الإقصاء الفاضح والسياسة الإعلامية القمعية التي يمارسها الثوار الجدد على مخالفيهم أصبحت محل ازدراء الكثير من المراقبين في الداخل أو الخارج اليمني ... ففي الوقت الذي ينادون فيه " بالتغيير " وحرية الرأي والرأي الآخر وترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية وغيرها من المفردات البراقة نراهم عمليا وبشكل شبه يومي يناقضون أقوالهم بأفعالهم التي لا تنم إلا على عقليات شمولية تلبس زورا لباس التحضر والتغيير وهي تعيش قرون ماقبل محاكم التفتيش ( هذا منافق , وهذا مؤمن , وهذا ثائر , وهذا ثورة مضادة , وهذا من بقايا النظام , وهذا امن قومي , وهذا حوثي , وهذا انفصالي , وهذا بلطجي , وهذا مخرب , وهذا خائن , وهذا عميل ....الخ !!! ) , طبعا أنا هنا لا أعمم بل اخص كل من يتبنى هذا الفكر وهذا التوجه الاقصائي الشمولي المقيت بحجج ( ثورية ) واهية ومضلله . هذا الإعلام " الثوري " لا يزال يحاور نفسه ولا يقبل بالآخر ولا بوجهه النظر الأخرى خوفا أو ضعفا أو كرها أو اقصاءا ... أي انه للأسف الشديد إعلام شمولي اقصائي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى , وبالرغم من كل المتغيرات الإعلامية السائدة في العالم الحر فان هذا الإعلام " الربيعي " اليمني لم يؤمن بعد بقيم ومبادئ الحرية والديمقراطية والرأي الآخر حتى وان ادعى ذلك قولا لا عملا ... مع بعض الاستثناءات التي لا تكاد تذكر لقلتها وسط الزحام الإعلامي الذي يديره ويمتلكه ...
لازلت أتذكر ردة الفعل " الثورية " تجاه معدي ومذيع قناة " يمن شباب " الفضائية و الذين استضافوا " خطئا " الإعلامية والمثقفة المعروفة زعفران المهنا في برنامج حواري جمع طرفا المعادلة السياسية الذين يشكلون حكومة شراكة انتقالية واحدة .. ومع ذلك فقد تم توبيخ وإيقاف المعدين لتلك الحلقة الحوارية ومذيع الحلقة لأنهم فقط استضافوا الطرف الآخر الذي لازال يمثل نصف الحكومة بحسب التسوية السياسية السائدة فما بالك لو وصل هؤلاء إلى الحكم بشكل كلي كيف سيتعاملون مع خصومهم السياسيين أو لنقل معارضيهم ؟!!!.
خلاصة القول ... ستظل قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية قيم خالدة مهما حاول البعض هنا أو هناك تشويها أو قمعها أو إلغاء بعضها ... حقائق التاريخ تؤكد ذلك فمن أراد القفز من فوق هذه الحقائق الثابتة والمسلمات الإنسانية الخالدة فقد وضع نفسه وتاريخه في موضع هامشي أو في موضع المعادين لهذا القيم والمبادئ الديمقراطية والإنسانية الثابتة بثبات المدافعين عنها في أي مجتمع ديمقراطي حر .
الغدير !! : الزوبعة الإعلامية التي أثيرت في اليومين الماضيين نتيجة احتفال جماعة الحوثيين بما يسمى " بعيد الغدير " اعتقد أنها لم تؤتي ثمارها السياسية ... فالحوثيين شئنا أم أبينا أصبحوا واقع وطرف فاعل في المعادلة اليمنية وبالتالي لابد من التعامل معهم سياسيا كرقم من الصعب تجاهله أو تجاوزه , ومعتقداتهم سواء كانت متأصلة أو دخيلة لابد أن نتعامل معها بحكمة دون تسفيه أو صدام خاصة إذا علمنا أن الفكر لا يقابل إلا بفكر والحجة لا تقابل إلا بالحجة ... وموضوع الغدير موضوع قديم وتراكم فكري عمره أكثر من أربعة عشر قرنا ومن الصعب إقناع الطرف الآخر بصحته أو إقناع الشيعه ببطلانه إن لم يجلس الطرفان ( السنة والشيعة ) على طاولة الحوار والتقريب الحقيقي بين المذاهب على قاعدة الخوف من الله ومن سؤاله في ذلك اليوم الذي لن ينفع فيه مال ولا بنون ولا مذهب ولا جماعة ولا طائفة ولا سلالة ولا ولاية إلا من أتى الله بقلب سليم .