايين دولار تم بها شراء صفقة الأسلحة السوفيتية وانتهى هذا الحلف لاحقا . كذلك انظم إلى الاتحاد العربي بين اليمن ومصر وسوريا وانسحب ،ودخل في خلاف مع جمال عبد الناصر وكذلك ارتكب نفس غلطة أبيه في ولاية العهد لابنه البدر . وكانت محاولة اغتياله في الحديدة 1961م تعجيلاً في نهاية حكم الإمامة بعد وفاته بأسبوع في 26 سبتمبر 1962م .
ويمكن أن نورد هنا بعض الشهادات التي أتت من غير اليمنيين والتي كانت شاهدة على وضع اليمن في عهد الأئمة التي تجمل الوضع المأساوي الذي عاشه الشعب اليمني تحت حكمهم ردحا طويلا من الزمن .
فهذا أمين الريحاني يذكر أن من يريد أن يرى كيف كانت الحياة في القرون الوسطى فعليه بزيارة اليمن فيذكر :«وكأنك في السياحة في تلك البلاد السعيدة ، تعود فجأة إلى القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي ) لا مدارس ، ولا جرائد ، ولا مطابع ، ولا أدوية ، ولا أطباء ، ولا مستشفيات في اليمن ، إن الإمام هو كل شيء هو العالم ، والطبيب، والمحامي، والكاهن».
مملكة اقطاعية
والطبيبة الفرنسية تعبر عن الوضع بتعبير مشابه فتقول : « مهما يكن من أمر فإن اليمن التي تساوي ثلث مسافة فرنسا ويسكنها نحو خمسة ملايين نفس ما زالت تعيش في ظلام القرون الوسطى وهي من وجهة النظر السياسية مملكة إقطاعية اقتصادها قائم على الزراعة والحرف. واحتياجاتها لهذه الأسباب قليلة ولا يدخلها إلا القليل من المهندسين والأطباء الأجانب وهي لهذا ميدان مفيد جداً للباحثين في أصول السلالات البشرية ومميزاتها إذ لم يعكره أي شيء غربي على الإطلاق».
وتقول : « من النادر الدخول إلى اليمن أو الخروج منها عن غير طريق عدن. فليس من خط جوي منتظم يمر فوق الأراضي اليمنية. ورغم أن في مدن اليمن الرئيسية الثلاث: صنعاء والحديدة وتعز،مطارات صالحة لنزول الطائرات فلا تستعملها إلا طائرات الإمام لأنها محرومة من المؤسسات اللاسلكية التي تفرضها اللوائح الدولية».
ما أثار مشاعر بومدين
وهذا الزعيم الجزائري هواري بومدين عندما زار اليمن عام 1962م بعد قيام الثورة وكان في حينها نائبا للرئيس الجزائري وكما هو معروف تضحيات الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي بلد المليون شهيد وزار صنعاء والحديدة وتعز صدم الواقع المعاش في بلادنا مشاعر الثائر هواري بومدين عندما وجد جزءاً من حياة القرون الأولى لا تربطه أية رابطة بحياة القرن العشرين لم يكن هناك أية طرق رئيسية مسفلتة سوى طريق الحديدة _ صنعاء التي فرغ الصينيون لتوهم من شقها وسفلتتها وما عداها لا توجد طريق رئيسية أو فرعية حتى ترابية بين المدن الرئيسية أو داخل المدن وشاهدوا المواطنين الذين يتوافدون من مختلف مناطق القبائل بصورة جماعية للتهنئة بالثورة باسم القبيلة وهم شبه عراة وأقدامهم الحافية تثير أثناء سيرهم نحو القصر الجمهوري سحباً من الأتربة تسد الأفق ففال بومدين معلقاً على ذلك:«إذا كان الاستعمار يصنع هكذا في الشعوب فعلينا نحن الذين حاربنا الاستعمار أن نصنع له تمثالاً» .
الوضع السياسي والاقتصادي بعدن والمحميات
عندما أقدمت بريطانيا في يناير 1839م على احتلال عدن ، كان قد سبق ذلك محاولات من قائد الحملة البريطانية تستهدف إرغام المواطنين على التنازل عن عدن مقابل مبلغ من المال، وعندما رفض المواطنون ذلك أقدمت على احتلالها بالقوة بعد قصفها بمدافعها الثقيلة واستمرت المقاومة المسلحة حتى عام 1841م بصورة متقطعة وقام بها المواطنون في لحج وأبين وسقط الشهداء في ساحل صيرة وكان هدفها من وراء ذلك الاحتلال أن تجعل من عدن محطة للتموين بالماء والوقود لأساطيلها التجارية المتنقلة بين موانئ بريطانيا وموانئ مستعمراتها في الهند والصين وبورما وبالتالي لتتمركز فيها قوات عسكرية بريطانية كنقطة حراسة لهذه السفن العابرة إذا ما تعرضت لأي عدوان وقد ارتبطت عدن إداريا بعد احتلالها بالإدارة البريطانية في الهند أهم مستعمرة بريطانية والتي كانت تتبعها إدارياً كل المستعمرات والمحميات البريطانية الكائنة بين مصر والهند.
