إذا كنت من أصحاب العناوين الإليكترونية على الانترنت، فتوقع أن تصلك رسالة تحمل فيلماً قصيراً شديد التركيز وبالغ الدلالة؛ موضوعه الرئيسي والوحيد هو التحريض على العرب والمسلمين والإسلام «الذين سيغيرون وجه الغرب بشقيه الأوروبي والأميركي الشمالي، في غضون عقود قليلة ...». تقوم فكرة الرسالة على متابعة تطور المنحنى السكاني بالزيادة والتكاثر لدى عالم العرب والمسلمين، وبالجمود والنقصان عند الشعوب الغربية المسيحية.. مع التوضيح بالرسوم المتحركة والخطوط البيانية التوضيحية والاحصاءات، أن الزيادة السكانية في الرحاب الإسلامية مقابل الضمور السكاني المتوالي في الغرب، من شأنهما تدشين خريطة سكانية أخرى غير التي تعهدها المعمورة حالياً.. خريطة سيكون من ملامحها الكبرى طغيان الوجود الإسلامي والمسلمين إحصائياً، على ما عداهما داخل المجتمعات الغربية ذاتها. وأن الوسيلة إلى هذا الانقلاب السكاني تتمثل في سيل هجرة المسلمين المتدفق إلى الدول الغربية من ناحية، ثم تكاثر هؤلاء المهاجرين داخل هذه الدول بمعدلات عالية جداً من ناحية أخرى. ينتهي أصحاب الرسالة إلى ان هذا الانقلاب واقع لا محالة، لأن الوقت والفرصة فاتا تماماً على إمكانية الاستدراك ووقف هذا الاتجاه الذي سيجعل «أبناء الجيل الحالي في الغرب وأحفادهم يعيشون في عالم مختلف ثقافياً ودينياً، عما هو الحال اليوم...». وعلى الرغم من هذه النتيجة المقبضة بزعمهم، إلا انهم يحذرون من سيرورة هذا السيناريو ويدعون إلى إحباطه! وهم لا يقترحون أدوات معينة في هذا الإطار. ومن المرجح أن سكوتهم عن البوح بمثل هذه الأدوات، مقصود لنفي صفة التحريض وإسباغ مظاهر الموضوعية والحياد على أنفسهم.. ما يدل على أننا بصدد أناس محترفين في فقه الدعاية وأصول التسميم السياسي وإثارة الفتن. في تفصيلاتها تقول الرسالة ان الحضارة التي تريد المحافظة على ديمومتها وتوارثها، لا بد أن يتكاثر قوامها السكاني بمعدل سنوي لا يقل بأي حال عن 11, 2%، وليس هذا هو الوضع الراهن في دول الغرب المسيحي. ففي عام 2007 كان متوسط معدلات التكاثر بين الأوروبيين عموماً هو 38, 1% (فرنسا 8, 1، إنجلترا 6, 1، اليونان 3, 1، ألمانيا 3, 1، إيطاليا 2, 1، أسبانيا 1, 1). ومؤدى ذلك اختفاء البنية السكانية الراهنة لأوروبا في غضون بضعة عقود، والبديل هو الهجرة الإسلامية. ففي عام 1990، وبينما كان متوسط عدد الأسرة الفرنسية الواحدة 8, 1 فرداً، كان المسلمون المهاجرون يتكاثرون بمعدلات مذهلة تصل بهذا الرقم إلى 8 أفراد، مما جعل الشريحة العمرية للشبان تحت سن العشرين منهم، الأكثر انتشارا في مدن باريس ومرسيليا وتولوز. وإن بقي الحال على هذا المنوال فقد تمسي فرنسا جمهورية إسلامية بعد عقدين أو ثلاثة! وبعد عمليات إحصائية، تنتهي الرسالة إلى ان واحدا من كل ثلاثة بلجيكيين، سيكون مسلماً في العام 2025. وأن الألمان يعانون من تناقص سكاني لا يمكن دفعه على الإطلاق، حتى أنه بحلول العام 2050 سوف يصبح المسلمون أغلبية في ألمانيا. وفي غضون فترة أقل سيشغل المسلمون 40% من عدد الجيش الروسي. وعموماً فان في أوروبا اليوم زهاء 52 مليون مسلم، وسوف يتضاعف هذا الرقم خلال 20 سنة لا أكثر. ولا تمثل أميركا الشمالية استثناء من هذا الزحف الإسلامي السكاني الذى لا راد له. فقد زاد عدد سكان كندا بنسبة 6, 1% في الفترة بين عامي 2001 و2006، وكان 2, 1% من هذا الرقم بسبب هجرات المسلمين. وفي عام 1970 لم يكن في الولاياتالمتحدة أكثر من 100 ألف مسلم (كذا!)، فيما يراوح العدد الآن حول 9 ملايين. وفي غضون الثلاثين عاماً المقبلة سيكون المسلمون قد بلغوا الخمسين مليونا. تختتم الرسالة الفيلمية جولتها الترهيبية بتعليقيين مكثفين، أحدهما للكنيسة الكاثوليكية تقول فيه «إن عدد المسلمين في الدول الغربية تجاوز الحدود المأمونة..»، والثاني للزعيم الليبي معمر القذافي يشير فيه إلى أن «المسلمين ليسوا بحاجة إلى غزو أوروبا بالسيوف ولا بالبنادق ولا بالإرهابيين ولا بالانتحاريين.. فخمسون مليون مسلم هناك سوف يفون بالغرض..». والحال كذلك، فهناك مبررات قوية للحديث عن فوبيا الإسلام والمسلمين في الغرب. ولنا أن نتصور وقع مثل هذه الرسالة الإنذارية العابرة للقارات، والتي لا تكلف مروجيها شيئاً يذكر، على معتدلي العالم المسيحي دون الحديث عن متطرفيه، وحجم الخراب الفكري الذي تسببه بالنسبة لدعوات الحوار والتفاهم والتلاقي بين أتباع الديانات!