(لن نسمح بانكسار الجيش، ونحذّر من تجاوز الخطوط الحمراء).. عبارة نقلها إعلام السلطة على لسان رئيس النظام، ولم نسمعها منه مباشرة، ولا أظن أن الرجل قالها، بل لا تصل أعلى حالات الظن به إلى توقع أنه يتقن التفريق بين الألوان، فضلاً عن فهم معنى اللفظ وتوظيفه في السياسة..!! لا شيء يدعو للتفاؤل في هذا البلد منذ تم تغيير الرئيس السابق بنائبه، فنائب الماضي الذي يُتغزّل به حالياً جلّ ما كان يتقنه هو أنه كان نائبًا لصالح، لكنه كرئيس يقف محايداً ضد أهم التحديات التي تعصف بالبلد، يرى الرجل من ثقب عقله المناطقي فقط، ولا يريد أن يحكم اليمن كله، فيكتفي بأنه (أبين وشبوة) كل مناصب الدولة، ومنذ شهور لا نشاهد الرجل بالعين المجردة، وصار مجرد (شيء نسمع عنه ولا نراه)، بالذات ما يتعلق بتمدد المليشيا المسلحة القادمة من كهوف صعدة وتوسعها إلى العاصمة وسيطرتها على حيها الشمالي (الجراف)، ومحاولتها لصقه بأولى معاقلها صعدة.. سكوت الرجل على تلك المليشيا يدفع بعلامات استفهام كثيرة لا جواب لها، لكن عمل المراقبين حصر الاحتمالات وترجيح أحدها. أول الاحتمالات أنه نظام جديد لديه الرغبة في محاربة كل ما ينقص من هيبة الدولة، لكنه نظام تولى الحكم في مرحلة انتقالية غير مسبوقة في تاريخ اليمن، وما زال النظام السابق مسيطراً على أغلب مفاصل الدولة، وله اليد الطولى في الأرض، ويعرقل عمل النظام الجديد، ويتحالف مع مليشيا الحوثي، بل ويسلم لها أسلحة نهبها قبل خروجه من السلطة، يتحمس لهذا الرأي المتفائل فئة كبيرة من الكتّاب، وغالب هؤلاء يدفعهم بغضهم للرئيس السابق ونظامه إلى اعتباره المتسبب بكل سوء، وشعارهم: (والله لولا خشية العذال...لقلت أنتم سبب الزلزال!). ثاني الاحتمالات أن النظام الحالي يستخدم هذه المليشيا لضرب خصومه عبر سياسة إدارة البلد بالصراعات والأزمات، بل وبالفوضى، وأن الرجل ليس ضعيفاً كما يقول محبوه، بل هو صاحب قرار قوي وقتما يتوافق ذلك القرار مع رغباته، ويدللون مثلاً بقرارات هيكلة الجيش وإقصاء كل أفراد النظام السابق من المناصب، وكذا ضغط النظام على الجميع لقبول فكرته الشخصية لحل ما يسمى بقضية الجنوب، وضغطه على الجميع لقبول رأيه في الأقاليم، ويستدلون بما حصل - مؤخراً - من محاصرة ما بقي من مقرات لرئيس النظام السابق كقناة "اليمن اليوم"، وجامع الصالح، واستخدام الحرس الرئاسي، وبقوة غير معهودة، ويقول أنصار هذا الرأي أن الرجل لو كان ضعيفاً، ولو كان النظام السابق لا يزال له السيطرة على الأرض لما استطاع خنق مؤسساته الإعلامية ومقراته، ويدللون لتأكيد تواطؤ النظام مع المليشيا الحوثية أنه لم ينفذ تجاهها أي تعهد من تعهداته المتكررة أمام زائريه برفع الغطاء عنها واعتبارها كتنظيم القاعدة، ويدللون على تشكيله لجاناً رئاسية لمراضاتها، وخذلان الجيش في عمران، وسكوته عن سيطرتها على محافظتين، وفتحها لجبهات داخل محافظات الوسط، في حين يتعامل بمنتهى الشدة، ويوظف الجيش بكامل تشكيلاته وعتاده لحرب القاعدة مرتين في سنتين دون تحقيق فائدة ملموسة. الاحتمال الأقرب هو أن النظام متواطئ كثيراً مع مليشيا الحوثي لإضعاف خصومه، واستجابة لرأي مستشارين مراهقين، ومع أن مبررات الاحتمال الأول موجود بعضها، لكنها في السياسة لا قيمة لها، فلا يتمتع الحاكم السياسي بالإيجابيات في إدارته للبلد إلا في النادر، فإما أن يدير هادي اليمن ويواجه المشكلات ويحارب المليشيات أو فليذهب غير مأسوف عليه، وليترك اليمنيين لخيار جديد غيره، وليستحي من يسأل عن البديل فلم تعجز النساء اليمنيات أن يلدن من هو أجدر أن يدير البلد بدلاً عن الرجل.