لم تكن صور الرئيس علي عبدالله صالح نادرة أو محدودة الانتشار والعرض في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن والمحافظات. لكنها تحولت خلال الأسابيع الماضية إلى ظاهرة حقيقية غير مسبوقة وانتشرت بشكل أفقي وبصورة ملفتة تستدعي الانتباه والتوقف عندها والأمر نفسه تكرر في الجهة المقابلة وسوق المعارضة. الأزمة السياسية وتداعياتها الكثيرة والخطيرة عبرت عن نفسها بأكثر من مجال ولغة نشاط. الوعي الشعبي بلور مواقفه وتوجهاته وردود الفعل على الأحداث بطريقة خلاقة لا تخلو من المزاوجة بين "السياسي" و"العاطفي" والمردود الاقتصادي في أبسط صوره. عشرات الباعة المقيمين والمتجولين, يتوزعون الأرصفة والجولات والتقاطعات الرئيسية وممرات الأسواق الشعبية وما تبقى من حدائق عامة والجزر الوسطية في الشوارع الرئيسية, يعرضون ويبيعون صور الرئيس صالح, بأحجام ومقاسات مختلفة, والقطع المتوسط هو الأوفر حظا والأكثر عرضا ومطلوب بكثرة من الجمهور. عمل.. وسياسة يقول (عبدالرزاق- 18 عاماً) إن بيع صور الرئيس يوفر له دخلا لا بأس به في هذه الظروف المتدهورة اقتصاديا, ووفر له بديلا مناسبا عن بيع الجرائد التي توقفت عن الصدور أو معظمها خلال الأشهر الماضية بسبب الأزمة وانصراف الناس إلى شؤونهم الخاصة وركود الحركة في الشارع والسوق. يعرض عبدالرزاق في زاوية في رصيف ضيِّق نسبيا مخصص للمارة في شارع علي عبدالمغني –التحرير, صورا لاصقة للرئيس صالح ونجله أحمد قائد الحرس الجمهوري وصور جماعية للرئيس وأبنائه. يبيع منها المئات يوميا ويبدو راضيا إلى حد ما بهذه النتيجة, ولكنه أيضا "متألم لما حصل للرئيس وأصحابه" من اعتداء ولديه موقف سياسي يجاهر به المارة والزبائن:"الرئيس أبو أحمد, حبيب الشعب, إن شاء الله يرجع لنا بالسلامة, ويا جبل ما يهزَّك ريح". رصيف الموالاة مئات الآلاف من الصور الشخصية والعامة للرئيس صالح تُضخ إلى الأسواق, بعضها على الأقل عن مؤسسات وجهات رسمية وشبه رسمية ومطابع حكومية وإن لم يكن ذلك مثبتا أو مذكورا في الصور نفسها. هذا لا يمنع أن سوقا واستثمارا في مجال الطباعة والنشر والتوزيع قام على هامش الأزمة السياسية المستمرة منذ بداية السنة الحالية. والى جانب الصور الشخصية والرمزية والأعلام والعبارات السياسية وغيرها, هناك أيضا أشرطة الكاسيت والتسجيلات السمعية والفنية. أناشيد وأغان وأشعار شعبية وزوامل واسكتشات وأخرى. رصيف المعارضة ولا يقتصر النشاط على مؤيدي الرئيس وأنصار الحزب الحاكم, بل لعله بوتيرة مساوية ينشط في الجهة الأخرى, رصيف المعارضة ومؤيدي إسقاط النظام. هنا تجد الأعلام الوطنية أيضا وصور زعماء ورؤساء يمنيين سابقين وشخصيات سياسية وعسكرية, ليس من بينها بالتأكيد صور الرئيس صالح أو نجله العميد أحمد. ولكنك ستجد صور اللواء علي محسن الأحمر, بنسبة أقل بكثير من صور الشباب والشهداء الذين قضوا في مواجهات سابقة خلال تداعيات الأزمة الحالية, أو صور أطفال فتيات وفتيان في عمر الزهور ملونين بعبارة "إرحل" أو "مشاريع شهداء", أو صور عامة من الجُمع والاعتصامات مشفوعة بعبارات "ثورية" صاخبة عنيفة وجارحة أحيانا!! في ميدان وسوق المعارضة, تجارة الكاسيت "الإسلامي" اكتسحت الجميع وتضخ مئات الآلاف من الأشرطة والنسخ الجديدة أسبوعيا إلى الساحات والأسواق. أغلبها أنتجت-دائما على الطريقة "الإيمانية"- الإرشادية الإنشادية, كما يقال. حيث الأناشيد الدينية المعهودة غدت غنائية أكثر وسياسية أكثر وأكثر وتُجاري أجواء الاحتجاجات والحملة الإعلامية والسياسية المكرسة ضد النظام ورموزه. "استثمار الثورة".. ملف مؤجل! هناك من يتداول أرقاما مهولة بأصفار كثيرة على اليمين, قيمة وأرباح "التجارة" و"الاستثمار" في سوق الثورة والنشيد الديني والسياسي! البعض يتحدث عن عدد محدود جدا من شركات الإنتاج والتوزيع لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة احتكرت السوق لصالحها, بحكم الانتماء الحزبي والخلفية الدعوية والسياسية الى حزب الإصلاح! ليس هذا فحسب, بل إن "الإنتاج" بأجر والانفاق بسخاء, من متحصلات التبرعات والهبات والمساعدات التي تقاطرت على الساحات من كل مصب, شمل أيضا, بصورة حثيثة أثارت