قال "إينشتاين": الغباء هو أن تفعل الشيء نفسه مرتين، بالأسلوب والخطوات نفسها.. وتنتظر أن يسفر الأمر عن نتائج مختلفة! تتعلق العبارة بتجريب المجرب، وحركة جمل المعصرة، وعدمية الاجترار، وخيبتنا الكبيرة للمرة التاسعة والتسعين بعد الألف، خاصة في حياتنا السياسية! هذه مشكلتنا السرمدية، في كلّ أزمة سياسية، تحضر البنادق كأنما للمرة الأولى، وكأنما استنفدنا كل الخيارات الأخرى، باستثناء السلاح وخيار العنف، كخيار أخير ووحيد وناجح.! ننسى في كلّ مرة، أننا ربما منذ البدء لم نجرب تقريبا خيارات أخرى، غير خيار العنف، ولم نصل من خلاله إلى حل، بل نصطدم بالمشكلة نفسها مجددا، ونجرب الحل الفاشل نفسه مجددا، وهكذا: نفس الذي جاء مراراً كما ... تأتي وتمضي دورة العاصفة البيت للشاعر الكبير "عبدالله البردوني"، وهو "البردوني" أكثر من غيره إدراكاً بهذه المعضلة السرمدية، وأجمل من عبّر عن فداحتها الهزلية، حتى أن أشعاره غدت لسان حال السنوات الثورية الأخيرة، حيث تم تداول أشعاره، بشكل واسع، كنبوءات سياسية حزينة، وإعجاز شعري مدهش، كالبيتين: والأباة الذين بالأمس ثاروا ... أيقظوا حولنا الذئابَ وناموا.! ربّما أحسنوا البدايات لكن … هل يحسّون كيف ساء الختام؟! لكن البردوني لم يكن يقصد أن يكتب عن المستقبل، بل يقرأ الماضي، ولم يتنبأ عام (1971م) بالنكسة الثورية المستقبلية لأحداث 2011م، بل تحدث عن نكسة ثورة سبتمبر المبجلة.. بما يؤكد أننا ما زلنا نستنسخ الوعي والممارسات والأدوات والخطوات الثورية نفسها، ونتوقع نتائج ثورية مختلفة.. ونقع في النتائج نفسها. في الحالتين تم الالتفاف على النبل الثوري، واغتيال العنف والإقصاء لأهداف الثورة، وإعادة الفعل الثوري إلى دورته التقليدية المكرورة.. على وهج هذا بدا البردوني نبياً، وبدونا على الأقل كائنات مجترة، نستهلك الأشياء المستهلكة، ونسافر في رحلة طويلة عبثية، كالرحى: يأتي ويعود كطاحونٍ ... أحجاراً وزجاجاً يطحنْ.