أحلم بشبح دولة أخاطبها في حوادث القتل والسطو والاغتصابوالاختطاف والإرهاب اليومي الذي يفتك بغالبية بشر هذه البلاد.. دولة أزعم بأنها معنيَّة بأمن وسلامة الناس، وتزعم هي بأنهاتأخذ ما ألْفتُ نظرها إليه من قضايا ومظالم، على محمل الجد.. دولة لا أضفرلمسئوليها مشنقة من الزلَّات لأطيح بهم لصالح فصيل سياسي أنتمي إليه، ولا يتشفَّىمسئولوها بغصصي وأوجاعي باعتبارها برهاناً على تفوقهم وعجزي. هل ما زال بوسعنا–حقاً- أن نحلم بدولة تتلوّنُ قمصانُ حكامها السياسية، ويبقى أمنُ محكوميهاومصالحهم العامة أبيض، لا تُبَقِّعه أوساخُ المضاربة في المزادات الشخصية؟!لقدربحنا في الآونة الأخيرة المزيد من مراكز القوى، ما يعني أننا خسرنا - أكثر فأكثر- إمكانية بناء الدولة؛ وأشد ما يثير القرف أن "بناءَها" صار النشيداليومي لكل المعاول الهدّامة، كما صار "المجتمع المدني" نشيد"المشيخات القبلية، وكهنة الدين السياسي".من يقتلنا سوى هؤلاء الذينتقاسموا لحم الشعب وسرقوا صوامع الغلال ومخازن السلاح الرسمي وتحصَّنوا خلفالمصفَّحات والأسوار العالية وأداروا ظهورهم لنا. أصبح قدرنا ككُتَّاب أن نحررشكاوى المجني عليهم لنضعها في بريد الجناة، ونأمل في استجابتهم.. ما جدوى أن أسردبين يدي رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه ووزير داخلتيه، قصة طفلة تَنَاوَبَ أربعةُرجال على اغتصابها في حارة 26سبتمبر بتعز، ثم انصرفوا آمنين مطمئنينليزاولوا نشاطهم الاعتيادي اليومي وكأن شيئاً لم يكن؟!أو قصة المواطن "علىحميد البحري" الذي قتله أحد مرافقي مدير السجن المركزي بتعز ظهيرة الخميسالفائت، وانسحب ليتحصَّن في ثكنة من ثكنات النفوذ التي أصبحت أعدادها في العاصمةالثقافية تضاهي أعداد فروع "كاك بنك"، في اليمن.. وآخر اسمه "عبدهقائد قحطان" سَطَتْ "مليشيات حماة الثورة" على أرضيته تحت أشعةالشمس الفاضحة... إن اللون السياسي لِجِلْدِ المجني عليه أو الجاني مقروناً بوزنهودرجة أهميته بالنسبة لمركز من مراكز قوى السلطة المسيطرة، هو معيارها في طبيعيةما ينبغي أن تتخذه من إجراءات إزاء كل حادثة على حدة، وهو حافزها الوحيد لاتخاذها.لا دستور ولا قوانين تعلو على دستور التوافقية والمحاصصة وقوانينها، ولا شرعية سوىشرعية الاستحواذ على السلاح، ولا خيار أمام الغالبية سوى الاستسلام لجنازير الأمرالواقع أو الثورة ضد ما يُسمَّى الثورة بكل مخرجاتها القديمة - الجديدة التي تعيدالانتشار والتموضع في السلطة على أرضية عجز هذه الغالبية وتعبها وحجم نزيفها الذيذهب هدراً.. إن معنى الدولة في حدِّها الأدنى أن نقف عاجزين وراضين تحت سقفالقانون لنتقاضى حقاً أو لنقوم بواجب، لا أن نرتمي عند أقدام "شيوخالمليشيات" أذلَّاء لنشحذ حمايتهم وعونهم في بلد تعمل أجهزته الأمنيةوالعسكرية سمساراً في ديوان الشيخ وحارساً شخصياً..علينا أن نعاود محاولة الإمساكبزمام الوعي و التشبُّث بحلم الدولة التي لن تقوم ما لم نمتلك تصوُّرنا السليملها.