حولها الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام والتذمر, مواقع إعلامية ودعائية على الانترنت يحتكم عليها نفر قليل جدا من الناشطين الحزبيين والإعلاميين المكرسين في حزب الإصلاح! وهناك معلومات وشهادات مثيرة وصادمة بهذا الخصوص نعرض لها في مناسبة أخرى وتحقيق خاص حافل بالمفاجآت!! الأموال التي ذهبت الى الساحات, طوال أشهر من الدفع والتبرعات والتحصيل والهبات والمساعدات من الداخل والخارج, ذهبت والى الأبد في رحلة طويلة وبلا عودة "عليه العوض"!! قياسا إلى غيرها, صور الرئيس علي عبدالله صالح تشهد إقبالا كبيرا ومتزايدا من قبل الجمهور والمواطنين. ويقول أحد الوكلاء في طباعة ونشر وتوزيع الصور والملصقات المختلفة الخاصة بالرئيس ورموز النظام, إن الكميات المطبوعة والموزعة والمباعة من الصور, بأشكال ومقاسات مختلفة, تضاعفت عدة مرات منذ حادثة الاعتداء والتفجير الذي تعرض له جامع النهدين ومحاولة اغتيال رئيس الجمهورية ورفاقه المصلون معه في الجامع مطلع مايو الماضي. ويفسر الظاهرة بأنها ناتجة عن "تعاطف وتأثر من المواطنين لرئيسهم" فكانت هناك ردة فعل واضحة في الأوساط الشعبية, انعكست في الإقبال على شراء واقتناء صور الرئيس, وهو ما شجع الوكلاء على طلب مضاعفة الأعداد المطبوعة من الصور تماشيا مع الطلب والرواج المتزايد في السوق. الأكثر رواجا.. وإقبالا تحول (هاشم المصباحي- 34 عاماً) من بيع الكتب الشعبية والمجلات المستخدمة والقديمة الى بيع الصور والملصقات والمنشورات التي تظهر وتذكر بالرئيس صالح في مناسبات ومراحل مختلفة. يشير هاشم الى كساد لحق بسوق كتب الأرصفة والمجلات القديمة بسبب ظروف الأزمة الراهنة ويؤكد:"بيع الصور والملصقات والشعارات والميداليات والأعلام عوضني بمصدر دخل مش بطال". وباعتبار التجربة والتعامل المباشر يلاحظ هاشم أن أكثر الفئات إقبالا على اقتناء صور الرئيس وشرائها "الطلاب, وصغار السن نسبيا, والنساء خصوصا, وبالذات الأكبر سنا". ومن التحرير وشارع علي عبدالمغني إلى باب اليمن وسوق الملح-باب شعوب وعدد من الجولات والتقاطعات الرئيسية في شوارع حدة, الزبيري, ش تعز, هناك شبه إجماع واتفاق بين الباعة على أن أكثر الصور شعبية ورواجا, هي الصور "العائلية والأسرية" التي تقدم الرئيس صالح مع أبنائه أو أحفاده في مناسبات اجتماعية أو غيرها, وهناك صور جديدة أو يمكن القول إنها "نادرة" وتظهر للمرة الأولى بالنسبة للمواطنين, تحظى بإقبال ورواج. تليها أو توازيها في الرواج والشعبية صور قائد الحرس الجمهوري ونجل الرئيس أحمد علي عبدالله صالح. معظم صوره تظهره بالهيئة العسكرية. أبعد من "صورة" بكثير..! خبير إعلامي واجتماعي يفسر الأمر أو الظاهرة باعتبارها "استدعاء عاطفيا وغريزيا لمشاعر التحدي والبطولة, وتحضيرها في الرموز والأشخاص الذين يشكلون بؤرة الاهتمام ويشغلون الواجهة مباشرة في الأحداث ومجريات الصراع, السياسي أو غيره, محل التجاذب والإثارة". وللقصة بقية.. ليس غريبا أن يتكسب البعض من وراء الأزمات والصراعات والأجواء المضطربة وحالات الفوضى الجماعية. قال العربي الأول:"مصائب قوم عند قوم فوائد". ويقول رشاد المهدي-ناشط في ساحة التغيير ومهتم برصد ودراسة "البعد الاجتماعي للتحولات السياسية", إن الأزمات العامة والصراعات السياسية التي تتسم بنوع من العنف والفوضى العارمة عادة ما تكون بيئة مناسبة لنشوء ظواهر سلوكية شرهة تغلب عليها الانتهازية والأنانية. ويستدل بذلك, أو عليه, بإثراء عدد قليل من الأشخاص المحوريين في مجتمع أو بيئة الأزمة وإدارة الصراع, هم ودائرة ضيقة من المحيطين بهم والمقربين وأهل الثقة أو من فصيلة واحدة, خلال فترة زمنية وجيزة داخل مسرح وظروف الأزمة نفسها. يعرض رشاد نماذج وشهادات من واقع تجربة شخصية ومباشرة ماثلة للعيان داخل الساحة, سوف تكون جزءاً من ملف قادم وتحقيق خاص حول قضايا ومظاهر "الفساد المالي" في إدارة الاحتجاجات والاعتصامات أو "الثورة الشعبية" القائمة على الفوضى المنظمة. الكثير من الأموال والمعدات والإمكانات خارج الساحة, إلى مصالح خاصة واستثمارات شخصية ومبررات إنفاق وهبات غير واقعية أو مشروعة"!! وللقصة بقية للأيام.... عن اخبار اليمن