أتذكر الآن أغنية "جيشنا يا جيشنا" وأشعر بالحسرة على لحظات الزهو التي كانت ترافقنا ونحن صغار نشاهد استعراض الجيش ونحلم بأن نكون يوما ما فتيانا بين تلك الصفوف . أتذكر كيف كنا – ونحن أطفال صغار- نختار لأنديتنا الرياضية في الحارات أسماء من ألوية الجيش ك"العمالقة والصاعقة والمغاوير" وكانت فرحتي بمشاهدة أي ضابط يرتدي البزة العسكرية الخاصة بلواء "الصاعقة" أكثر ألف مرة من فرحتي بمشاهدة أفلام "رامبو" في سينما الجحملية . أتذكر أيضا أنه كان يوجد لدينا في الجنوب جيش مُهاب ويتمتع بعقيدة قتالية محترمة وبانضباط عسكري غير ملطخ بنهب أراض أو تباب، يخالط ذلك وحدات قتالية من النساء وهن يرتدين بزات عسكرية أنيقة ، وأزداد حسرة . كيف ضاع منا كل ذلك البهاء؟ وكيف أصبحت البدلة "الميري" - بسبب ممارسات ثلة من القادة "السخاف"- حاجة مش ولابد. أتذكر صور الرئيس "السلال" وهو يرتدي البزة العسكرية وعلى رأسه "بريه" عسكري "صاروخي" الشكل كانت مشاهدته تشعرني بأنني أشاهد رأس مكوك فضاء مش مجرد رأس آدمي كان له فضل البدايات الأولى لتأسيس جيش نظامي باسم اليمن . أتذكر تماما كيف أن أمي رعاها الله اشترت لأخواتي "الثنتين" ذات عيد قديم بزتين عسكريتين مع قبعتين عريضتين كتلك التي كان يظهر الشهيد إبراهيم الحمدي وهو يرتديها واقفا كالطود وكفه ممدودة على جبهته مؤديا تحية عسكرية دخلت إلى كل بيت وأصبحت - فيما بعد- هواية لدى جيل من ال"بنين والبنات" الذين كانوا يقلدون بملابس الأعياد بزة الرئيس الحمدي ويحرصون على التقاط صور لهم وهم يؤدون ذات التحية. على أن "إبراهيم" كان أمة بالنسبة إلى كل اليمنيين ولم يكن مجرد رئيس نزيه جاء من صفوف جيش قاد به حركة التصحيح وأوصل اليمن – خلال أقل من أربع سنوات إلى ما يشبه الحلم . أتذكر البطل علي عبدالمغني والفريق العمري وعبدالرقيب عبدالوهاب نعمان والوحش وحسين السكري وعبدالله جزيلان وعبدالله عبدالعالم وعلي عنتر وهيثم قاسم وماجد مرشد وسالم قطن، وآخرون من أولئك العسكريين العظام وأشعر بمرارة الفقدان . وفي مثل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلد الآن أتذكر بأنه كان يوجد لدينا وحتى وقت قريب "حرس جمهوري" مُهاب ومرتب ومؤهل ويقوم على عمل مؤسسي بالغ الدقة وكيف تمت قصقصته وإغراقه في يم هيكلة لئيمة وأشعر أيضا بمرارة الفقدان.