حمد الكعبي : لا شك أن ما أقدم عليه الانقلابيون من محاولة استهداف لبيت الله الحرام ومكةالمكرمة يمثل تطوراً خطيراً في إرهاب شرذمة «الحوثيين» ومن يدعمهم، وحدثاً كاشفاً صريحاً عن نيتهم في استهداف قبلة المسلمين. وفي بدايات الانقلاب على الحكومة الشرعية والاستيلاء على المحافظاتاليمنية من قبل المخلوع صالح وأتباعه والمتمردين «الحوثيين» ومن يدعمهم من المتآمرين، وقبل انطلاق «عاصفة الحزم»، هدد وتوعد وأزبد وأرعد عدد من قيادات الانقلابيين بدخول مكة أو الطواف حول الكعبة في العام التالي، في إشارة صريحة وواضحة بالرغبة في التعدي على بلاد الحرمين والنية المبيتة في الغدر والخيانة، وكان كل ذلك بطبيعة الحال مجرد جعجعة لا يؤبه لها، لأن المرتزقة «الحوثيين» أوهى شأناً وأوهن قوة من أن يلتفت أحد أصلاً لتهديداتهم الجوفاء. والراهن الآن أن حرب اليمن أظهرت للعالم أجمع مدى الوفاء والالتزام والمصداقية والإنسانية التي تحلى بها التحالف في التعامل مع الأحداث والمواقف والالتزام بالمواثيق الدولية والعهود الأممية والمبادئ الإنسانية في ساحة المعركة، والالتزام التام والشامل، قبل ذلك وبعده، بالمواثيق الدينية السامية التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف، وبخاصة في التعامل الكريم مع المدنيين العزل كالأطفال والنساء والمسنين وغير المحاربين المعتدين، بشكل عام.
وفي المقابل برهنت هذه الحرب على عكس ذلك تماماً في طريقة تعامل «الحوثيين» والانقلابيين مع الحرب، حيث شوهوا كل معاني الإنسانية في تعاملهم مع الشعب اليمني نفسه، قبل غيره. ف«الحوثيون» هم الذين حاصروا المدن الآمنة، واستخدموا التجويع سلاحاً في عدد من المناطق، ومنعوا دخول المساعدات والمواد والمستلزمات الإنسانية التي كانت ترد إلى اليمن من دول العالم، واتخذوا أيضاً المدنيين دروعاً بشرية، وخرجوا على الأعراف والمواثيق الدولية بهذا الصدد، حتى أنهم انتهكوا حرمة المساجد واستخدموها كمنصات لإطلاق الصواريخ الإيرانية باتجاه الأبرياء والمدنيين، وكذلك استهدافهم لمناطق محاذية للحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية، علاوة على خطفهم للأطفال واستخدامهم وتجنيدهم في الحرب رغماً عنهم وعن ذويهم. والآن يكشف استهداف مكةالمكرمة ضعفاً واضحاً في صفوف «الحوثيين» وتخبطاً غير مدروس في تعاطيهم مع الحرب، وأكبر دليل على ذلك نفيهم لجريمتهم الحمقاء وإنكارهم للفعلة النكراء، فلم يستطيع «الحوثيون» الاعتراف بالواقعة لأن من عادتهم إنكار جرائمهم، ولعل إيران أرادت من ذلك تجربة ردة فعل العالم على هذه الخطوة!
بل إن بعض الجهلة المتعصبين ربما كشفوا عن نواياهم البائسة واليائسة والفاشلة في تحويل قبلتهم باتجاه كربلاء كما يدعون! ولعل بعض غلاة المتشددين المذهبيين في إيران يحاول يائساً استقطاب الحجيج باتجاه معتقداتهم وفكرهم وجرهم لأهداف مذهبية بالاسم، وصفوية مقيتة بسبب الحقد والأطماع التي تتولد لديهم، وذلك ليس بجديد عليهم، ومساعيهم التاريخية الفاشلة بالرغبة في تغيير وجهة المسلمين عما هي عليه ربما يعتقد البعض أن ملك الحبشة أبرهة الأشرم هو الوحيد الذي هاجم الكعبة وسعى إلى هدمها لولا حماية الله لبيته وإرساله الطير الأبابيل التي قضت على جيش الحبشة وأنقذت البيت الحرام.
إلا أن هذا الاعتقاد سيتغير إذا استحضرنا في أذهاننا سجل تاريخ محاولات الاعتداءات على مكة منذ عهد القرامطة وإلى محاولات الصفويين في تعكير جو الحج وإثارة الشغب ورفع دعاوى واهية ومفتعلة ضد مسألة تنظيم الحج، وغير ذلك من محاولات شق الصف الداخلي ومحاولة إثارة الفتن ودعم المليشيات في الدول المجاورة شمال وجنوب بلاد الحرمين.
والتاريخ الآن يتكرر، ولعل حادثة القرامطة وغيرهم الذين سعوا في الأرض فساداً تعود من جديد، ونسأل الله أن ينال غضبه الآمرَ والمتآمر والمنفذ في حادثة إطلاق الصاروخ، وسيكون وبالُ كل ذلك على رؤوس المعتدين على البيت الحرام. وقال الله عز وجل في كتابه العزيز «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ».