(تغريد) بلا فرح و(أمجد) ينتظر العُوادة و(وداد) تعارك الظمأ و(مروان) يبحث عن الدواء استطلاع/ عبدالعزيز الويز قد يكون العيد في عمر أناس موسما للابتهاج وتنفيس الروح وتفكيه الجسد والعقل وهذا حقهم، لكنه لدى آخرين كُثر موسما لإنضاج المشاعر بلظى الحرمان والفاقة واحتضار بطاقات التهنئة وتبادل باقات العزاء ومواويل البكاء، فأعيادهم أشد بؤسا من أيام السنة كلها يزيد من بؤسهم إنهم في يوم عيد، أثرياء بجوعهم وعفتهم، ومتخمون بأوجاعهم المتجددة من العيد إلى العيد، لا شيء يوحي بأن العيد قد زارهم أو دق لهم بابا. تفتش في مآقي أطفالهم الطافحة بالحزن عن عيد مر من هنا وتعيد في التدقيق لكن ما هناك غير حشرجات أمارة بالدمع، وتقلب في صفحات أعيادهم بحثا عن صباح ندي فتجد عناءهم أكبر من قاماتهم وبؤسهم يختزل أرقام أعمارهم البالية. ببساطة لم يحضرني الحس الصحفي للخروج إلى الأطفال في يوم العيد لاستجلاء مشاعرهم واستشراف أجوائهم وأنا من أغلق عليه باب داره واختار خلوته بنفسه حدادا لمقاطعة العيد واعتزال المبتسمين، لكن القدر شاء أن تكون تغريد سببا للسفر إلى عالم الملائكة الصغار والحضور بهذه المشاعر. ولانهم الأطفال النصف الثاني لزينة الحياة الدنيا، والفرحة الكبرى في أفئدة الكائنات المعقلنة، فإن استخلاص خلجاتهم مؤشر لوزن العيد وعنوان كبير لخطاب عيدي يحضر فيه الكبار بقوة قبل الصغار. تغريد الفاتحة بأناملها الخيزران قرعت تغريد بنت الثامنة- باب مسكني في صباح أول العيد لتيقظني من حنقي لأفتح لها الباب وبجوارها كانت تقف أختها صابرين على مسافة خمس سنوات من الميلاد وبصوت مسحوب أجهشت تغريد بتهنئتي بعيد العافية في كلمتين هما ما تملكهما من مراسيم العيد النكرة "عيد مبارك" كانت المفردتان هما ذخيرتها الحية التي أطلقتها في وجهي رصاصات تهنئة أحيت صحوي ليتبع ذلك انكسار كلي بزاوية حرجة نحو الأسفل فهمت منه المغزى، لأعود إليها من الداخل بورقة نقدية هزيلة كهزالة جسدي النحيل، فتأخذها وتجر أختها إلى الانصراف البطيء والثقيل. تغريد التي لا أؤمن أن لها من اسمها نصيبا حتى في مواسم الأفراح كما ينبئ عيدها، لم أتشرف بمعرفتها من قبل سوى في تلك اللحظات لكنها بلقاء واحد اختصرت في عيني تاريخ البكاء. . تمنيت بعده ألا يكون في أيامنا يوم اسمه العيد إذا كان هذا هو حال الطفولة فيه وحظها منه. كانت تغريد وشقيقتها فاتحة السفر إلى أطفال العيد والتحرر من أصفاد العزلة سابقة القرار. مشاعر مؤجلة المفرقعات فاكهة الأطفال في المناسبات الفرائحية رغم وجعها، لكن أمجد تلميذ الرابع أساسي بدا كزاهد فيها، فلم أشاهده مع أطفال جيرانه يمرح باشتعالها ويلهو بدويها، بل ظل في مكانه يحافظ على تماسك أقدامه الثابتة مكتفيا بإرسال بصره لمتابعة مشاهد المرح الطفولي اقتربت منه لمصافحته فكان كمن يحاول إخفاء ابتسامة ظامئة بخجل أحمر أفشت به ملامح وجهه الشتوي. أفصح لي أمجد عن مشاعر عيدية مؤجلة إلى حين عودة والده من العمل بالعوادة واللحم والجعالة والزيارة لعماته. فوالده ترك المنزل فجرا وذهب لجلب مصروف العيد من عناء التجوال في الأسواق، يبيع الناس ما يروي عطشهم من عصير الشعير والزبييب وهو الآن في وضع الانتظار له ليريه ملابسه التي اشتراها له كيف بدت عليه، ويا ويل أمجد وأم وإخوان أمجد من خسارة في هذا اليوم يمني بها والده، فمعها قد يخسر أمجد مشاعره الذاتية ويضطر أن يقضي عيده بمشاعر غيره من أصحابه وإخوان أمجد من خسارة في هذا اليوم يمني بها والده، فمعها قد يخسر أمجد مشاعره الذاتية ويضطر أن يقضي عيده بمشاعر غيره من أصحابه المسرورين. حلو بطعم الملح بيد كانت تعارك فيها حمل دبة ماء 10 لترات وأخرى تلتقط فستانها خوفاً من أن يتسخ بالأرض عاشت وداد تلميذة السادس أساسي معاناة عصيبة من اقتراب أذان الظهر وهي في طريقها من المسجد إلى البيت لإسعاف بيتهم بالماء، ربما كانت ضريبة فرحة ابتلعها يتمها في الصباح وعليها الآن أن تدفع ثمنها. تعيش وداد مع أمها وأختين لها هي أصغرهن وذكرى أب فارق الحياة قبل أن يقوى عودها ويشتد ساعدها على نقل الماء ولأن منزلهم خال من قصبة مشروع المياه ولا طاقة لهم بشراء وايت تضطر وداد لمساعدة أمها بنقل ماء غير الشرب والطبخ من المسجد يوميا دون استثناء حتى في العيد بينما والدتها تقوم بتوفير باقي احتياجهم من الماء من جيرانهم الطيبين. ومع هذا لا يزال العيد في لسان وداد حلوا رغم فداحة الميراث الصعب الذي خلفه والدها لها واسرتها تاركا إياهم في حياة قائمة في جلها على بر المحسنين وإعاشة شهرية لم تغط كسوتها في عيد الفطر واضطرت أن تقابل عيد الأضحى بها بعد أن أخفتها أمها عنها شهرين متتابعين كفارة لخطيئة الفقر الذي يقترف وداد. مسئولية مبكرة يكره المدرسة بعد أن فارقها في الصف السابع على إثر "فلكة".. تلقتها قدماه من عصا الأستاذ الظالم كما سماه، ويفكر حاليا بالاغتراب الداخلي لإعالة أسرته بدلا عن والده بنية معقود بناصيتها الخير، مروان لا يفصله عن الرحيل سوى انقضاء إجازة العيد وصفارة رفيق الرحلة، هكذا ظهر مروان أمامي كرجل كبير يسبق عمره الذي لم يتجاوز الثلاث عشرة سنة. في كلامه لمست حذقا وصلابة أكسبته إياها تمارينه في الأعمال الحرة كعامل يومية. يمثل العيد لمروان إزعاجا ورفضا لعدم تمكنه من العمل في أيامه النحسات كما أطلق عليها وهو المتعود على دخل يومي وإن كان بسيطا إلا أن ذلك ما يشعره بالراحة. مروان ظهر أمامي بملابس بالية وموديل قديم فالرجل الصغير يرتدي ثوبا جديدا كل يوم من المسئولية المهموم بها حد العظم من بعد مرض والده طريح الفراش، ولانه أكبر إخوانه يفهم مروان أن الملابس الجديدة وفرحة العيد حق لهم من دونه.. أما هو فقد وصل إلى قناعة جذرية بما عاشه من أعياد في طفولته المبكرة. فارقني مروان قبل أن أنهي دردشتي معه على الرصيف نت وبنقرة واحدة فحط من امامي ليلحق والده بالعقاقير المهدئة التي جلبها له من الصيدلية في عيد الكساح الخالي من الدسم.