بعد أن كانت العلاقات الدبلوماسية مع جيبوتي تدار من أديس أبابا، تستعد ألمانيا الآن لافتتاح سفارة خاصة بها في جيبوتي، وذلك لأسباب عديدة، منها أنها شريك في مكافحة القراصنة والإرهابيين وفي القضايا الأمنية والتقنية الخاصة بالبيئة. لدى ألمانيا 229 سفارة، فلماذا هي في حاجة لسفارة أخرى في بلد لا يزيد عدد السكان فيه عن 600000 نسمة (وهو أقل من عدد سكان مدينة بريمن الألمانية بقليل)، ولايبلغ إجمالي الناتج المحلي به 600 مليون يورو؟ حتى في أفقر مناطق ألمانيا يبلغ دخل الفرد 40 ضعفاً من دخل الفرد في القرن الإفريقي. الخارجية الألمانية أوضحت في بيان لها – تلقى " التغيير " نسخة منه – الأسباب المتعلقة والتي قالت إنها كثيرة وذكرت منها الآتي : نقطة ارتكاز للجيش الاتحادي تقع جيبوتي في موقع جغرافي مهم استراتيجياً على الممر بين البحر الأحمر وخليج عدن، حيث يقع الميناء الأفريقي الوحيد الذي يصلح للسفن الضخمة بين مخرج قناة السويس الجنوبي ومومباسا الكينية، ولاتكتفي البحرية الألمانية بالتوجه بصفة منتظمة إلى ميناء جيبوتي فحسب، بل تتمركز قوة ألمانية كبيرة هناك بشكل مستديم ، مما حول تلك الدولة الصغيرة – دون أن يشعر بذلك أحد – إلى نقطة ارتكاز مهمة للجيش الاتحادي، فألمانيا لديها مصالح في تلك المنطقة الواقعة بين شمال شرق أفريقيا والعالم العربي. تستهدف القرصنة في المحيط الهندي المصالح التجاربة الألمانية، حيث إن ثلاثة أرباع البضائع المتجهة إلى أوروبا عن طريق البحر تمر بخليج عدن، وتمتلك الملاحة الألمانية نحو 3400 سفينة لتكون بذلك ثالث أكبر أسطول تجاري في العالم، حتى ولو كان 80% منها تبحر رافعة أعلام باناما أو ليبريا أو دول أخرى. أما عن مكافحة الإرهاب، فإن الجماعات الإرهابية تقوم بعملياتها في الجوار المباشر لجيبوتي مثل اليمنوالصومال. وينتج عن الاثنين – مكافحة الإرهاب والعمليات الموجهة ضد القرصنة – أسئلة تخص الوضع الاستراتيجي، مما يتطلب سرعة التفاهم مع الشركاء الجيبوتيين. وكان هذا في الماضي يحدث عبر بوابة أديس أبابا، أما مستقبلاً فإن السفارة الألمانية هناك سوف تتولى هذه المهمة. شريك سياسي يتمتع بالثبات إن اهتمامنا بجيبوتي يتجاوز ذلك، فإنها بوصفها دولة صغيرة في منطقة مهمة وغير مستقرة تعدّ شريكاً سياسياً يتمتع بالثبات وفاعلاً ديبلوماسياً واثقاً، حيث توسطت بنجاح أثناء الحرب الأهلية الصومالية، وتشكل "اتفاقية جيبوتي" التي أبرمت في أغسطس 2008 الأساس لحكومة الصومال الانتقالية المعترف بها دولياً، كما تستضيف جيبوتي الهيئة الإقليمية IGAD (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية). إن السياسيين والديبلوماسين والتجار في جيبوتي يتمتعون بشبكة علاقات دولية جيدة، ليس في أفريقيا فحسب، بل في العالم العربي أيضاً ولذلك فإن إقامة الحوار هناك أمر يستحق العناء. شركاء للاقتصاد الألماني ويمكننا التفكير فيما هو أبعد من ذلك، فجيبوتي تهتم اهتماماً شديداً بتطوير الطاقة الصديقة للبيئة، فهناك فائض من أشعة الشمس والحرارة – فضلاً عن التوجه إلى الاستعانة بالتقنية الألمانية، ذلك أن ألمانيا تنتمي إلى رواد السوق العالمية في مجال الطاقة المتجددة. تمتلك جيبوتي أهم ميناء في شمال شرق أفريقيا علاوة على خط سكة حديد ممتد حتى أديس ابابا يتم توسيع مداه باستثمارات كبيرة، مما يعدّ فرصة للاقتصاد الألماني الذي لديه الكثير ليقدمه في مجالي تكنولوجيا النقل والمجالات اللوجستية. إن جيبوتي – تلك الدولة الصغيرة الواثقة التي تقع بين البحر الأحمر والمحيط الهندي وبين أفريقيا وشبه الجزيرة العربية - تقدم نفسها كملتقى للمال والاتصالات، تحذو بذلك حذو لوكسمبورج وسنغافورة ودبي.