بعد احتلال بريطانيا لعدن عملت بعض الشركات البريطانية والهندية المتخصصة في الملاحة وتموين السفن على فتح فروع لها في عدن لتقديم الخدمات المطلوبة واللازمة للسفن من تموين وإصلاح وتفريغ.
فقد أقامت هذه الشركات لنفسها في عدن مكاتب إدارية ومراكز للفحم الحجري الذي تستخدمه السفن كوقود لها وورشات صيانة ومنازل لسكن موظفيها وحاويات من محطات التموين إلى السفن وكلها تتطلب عمالاً وموظفين ليعملوا في هذه المرافق فأوجد ذلك نشاطاً تجارياً وعمالياً وعمرانياً في عدن واجتذبت إليها رجال أعمال وعمالاً على حد سواء.
كانت الوسائل المتبعة لتوفير هذه الخدمات للسفن التجارية بدائية وشاقة إذ تستخدم الزنابيل الخزفية أدوات لنقل الفحم الحجري وسواعد العمال وعضلاتهم هي الوسائط في هذا العمل الشاق ولتوفير الخدمات المطلوبة لتزويد السفن بالوقود بأقصى سرعة ممكنة.
وقد وجدت هذه الشركات العاملة في محطة للتموين في أبناء المناطق الوسطى مثل العود والرياشية وخبان وعمار وتعز وإب وجدت فيهم حاجتها من العمال في مجال التموين ووجدت حاجتها من العمال في مجال الصيانة والتحق بالعمل في القوارب البخارية البحرية وورشات الصيانة وخدماً في المنازل والفنادق أبناء الحجرية.
وقد بنت هذه الشركات منازل صغيرة للعمال العاملين في القوارب البخارية وبنت براقات واسعة للعمال الذين يقومون بتفريغ السفن من الفحم أو تزويدها بها مستخدمين الزنابيل الخزفية بنت لهم جميعاً هذه المنازل في جحيف بجوار مستودعات الفحم والأرصفة الخاصة بذلك ليكونوا على استعداد في أي ساعة يطلب منهم العمل في الليل أو النهار.
لذا كانت عدن منذ ذلك الحين تعتبر متقدمة ومتطورة إذا قيست ببقية المدن والموانئ اليمنية الأخرى أو بأية مدينة أو ميناء في الجزيرة العربية وكل ما وجد في عدن من عمران وأعمال أوجده النشاط الملاحي وحده وتمخض عن وجود محطة للتموين فيها .
ولكون عدن إدارياً مرتبطة بأهم مستعمرة بريطانية وهي الهند فقد قدم إليها وتوافد عليها كثير من أبناء الهند الهندوس والمسلمين ومن أبناء المستعمرات الأخرى وبالذات ما كان يعرف بالصومال البريطاني وتوافدوا إليها جمعياً للعمل فيها توافد إليها كثير من أبناء المناطق اليمنية المجاورة والقريبة من الشمال والجنوب على حد سواء وبنسب مختلفة خاصة وقد تطلب عمل تمويل السفن الاستعانة بمئات العمال كان غالبية العمال من أبناء المناطق الشمالية العود والرياشية وعمار وسبب حاجة الشركات آنذاك لهذا النوع من العمل والأيدي العاملة كانت بريطانيا تنوي بسط حمايتها على مناطق العمال هذه التي توفر للشركات حاجتها من العمال كما يقول ضابط سياسي بريطاني في عدن هو الكولونيل جيكوب: «كان خط حدودنا مع الأتراك يقع في أماكن اصطناعية وغير طبيعية وفيها الكثير من المضايقة وتقع بعض المناطق مثل جبن في الجانب التركي وهي المنطقة التي تمد عدن بالكثير جداً من الحمالين للفحم كما تمتد السفن التجارية التي تعبر المحيط بالرجال المطلوبين لإحراق الوقود المحرك للآلات البخارية».
التحاق العمال اليمنيين بالبواخر الأوروبية
كان الكثير من اليمنيين يلتحقون بالبواخر الأوروبية للعمل في إحراق الفحم تحت الخزانات المولدة للبخار في سطوح البواخر لأن الأوروبيين لا يستطيعون تحمل الحرارة بجانب الخزانات خاصة وهم يزودونها بالفحم باستمرار إلى جانب حرارة المنطقة من السويس إلى الهند إذ كانوا يتعرضون للموت إذا قاموا بتلك الأعمال ، لذا كانت البواخر تستخدم اليمنيين والهنود للقيام بتلك الأعمال وقد استغني عنهم عندما حل النفط محل الفحم وقد استقر كثير من اليمنيين في الدول الأوروبية ومستعمراتها منذ ذلك الحين.
