- 1 - الله .. فجأة وبصورة إجبارية تكتشف كم كنت بحاجة لهذه الإعاقة ( المؤقتة ) ! .. كم كنت بحاجة إلى الوقت الذي يتبخر من بين يديك دون أن تدري أو تقدر قيمته ! يا الهي .. تقول لنفسك : مرت أيام وليال وأسابيع وأشهر وسنوات كثيرة وكنت بحاجة فقط إلى وقت قصير منها كي اقرأ نفسي بهدوء ، كما هو الحال في الوقت الراهن ! أيها المرء : حريتك عبء ثقيل وليست كما تتصور ، وخسارة كبرى إن لم تفد منها نفسك ومن حولك .. لا تحدث نفسك بجنون عن سالف أيامك وحياتك الماضية ، دع اللوم وانظر بإيمان إلى مرآة حاضرك فسترى ماضيك من خلفك وستقرأ ملامح مستقبلك من بين ثنايا أوجاعك الراهنة ، ستفعل ذلك حتما إن أدركت فعلا ما أنت عليه َ!! الله .. كم هذه الدنيا لعوب وكم نحن نمضي فيها بغباء ، ونحن الذين نعتقد أنفسنا " شطار " .. وكم حياتنا تعيسة .. الله ما أتعسنا .. لا نرى شيئا من حولنا ! - 2- من نافذة غرفة تقيم فيها عليك أن ترى العالم من حولك ، فأنت محظوظ انك مازلت ترى وتسمع ومحظوظ أيضا أن لديك نافذة ! قدرك من هذه النافذة أن ترى الآخرين في الوجوه التي تمر أمامك ، هناك وجوها محدودة تراها كل يوم ولا تتغير فيها سوى ما ينعكس عليها من الحياة اليومية ، وترى هؤلاء الأشخاص كل يوم بلبوس جديد ومختلف حتى لا ترى في الشكل الجديد جديدا ، لكن ملامح الوجوه دائما ما تحمل الجديد ! من مكانك هذا ترى أيضا وجوها أخرى وشخوصا أخرى قذف بها قدرها إلى هذا المكان ، الأمر ليس سارا وليس اختياريا أيضا ، لكنك تتأمل كيف يحاولون التأقلم .. تراهم يظهرون ابتسامات مقاومين وبعضهم يحاول أن يبالغ في نسيان همومه فتراه وتسمعه يقهقه حتى يتصور لك انه قد رمى هموم الدنيا خلف ظهره وانه يعيش فقط لحظته ليس إلا !! الوجوه كثيرة ، تلك التي اعتدت أن تراها كل يوم أو المؤقتة وهي تتجدد كل يوم وكل من يأتي جديدا إلى هذا المكان لابد له وان ينسى همه ، أن يتعرف إلى الحراس وبعض الممرضين والممرضات ، فالمكان والزمان لا يحتملان أن تكون وحيدا ، فعليك أن تملأ نفسك أملا كي تساهم في شفاء من ترافق ! - 3 - من تلك النافذة عليك أن تتابع عالمك الخاص والجديد ، لا تعتقد أنها أيام فقط يمكن حسابها بلغة الأرقام .. من نافذتك فرض عليك في هذه المدينة ومن فوق هذا السرير أن تمضي وقتا في تأمل أسوأ الطيور التي خلقت وان تقنع نفسك بطريقة أو أخرى أنها أي الطيور ليس لها ذنب فيما هي عليه من شكل ولون اسود داكن وما تملك من أصوات منفرة تظل تسمعها حتى في منامك ، فهي تنعق كثيرا لسبب وبدون سبب !! نافذتك هذه هي عالمك الطبيعي ومنفذك الوحيد نحو أفق الحرية المنتظرة من سجن بدون سجان ورأي لا تستطيع أن تعترض عليه وان كنت في داخلك ترفضه. أنت محظوظ بان لديك تلفاز و ( ديش ) ، لكنك قليل الاهتمام به ودائما ما تعطيه ظهرك لأنك ترفض الألم المنقول في القنوات الإخبارية وهو الم لا ينقطع ، الم بما يحويه من مشاهد الدماء التي تزهق والأشخاص الذين مللت رؤيتهم كل يوم يلوكون الكلام ذاته وكأنهم ممثلون تحولوا من محترفين إلى ببغاوات سياسية انعدمت لديهم المشاعر الإنسانية التي تقطر من أفواههم ! - 4 - من نافذتك هذه تقرأ ما تحكي تلك الأشجار القديمة في هذا الحي الهادئ في هذه المدينة ، وترى كم هذه الأشجار بائسة ، اشد بؤسا منك ، وربما تلتقيان في هم مشترك ، هي في مكانها لا تحرك ساكنا وحتى الرياح لم تعد تحرك فيها سوى بعض الفروع ، وأنت لست أفضل حالا ، فوق سرير لا تتحرك إلا قليلا وبمساعدة الآخرين ، وكلاكما يحتمل ذلك الطائر البائس الذي لا يسر الناظرين أو السامعين ! من هذه النافذة تنظر إلى الحارس العجوز الذي يبدأ نهاره كل يوم بترديد مقاطع من أغاني الزمن الجميل ، مقاطع تطرب لها أنت ولا يهم الصوت ، وكأن لسان حاله يقول لك انه يتحسر على ماضيه وشبابه وهي حسرة في الأصل على المدينة التي آل حالها إلى ما هو عليه اليوم من سوء ، فلو كانت أحسن حالا لما كان هو اليوم هنا أصلا .. اللعنة على الرفاق ، تقول في نفسك كما يقول هذه الجملة أناس كثر داخل هذه المدينة وليس من داع لعدهم ، فهناك من يقولها سرا وهناك من يقولها علانية ! اللعنة على من قذف بنا وسط مثلث برمودا .. والأفضل حالا هو من يردد الزامل الحضرمي الذي يتحدث عن المعروف الذي قدمه لشعبه الزعيم الصامت !!