ليس غريباً أن يطل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قبل أيام من على الوسائل الإعلامية التي تتابع تطورات الأوضاع في اليمن بتصريح جديد يؤكد فيه: أن لا حل آخر في اليمن غير حل التفاوض وعودة الأطراف المتصارعة الى طاولة الحوار على اعتبار ان الرجل هو من يكرر منطق الاممالمتحدة التي تضع نفسها موضع الحكم او الراعي للسلام والأمن العالمي لكن الغريب كل الغرابة هو إصرار الرجل على الحديث عن الحوار وتقديمه كوصفة سحرية وكأن ما ينقص اليمنيين في هذه اللحظة الكئيبة والسوداء هو فقط الجلوس على مائدة مستديرة واستعراض تفاصيل المأساة الصامتة التي يمر بها وطنهم والتي سبق وان ناقشوها في حوارات استمرت لما يقارب العام إلا انهم الذين لم يتمكنوا من الوصول الى الحلول والمعالجات التي تفضي بهم الى فتح صفحة جديدة توقف مسار التدهور العبثي الذي يعصف ببلادهم وهو الإخفاق الذي ما كان له ان يحصل لولا تدخلات فريق الاممالمتحدة الذي اشرف على تلك الحوارات والذي كان له الدور الابرز في شيطنة قضايا الحوار وتسميمها ببعض العناوين والتي كان مجرد الخوض فيها كفيل بتفجير المجتمع بأكمله وتمزيقه على خلفيات طائفية ومذهبية وجهوية وهو ما اصبحت معه الامور اكثر تعقيدا مما كانت عليه قبل عام 2011. من الممكن ان نضع قائمة طويلة بالأسباب التي ادت الى ان يصبح اليمن على رأس تصنيف اكثر الدول فشلا وان يتحول الى ساحة مفتوحة للحروب وكيان يموج بالفوضى وسديم التناحرات ودولة بلا سلطة او مؤسسات وربما تضمنت هذه القائمة الصراع المحتدم على السلطة وطغيان الحزبية القبلية التي ترى في الطرف المخالف خصما وعدوا، وتغول العصبية المذهبية والجهوية والدينية المتطرفة واستشراء نزعة الاستقواء بالسلاح وغيرها من الامراض التي استوطنت هذا البلد وأدت به الى هذا الانكسار الماحق الذي يمر عليه البعض مرور الكرام مع ذلك فليست هذه العوامل وحدها هي من اصابت التعايش السلمي بالضمور وأدت الى خلخلة شاملة في منظومتي القيم والأعراف وكذا انهيار انظمة المناعة الذاتية الممثلة في الاسس والثوابت الدستورية ولكن من اسقط اليمن بالضربة القاضية في منحدرات العنف والفوضى هو العبث الذي مارسته الاممالمتحدة من خلال مبعوثها وفريق عمله الذي انهمك في توسيع هوة الخلافات وضرب مكونات المجتمع بعضها ببعض وتشجيع سلطات الدولة الانتقالية على التخلي عن التزاماتها تجاه المواطن والإخلال بواجباتها حيال ما يتعلق باستحقاقات المرحلة الانتقالية بحجة ان ذلك هو من سيمكنها من اطالة بقائها في السلطة وإعادة انتاج المراحل الانتقالية واحدة بعد الاخرى بمساعدة فريق الاممالمتحدة الذي اصبح هو الاخر مستفيدا من بقاء الوضع على ما هو عليه.
ولذلك فليس من باب التجني القول ان حديث الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن الحوار في اليمن وان كان مقبولا نظريا فانه الذي يفقد اهميته عمليا ما لم تقر الاممالمتحدة بان ما جرى في اليمن من انكسار انما مرده في المقام الاول الى رؤية ومنهجية من اولت لهم مسؤولية تحقيق الاختراق في الازمة اليمنية وفق مرجعية الحل السياسي الذي اقترحته المبادرة الخليجية وما لم تعترف ايضا هذه المنظمة ان خبرتها التفاوضية قد فشلت في التعاطي مع مشكلات اليمن بل وليبيا وسوريا والعراق وأنها وبدلا من ان تسهم في مساعدة هذه البلدان على تجاوز مشكلاتها عملت على شرعنة الفوضى فيها من خلال اخفاقها في تشخيص تلك المشكلات واقتراحها لحلول غير واقعية كان مآلها الفشل ان لم تزد الامور سوءا في تلك البلدان التي اصابتها لعنة التدخلات الاممية والتي ما ان حلت في بلد إلا وقوضته ودمرته بالصراعات المذهبية والطائفية والتطرف الذي يشكل الدافع الاول للموت والقتل والثأر.
اعترف انني كنت واحدا من الذين هللوا لدخول الاممالمتحدة على خط الازمة اليمنية وإشرافها على حوارات القوى السياسية والحزبية والجماعات الفاعلة في المشهد غير ان الخيبة كانت اكبر بكثير من كل تلك الاحلام والأمنيات التي علقناها على دور هذه المنظمة ورسلها للسلام وهذه الخيبات ليست مقتصرة ربما على اليمن وحده بل انها اصبحت خيبات عامة وعارمة تتوزع تفاصيلها بدرجات متفاوتة في كل دول (الخريف العربي) غير ان خيبة اليمن كانت اشد وطأ وأسوأ قيلا.