فرقة مسرحية فنية من الحديدة تتجول في عدد من المدن اليمنية بمسرحية تدعو إلى التسامح بغض النظر عن الدين أو المعتقد. الفكرة إنسانية تستحق التقدير. والمسرحية عالمية لكاتب ألماني ألفها في القرن الثامن عشر، وسبق تمثيلها مئات المرات بما في ذلك داخل كثير من الدول العربية. قام البيت الألماني في صنعاء بمساهمة من الاتحاد الأوروبي ومنظمة الجي تي زد بتمويل سفر الممثلين وتجهيزات مسرحيتهم المطلوبة. وفي المركز الثقافي بصنعاء مساء الخميس تم العرض الأخير للجولة التي قامت بها الفرقة. قاعة المسرح الكبيرة شغل معظم مقاعدها جمهور أجنبي من الذين يعيشون في مدينة صنعاء أما الحضور اليمني فقد كان محدودا. رسالة جميلة لم تصل كان الحاضرون من اليمنيين للمسرحية هم من الشخصيات التي هي في الأصل مؤمنة بالحوار والتسامح، وكان عددهم قليلا. الآخرون لم يحضروا إما لأنهم لم يعرفوا عن الحدث أو أنهم عرفوا لكن يأسهم من حالة المسرح اليمني لم تحفزهم على المجيء أو لأنهم مشغولون ليلة الخميس في نظام تشجيع حفلات التزاوج المستمر الذي تمر به صنعاء بعد كل عيد. منذ السبعينات وما بعدها فقد المسرح اليمني زهوة وجوده وعوامل تطوره واستمراره. بعض الممثلين المبدعين الذين كشفت المسرحية عن قدراتهم مضت على عضويتهم في الفرق المسرحية المختلفة فترة طويلة دون أن يصبحوا أعلاما في الساحة الفنية المحلية أو العربية، فعوامل الإحباط تفوق قوة رغبتهم ومتانة مواهبهم وصلابة إرادة الاستمرار لديهم. المسرحية اسمها ناثان الحكيم، تتحدث عن يهودي يربي فتاة مسيحية على نحو يجعلها تعامله كأب حنون يستحق الود والمحبة. يقوم أحد فرسان المعبد بإنقاذها من حريق خطير فتقع في حبه في الوقت الذي يتم فيه اللقاء مع السلطان صلاح الدين الذي فقد شقيقه في زمن بعيد، وتسير أحداث المسرحية ليعرف أن الفتاة والفتى الذي أحبته هما أخوان وهما أولاد أخيه. وتنتهي المسرحية بتقدير كبير متبادل بين كل شخوصها بغض النظر عن كونهم يهودا أو مسيحيين أو مسلمين. وفي داخل المسرحية تأتي حكاية يرويها الحكيم اليهودي للسلطان المسلم حول خواتم ثلاثة يملك أحدها قدرة على جعل الحاكم يحصل على حب شعبه ويحكم بينهم بالعدل. تكون هذه القصة هي رد على سؤال السلطان أي الأديان هو الدين القويم؟ من الحديدة في الكتيب الثمين الجميل الذي تم توزيعه مع الدعوات إلى الحضور كانت قصة المسرحية والمعلومات اللازمة عن الممثلين مكتوبة باللغتين العربية والانجليزية. واضح أن الإعداد للمسرحية قد أخذ بعدا جديا وحرصا من كل الجوانب. ولأن المسرح ليس فقط فكرة جميلة ومسرحية مكتوبة ببعد فلسفي هام، وليس فقط مرآة للشعوب ترى عبرها نفسها وتقيم فكرها وما اعوج من سلوكها، كما أنه ليس ممثلين موهوبين فقط، فإنه صناعة ومجموعة كبيرة من العناصر التي تتكامل مع بعضها. فالحديدة اليوم بكلية الفنون الجميلة ترفد الساحة اليمنية بمخرجين وفنانين مبدعين. ولكن من يصنع مهندسي الديكور، ومهندسي الصوت ومهندسي الإضاءة؟. ومصممي الملابس ومسؤولي الماكياج؟ من يقوم ببناء المسارح المجهزة بمساحات كافية للعروض المسرحية ولاحتياجاتها الفنية؟ من يقوم بالحملة الإعلامية الكافية لجعل الناس يتزاحمون على بوابة المسرح فيدفعون المال لمشاهدتها والاستمتاع بها؟ عمل الممثلين جاهدين على أن يتولوا ترفيع قطع الديكور بأنفسهم، وأن يحاولوا التفاعل مع مشكلات الصوت بكل قدراتهم وكان انتباههم مشتتا بين عناصر مختلفة ليست في الأساس مسؤوليتهم. وتراوح العرض بين بداية مفتوحة على حقيقة ان الممثلين افراد عاديون لهم اسماء وشكل ظهور حياتي عادي، وعليهم أن يجروا تمرينا رياضيا يخفف تأزمهم وحدة قلقهم من مواجهة الجمهور. ومقاطع هي صلب المسرحية باللغة العربية الفصحي حيث حفظ الممثلون الرئيسيون مقاطع كبيرة من النص المسرحي رددوه بتلقائية على نحو يثبت أنهم قد تدربوا كثيرا. وتخلل العرض جزئيات باللهجة التهامية غير صعبة الفهم وقريبة إلى الفصحى ومفهومة تم فيها التعامل مع المسرحية على أنها مسرحية داخل مسرحية، حسب تعبير المخرج والممثل الرئيسي، فيها.كثير من الأمور والتفاصيل التي تفتح بها هذه المسرحية أبواب الشجن. لكن الشعور أن الفكرة الجميلة قادِمٌ مَنْ يبرزها مِنْ تهامة، رسالة في حد ذاتها تستحق التفكير فمن تهامة يأتي الخير وفي تهامة تستقر النفوس وعلى شاطئ البحر المهتاج بالقرصنة والتهريب تسكن الوجوه الحالمة بغد ليس فيه غل ولا اعتقاد بالأفضلية لأحد على أحد. من تهامة تأتي دعوة للتسامح ودعوة للحكم القائم على العدل والمحبة والوئام. [email protected] *صحيفة الثورة