بقيت عدن محطة لتمويل السفن بالفحم كوقود لمحركاتها حتى بداية الخمسينات إلا أنه بعد نهاية الحرب العالمية الأولى أنشأت الشركة الإنجليزية الإيرانية ( أنجلو إيران) أول خزانات في جحيف مستودعات للنفط لتموين السفن التي بدأت تستخدم النفط بدلا من الفحم.
وفي عام 1944م أنشأت شركة ( كالتكس) الأمريكية مستودعات للنفط خاصة بها كما بنت رصيفاً خاصا بها إلى جانب الخزانات في المنطقة المعروفة دقة كالتكس وفي عام 1950م أنشأت شركة أمريكية أخرى ( استاندرد فالكيوم) مستودعات للنفط.
وبسبب هذا النشاط التجاري العالمي الذي اتسع بين الشرق وأوروبا وبعد أن حل النفط محل الفحم كوقود للسفن أنشأت شركة ( أنجلو إيران) مصفاة الزيت في عدن الصغرى البريقة خاصة وأن عدن كانت أكبر الموانئ العالمية وتقع في أهم الطرق البحرية رست في ميناء عدن عام 1958م ستة آلاف باخرة مقابل ألفي باخرة عام 1938م.
فشل بريطانيا في تغيير هوية عدن
منذ عام 1889م تولى إدارة ميناء عدن مجلس خاص مكون من مختلف الشركات الأجنبية وبالدرجة الأولى الشركات البريطانية التي استغلت الميناء وهذا المجلس مستقل لا يتبع الحكومة عدن كما أن دخل الميناء كان لصالح هذه الشركات التي يتكون منها مجلس الأمناء.
إلا أن مقاليد أمور عدن السياسية والإدارية والاقتصادية بما فيها الوظائف الكتابية مع الشركات الأجنبية انحصرت جميعها بأيدي الهندوس وحدهم يشاركهم بعض اليهود والبهرة في النشاط التجاري .
بقيت عدن والمحميات على هذه الحالة أكثر من قرن كامل لا تملك عدن من أمر نفسها ولا لأي من أبنائها أو لغيرهم من أبناء اليمن رأي فيها.
أما ما كانت تقدمه بريطانيا من خدمات لمستعمرة عدن أو ما قدمته حتى نهاية الحرب العالمية الثانية هي ثلاث مدارس ابتدائية في المدن الثلاث: عدن، المعلا، التواهي ومدرسة ثانوية في عدن ومستشفى واحد ( المستشفى الأهلي) وقد قامت النوادي الأدبية التي أسست في مطلع الثلاثينات خدمات في مجال التعليم بإرسال الطلبة لتلقي دراستهم العليا في الخارج أكثر مما قدمته بريطانيا في هذا المجال.
ومع تشكيل النقابات العمالية بدأت الأمور تتغير في عدن وإقرار انتخابات بلدية حاولت به بريطانيا حصر التصويت فيه للهنود والصوماليين إلى جانب أبناء عدن وحرمان أبناء المناطق الشمالية والمحميات منه وبدأ النشاط السياسي يتبلور وتشكلت الأحزاب والجمعيات .
تفجر صراع سياسي على الساحة بين الجمعية العدنية المطالبة بالحكم الذاتي لعدن وبين رابطة أبناء الجنوب المطالبة باتحاد الإمارات المحمية في كيان واحد وكلاهما ضد الوحدة اليمنية .
وحاولت بريطانيا انتهاج سياسة التسفير ضد العمال من مواليد الشمال بسبب فشلها في تغيير هوية عدن العربية فهذا أحد البريطانيين يعترف بذلك قال : «إن أبناء الشمال حافظوا بكثرة تواجدهم على هوية عدن العربية إن لم تقل اليمنية وإلا لكانت عدن بدونهم مقاطعة هندية أو صومالية لكثرة وجود الهنود والصومال فيها وبمنحهم كل حقوق المواطنة مثلهم مثل أبنائها» إلا أن النشاط النقابي كان له أكبر الأثر في الجنوب بالرغم من طرد العمال الشماليين .
حاولت بريطانيا في 1954م دمج مستعمرة عدن والمحميات في كيان سياسي واحد إلا أنه فشل بسبب التركيز على إعطاء حق الانتخاب لسكان عدن من أبناء الجالية الصومالية والهندية وحرمان أبناء المحميات والمناطق الشمالية من ذلك فكان بداية النضال الذي تزعمته نقابات العمال وظهرت الجمعيات والأحزاب والصحف ، وحاولت بريطانيا بالترغيب والترهيب وأد نشاط القوى الوطنية إلا أن قيام ثورة 26سبتمبر التي وفرت القاعدة الخلفية والمساندة لثورة 14أكتوبر عملت على قيام الجمهورية وطرد المستعمر وبدء العمل في سبيل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.