ولن تنتهي الطائفية، ولن يموت الإرهاب، لأن الاختلاف هو سمة البشر، ولأن الدين هو مسألة إيمانية لا يدركها العقل البشري. فقد مرت الشعوب المسيحية بحروب طاحنة، ولم يتحول الكاثوليكي إلى بروتستانتي ولم يتحول البروتستانتي إلى كاثوليكي، وقد استمرت الحروب الطائفية في أوروبا منذ ظهور الديانات السماوية إلى زمن الحرب العالمية الثانية عندما حدثت مجازر كبيرة لليوغسلاف الصرب من المسيحيين الشرقيين (الأرثوذكس) في كرواتيا، على يد الكاثوليك الذين يدعمهم الفاتيكان بالسر، فكان يُجمع المواطنون البسطاء في الساحات العامة، ومن ثم يأمرهم الجند بأداء الصلاة عبر رسم إشارة الصليب المعروفة، فإذا رسم الصليب من اليمين إلى اليسار فهو أرثوذكسي قتلوه على الفور! وإذا رسم الصليب بالعكس، أي من اليسار إلى اليمين فهو كاثوليكي، وبالتالي عفوا عنه! وقد انتهت تلك الحروب الطائفية إلى شيء واحد هو أن الدين لله والوطن للجميع. لذلك حرصت الدساتير الأوروبية على تنزيه الدين عن السياسة وكفلت حق الفكر الديني الروحي، بعيداً عن عبث الفكر الدنيوي المادي. وظروف هذه الأيام تختلف كثيراً عن الظروف التي مرت بها الحروب الطائفية الأوروبية، فأسلحة اليوم أشد فتكاً، والحيل الإرهابية أشد دهاء، والتدخل الخارجي أصبح سمة من سمات العصر، والفضائيات أصبحت سلاحاً في متناول الجميع. لذلك لم يكن مستغرباً أن تأخذ الحرب الطائفية في العراق بعداً مؤلماً أطول مما توقعه لها المراقبون، بل إن اليمن دخل على دائرة الطائفية، وإذا زدنا طبيعة تركيبة اليمن القبلية، وطبيعة الثقافة السائدة هناك، فعلينا أن نقول على اليمن السلام. وسواء كانت بذور الحرب في اليمن طائفية أو سياسية أو قبلية فمن الأفضل ألا نلبسها الطابع الديني، لأنها ستصبح حرباً مقدسة من الطرفين، وهنا لا رجاء في شفائها، وستخرج خيوط الحرب من يد اليمن إلى أيدي دول إقليمية وإلى غير رجعة (وقد حدث). وهنا إذا ما جُرت دولة خليجية من دون إرادتها إلى حرب لا طائل من ورائها، فإن دول الخليج، بحكم الخليج الواحد والمصير الواحد ستتبعها، خصوصاً أن العراق ولبنان قد مهدا الطريق جيداً للحروب الطائفية.
ولن تمانع إيران مثل هذه الحرب، فهي بحاجة إلى توحيد شعبها المنقسم حول راية الحرب المقدسة، وستكون الولاياتالمتحدة وإسرائيل أكثر سعادة، فهما تتمنيان شن الحرب على إيران ولكن بالوكالة! في هذه الحال لابد من إعادة الأمور إلى نصابها بتفكيك أسباب الصراع ورده إلى جذوره، لا كما تفعل بعض القنوات الخليجية بإثارة النخوة الطائفية. وهذا ما انتبهت إليه المملكة العربية السعودية ونتج عنه تصريح الشيخ العبيكان الذي تبرأ من تصريح العريفي.
فقد تسبب شيخ الدين العريفي بحال من الاحتقان الطائفي ليس في السعودية فقط، ولكن في عموم دول الخليج، وعلى العموم هذا ما تتمناه «القاعدة» وأصحاب الفكر الديني المتطرف، فهم يحاولون ذلك منذ زمن في العراق عبر التفجيرات العبثية التي أودت بآلاف الأبرياء من السنة والشيعة.
ويبدو أن الدور جاء على الكويت، فهناك من يحاول ومن أجل أهداف لا نعلمها إشعال الفتنة فقد قام مجهول ببث أشرطة تحتوي على «هوسات عراقية» تمس شيوخاً من السنة، ثم انسحب هذا المجهول ليترك الطعم لبعض المتطرفين المتربصين ليكملوا المشوار، ولتبدأ بعد ذلك مرحلة التصريحات التي ستجعل من هذا الطعم قضية طائفية تجر الكويت ومن فيها إلى المجهول.
وإذا لم يخب ظني فإن هذه «الهوسات» ليست أصلاً في الكويت، بل في العراق! فجميع الأخبار التي كتبت في الجرائد مجرد تخمينات متناقضة، ولم تتفضل وزارة الداخلية بالتعليق على الموضوع لا من بعيد أو من قريب! وخفتت تصريحات النواب حولها بشكل مفاجئ، وتُرك الأمر للقنوات الفضائية لتكسبه المصداقية المفقودة! كما أن توقيت بثه لا يتزامن مع تاريخ وقوعه! فأين الداخلية في ذلك الوقت؟ فلا يمكن أن نفسر خروج هذا الشريط في هذا الوقت إلا لتزامنه مع طرح قضية البدون! أو لتزامنه مع توسع رقعة الحرب اليمنية التي باتت تتحول إلى حرب إقليمية طائفية، فهل المقصود هو إدخال الكويت في الحرب؟.