كان تصريح «شميع» يطرح وعداً - نعلم عرقوبيته سلفاً - بأن محطات اضافية بقوة 400 ميجاوات ستنضم للخدمة خلال الأيام القادمة.. لا حظوا.. لم يقل الأسابيع القادمة طبعاً.. وإلى الآن.. كم أسبوعاً مضى على تصريح «شميع» بعد عودته من الرحلة المكوكية إلى دول الخليج ضمن وفد الحكومة المنقذة.. ؟.. السكوت المريب والمتواطئ من قبل إعلام طرفي السلطة الحالية أو ما يسمى أطراف المبادرة سواء الرسمي أو الحزبي.. يوحي بأن السبب والغرض محل اتفاق و ضمن الأشياء المتفق على بقائها في دائرة التأزيم كالنفط والماء والأسعار .. كما أن تبني حكومة المبادرة نفس المبرر الذي كان نظام صالح يتبناه لتضليل الشعب و استمرار الجريمة يؤيد القول بأن ذلك محل اتفاق .. غير أن الذي لا يتنبه له الكثيرون عند تناول موضوع الكهرباء هو لماذا الاستمرار في هذه المعاقبة الجماعية لشعب كامل رغم أن صالح قد رحل وأصبحت السلطة في يد من يفترض أنهم ثوريون..؟ صالح وحكومته حين بدأوا باستخدام سلاح الكهرباء كأداة قمعية خطيرة كان الناس يصبرون و يحتملون تحدياً لصالح لعلمهم أنه يهدف إلى إنهاكهم و ثنيهم عن ثورتهم ومطلبهم.. أما اليوم فإن صالح قد سلم بحتمية الرحيل و لم تعد له مصلحة في استخدام هذا السلاح القمعي .. واحتمال كونه يفعلها نكاية في الحكومة الجديدة لغرض إفشالها ضعيف أيضاً، فما مصلحته من إفشالها اليوم لاسيما وأنها – أي الحكومة – تشكل ضمانة له ولأسرته في الخروج المشرف والهروب من قبضة الثورة التي قلبت عليه كل حياته وأصبحت كابوساً يلاحقه أنى ذهب.. فمن له مصلحة في ذلك إذن؟ طبعا ذريعة أن القبائل يقطعون الكهرباء أصبحت ضرباً من الاستخفاف بالعقول .. و كذبة مكشوفة .. فلم يسبق أن قطعت القبائل الكهرباء من قبل .. و حين تفعل مثل هذه الأشياء لا تفعلها نكاية في الشعب و إنما لغرض الضغط على الحكومة لتنفيذ مطلب معين و تكف حين تناله..
مواصلة قطع الكهرباء بعد توقيع المبادرة و تشكيل حكومة و رحيل صالح بحصانته .. لن ينتهي بقرار صالح سميع و لا باسندوة و لا حتى هادي و لا حتى المخلوع صالح وعصابته في الحكومة إنهاء ذلك الوضع المأساوي بقرار داخلي و لو حتى توافقي .. ذلك ما ألمسه بالفعل وقد يتفق معي البعض، بينما قد يرى البعض أنني أبالغ وأحترمه وعليه أن يحترم رؤيتي أيضاً ويتعاطى معها بالعقل ويناقشها وفق معطيات الواقع .. أنا أرى أن قرار إعادة التيار الكهربائي مرهون بمدى تحقيق الهدف من قطعه .. وهو رضوخ الشعب لمبادرة الأمر الواقع و ما سينتج عنها .. ولن يعاد التيار الكهربائي إلا بعد أن تؤتي هذه العملية «قطع التيار» أكلها و يتنازل الشعب في وعيه و سلوكه عن فكرة التغيير الحقيقي ويتجذر في وعيه كرهاً وخوفاً وفزعاً من أفكار الرفض والإباء و الخروج على المفسدين و الاحتجاج و الاعتصام.. ويصل المواطن إلى درجة من الضيق بحيث يرى في عودة الكهرباء نعمة و منة عظمى» تماماً كما حصل بعد قطع النفط لمدة لا تقل عن شهرين حين رأى الناس عودته فرجاً كبيراً ونعمة .. ومع أن سعره أصبح أكثر من الضعف إلا أن مستوى الحماس لفكرة الاحتجاج على ذلك ورفضه انخفضت الى مستوى صفر .. وعليه فإن اليد المنظمة لعملية العقاب الجماعي بقطع الكهرباء ترمي إلى الضغط على نفسيات الناس وتأزيم حياتهم ورفع مستوى معاناتهم لما يترتب على انقطاع الكهرباء من شلل تام في أكثر مرافق الحياة وارتفاع تكلفة العيش اليومي وزيادة الطلب على المولدات عند الطبقة المتمكنة فقط وهي قليلة جداً.. الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على المشتقات النفطية من بنزين وديزل وغاز وبأسعارها المرتفعة التي تجعل حتى الطبقة المتمكنة تشعر بإنهاك شديد نتيجة ظهور أعباء إضافية على ميزانيتها الاعتيادية.. هكذا يرتبط تلقائياً في الذهنية العامة ووعي الناس شيئان: مرارة الحياة في ظل انقطاع الكهرباء وفكرة الثورة والتغيير والاحتجاج.. وبدلاً من أن يترسخ الوعي الثوري والتغييري والتحرري الذي شهدناه خلال شهور الثورة فإن المدبر لهذه الخطة الإجرامية «قطع الكهرباء» يريد أن يحدث العكس ويتراجع ذلك الوعي وذلك الحماس إلى أسوأ مما كان قبل الثورة بل ربما يصل الهدف إلى أن يتخلق انطباع سيء في ذهنية المجتمع وذاكرة المواطن بأن الثورة كانت مرحلة تخريب وإقلاق للحياة المستقرة..
لعل هذه أهم الأهداف التي تقف وراء استمرار قطع الكهرباء في هذه المرحلة .. ويمكن اختصار الهدف في « تدجين الشعب للمستقبل» .. إضافة إلى كون قطع التيار الكهربائي له أبعاد أمنية بامتياز كونه يضع الناس في سجن مفتوح و يشتت الخطاب الثوري و التوعوي ويحاصر التحرك الثوري والتفاعل مع الحدث الثوري والتأثر بما يدور .. إذ أنه بدلاً من أن يقوموا بحملة تكتيم إعلامي أو قطع وسائل الاتصالات والانترنت فإنهم بقطع الكهرباء يتركون السواد الأعظم بعيدا عن مرمى الحراك التوعوي وبمنأى عن التفاعل مع ما يحدث .. ويصبح الحدث السياسي والثوري بعيداً عن التناول وعن التعاطي الشعبي، كما أن الاتفاقات والمغالطات تصبح سهلة التمرير وبعيدة عن تحليل الشارع وإثارتة وإمكان رفضها من خلاله .. وتصبح صيغة الحدث ترتدي حلة الإشاعة لاغير ..
ونعود للسؤال.. من الذي له مصلحة من وراء كل هذا..؟ شخصياً لا أستبعد أن كل هذا طبعاً يأتي في سياق تمرير إملاءات وأجندات تلك الأيادي الخارجية التي فرضت نفسها وصية على اليمن ولا أستبعد أن عملية التأزيم تتم تحت إشرافها وتحت رعايتها .. ومباركة بعض القوى المحلية المراد تكريس وتمرير مشروع تقاسماتها واتفاقاتها تدجين الشعب لها و لما سيتم تقريره لليمن من آلية حكم وسلطة مستقبلا ..