،، هكذا هو حال الصحافيين في بلاد واق الواق تفنى أعمارهم في بلاط صاحبة الجلالة في سبيل الكلمة الصادقة والبحث عن الحقيقة والكشف عن هموم البسطاء في حين لا يجدون من ينظر إلى سبر أغوارهم وما تكنه قلوبهم وأجسادهم من علل وأسقام وهموم لو وزعت على البرية لوسعتهم أجمعين ... يوم أمس جاءنا نبأ أليم يقطر له القلب دماً وتذرف له العيون عبراتها حزناً على فراق الأستاذ الصحفي القدير محمد العصار -رئيس تحرير مجلة معين- الذي وافته المنية أثر مرض ألّم به استمر لعدة أيام.. وها هو اليوم في جوار ربه..مستجيباً لقضاء الله وقدره.. نسأل المولى عز وجل أن يسكنه فسيح جناته وأن يغفر له زلاته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.. إنا لله وأنا إليه راجعونا. هذا هو «العصار» فقيد الصحافة الذي ظل طيلة حياته رافعاً لواءها ملتزماً بقواعدها المهنية ومخلصاً لمهنته ولزملائه لكن والحقيقة كنا مقصرين معه فلم نعطيه حقه حتى في حال مرضه ..! »العصار» صاحب القلم الرشيق والعقل النظيف والفكر المستنير والأدب المستفيض مات وقد وضع بصماته على ناصية التاريخ وفي سماء الصحافة لم يداهن ولم يساوم ولم يزايد ولم يسمح تأجير قلمه لأي احد فقد ظل محافظاً على مبدئه ومساره السياسي فلم يرض إخضاع فكرة وثقافته للمصلحة الذاتية كما يفعل أقرانه لتحقيق رغباتهم ..ولهذا مات غريباً نظيفاً ليس لديه سوى سمعته الحميدة ..مات وفي قلبه كل الحب والوفاء للوطن ..توقف قلبه عن النبض لكنه سيبقى في قلوبنا ينبض بكلماته الرائعة وسيرته العطرة مدى الدهر.. «العصار» الذي يعد علماً من أعلام الصحافة اليمنية كان نجماً مشعاً في فضاء تحتويه كثرة النجوم الآفلة في زمن لا يضع لمثل هكذا أعلام مضيئة أي اهتمام ولا حساب لأنه ليس متملقاً ولا يحمل طبلاً من طبول الدجل الصحفي.. وما أكثرها اليوم..؟! رحمك الله يا أبا «زياد»..كم كنت حنوناً على «معين» وأبنائها فقد جعلت منها منبراً للرأي الحر ومشكاة للثقافة.. حيث فتحت ذراعيك لكل من أتاك ملتجأ من جور مسئوليهم ..فلم تكن أنانياً ولا محتكراً بل كنت واسع الصدر كبير القلب سديد الرأي والمشورة ..فقد زرعت في ذوات تلاميذك الصراحة والشجاعة وقول الحق مهما كلف ذلك إلى سوء العواقب..إذ تخرج من تحت يديك العديد من الصحفيين المحترفين وهم الآن يمارسون مهنتهم مما نهلوه من فيض علمك وأصبحت أقلامهم تخط صفحات الصحف والمجلات وكأن بها تنطق «الفضل يعود لك ياعصار».. إن القلب ليحزن وأن العين لتدمع لفراقك يا أبا «معين»..لم ولن ننسى ابتسامتك العريضة في وجوهنا التي كانت مبعثاً للأمل في نفوسنا ..لقد كنت أباً رحيماً ودوداً لا تميز بين هذا وذاك..جعلت منا شيئاً في وقت لم نكن فيه شيئاً.. ووقفت بجانبنا في السراء والضراء منافحاً عن مظالمنا جميعاً وكنت منصفاً لا تجامل أحداً أياً كان ..فإذا أردنا إنصافك فلن تكفي كلماتنا وأحبار أقلامنا لرد ولو معروف بسيط أسديته لمن كانوا حولك.. أخيراً..لقد كان موتك، خبراً عزَّ علي مسمعه وأثّر في قلبي موقعه، خبراً تستاء له المسامع وترتج منه الأضالع، خبر يهد الرواسي ويفلق الحجر القاسي، كادت له القلوب تطير والعقول تطيش والنفوس تطيح، خبراً يشيب الوليد ويذيب الحديد ..