إن كان ما كتبته عمّا يعيشه العالم الإسلامي من حروب دامية بينه البين، وتمزق إلى مذاهب، وخلافات وفقر وظلم هو الواقع، فهل هذا يعني أن اليهود والمسيحيين أفضل حالاً، وأكثر رحمة وعدلاً، وأقوى إيماناً بالله وكُتبه السماوية..!؟ من يعود إلى التأريخ سيتفاجأ أن مجازر المسلمين لبعضهم البعض ووحشيتها لا تكاد تُقارن بشيء مع تلك المجازر التي ارتكبها المسيحيون تحت راية الصليب طوال القرون الوسطى التي كان فيها المسلمون يعيشون عصرهم الذهبي. فمعظم الصراعات التي عاشتها أوروبا كانت على خلفية دينية بين الطوائف المسيحية (الأرثوذكس، الكاثوليك، البروتستانت) وتبدأ بحرب انفصال الكاثوليك والأرثوذكس في القرن الرابع الميلادي أيام الامبراطورية الرومانية. لكن أشدها كان في الفترة (1618 1648) بالانقسام بين البروتستانت والكاثوليك، وكان هو الأعنف والأكثر وحشية على مستوى كل الحروب الدينية التي شهدها العالم، حيث تخلّلته حروب وعمليات إبادة لملايين الناس الأبرياء بصورة تفوق الوصف!!. فخلال الحرب انخفض عدد سكان ألمانيا بمقدار 30 % و في براندنبورغ بلغت الخسائر النصف، وفي بعض المناطق مات ما يقدر بثلثي السكان، وانخفض عدد سكان ألمانيا من الذكور بمقدار النصف تقريباً!. لا أريد الخوض في تفاصيل الجرائم التي كانت ترتكبها المسيحية باسم الكنائس وباسم الرب، لكن سأكتفي بالتذكير أن عدد قتلى الحرب العالمية الأولى بلغ (8,538,315) شخصاً، وعدد قتلى الحرب العالمية الثانية بلغ (61.820.315) شخصاً.. وتلك أرقام تفوق قدرة عقولنا على تخيلها. أما بالنسبة لليهود، فهم لم يشكلوا دولة إلا في 1948م بموجب حركة صهيونية عملت على تجميع يهود العالم في فلسطين باحتلالها وتشريد مئات الآلاف من أبنائها من مدنهم وقراهم، ومنذ تلك اللحظة وحتى اليوم والقتل يحصد أرواح عشرات آلاف الفلسطينيين سواء بمجازر إبادة جماعية أم اشتباكات، حيث تقدّر بعض مراكز الإحصاء الفلسطينية عدد من قتلهم الجيش الصهيوني بأكثر من (150) ألف شخص.. فيما تمارس حكومة اسرائيل مختلف أنواع الانتهاكات التي طالت حتى النساء والأطفال، ووصلت أحكام السجن إلى مدة 120 سنة وأكثر، وكل ذلك يتم ارتكابه تحت راية الدولة الدينية..!. اليوم العالمان المسيحي واليهودي يتحدثان عن “وحشية” العالم الإسلامي، ويعرضون مشاهد القتل الوحشي عبر الشاشات لبلورة رأي عام حاقد وناقم على المسلمين، فيما ينسى الجميع مجازر الإبادة المهولة والأرقام المليونية الخرافية للقتلى الذين سفكت دماؤهم بأيديهم؛ خاصة أن المسلمين لا يملكون إعلاماً يظهر كل تلك الجرائم والأحداث الدامية والمدمرة. لكن الغريب في أحداث العالم أن حروب إبادة الطوائف المسيحية لبعضها البعض داخل بلدانها الأوروبية خلال القرون الوسطى حدثت في فترة تحالف الكنيسة مع القوى الاقطاعية وتحكم رجال الدين بصناعة قرار الدولة، وقد نتج عنه انهيار اقتصادي وثقافي واجتماعي، لكن بعد انهيار سلطة الكنائس حدثت النهضة الأوروبية.. أليس غريباً أن يصبح “الدين” مصدراً للقتل والتخلف!؟. اليوم عندما نتأمل حياة المجتمعات المسيحية واليهودية نقف مذهولين أمام مظاهر الفساد الأخلاقي والإباحية والشذوذ ومعدلات جرائم القتل والمخدرات والاغتصابات وغيرها؛ حتى يخيل لنا أنها ديانات منحلة أخلاقياً، وهذا يجافي الحقيقة؛ لأن الله لا يمكن أن يشرع في كتبه السماوية الرذيلة!. خلاصة القول.. إن جميع الكتب السماوية حملت للبشرية دعوات السلام والمحبة والتسامح وكل القيم الإنسانية النبيلة، وبيّنت لهم كل ما ينظم علاقاتهم وتعاملاتهم؛ لكن ما حدث هو أن هناك من أعاد استخدام الدين لمصالحه سواء في الوصول إلى السلطة أو لتحليل ما حرّم الله أو تحريم ما أحلّه، أو لتشويه الدين لأغراض معينة في نفسه أو لصالح جهة معادية للدين، أو لدفع الشعوب نحو الصدام الحضاري.