عبدالله بن بجاد العتيبي : تصاعدت في الآونة الأخيرة من جديد حملة الإرجاف «الإخوانية» لدق إسفين في العلاقات التاريخية بين الدولة المصرية ودول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وهي حملة كانت بدأت عقب إسقاط حكم جماعة «الإخوان المسلمين» من قبل الشعب المصري وجيشه، ووقوف السعودية والإمارات معهما. هناك أعداد كبيرة من المنتسبين إلى جماعة «الإخوان المسلمين» ومن «الليبرو إخوان»، ومن المتحمسين لما كان يعرف ب«الربيع العربي» يجتمعون على هدف واضح هو التشويش بأي طريقة، وبأي سبيل على هذه العلاقات القوية، وهذا التحالف القوي، وهذه المجموعات تتحرك وفق أجندة «إخوانية» معروفة وهي مدعومة من دولة إقليمية ودولةٍ عربية للأسف.
وهؤلاء موجودون في مصر وموجودون في دول الخليج، وموزعون على دولٍ شتى في المنطقة وحول العالم، وليست المشكلة مع عناصر الجماعة المنتمين إليها تنظيمياً وفكرياً، وإن ادعى بعضهم غير ذلك لأسباب متعددةٍ منها أن التبرؤ من الجماعة يمنح فرصةً أكبر لخدمتها وخدمة أجندتها، ولكن المشكلة هي مع قطاعٍ كبيرٍ من المثقفين والإعلاميين والناشطين الذين يتكاثرون في مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، وهؤلاء لا يعرف كثير منهم أنهم مجرد مطايا لرغبات الجماعة السياسية وأهدافها الاستراتيجية، ولا يعرفون أنهم يضرون بمصالح أوطانهم، وكثرتهم وسهولة تجنيدهم، تمنح الجماعة صوتاً أعلى من قدرتها الحقيقية. يدير «الإخوان» وأتباعهم حملة شرسةً ضد مصر الدولة والرئيس والجيش والأمن والشعب والمؤسسات، حملة لتشويه مصر وضرب علاقاتها ومصالحها مع أبرز حلفائها في دول الخليج العربي، وهم ينشطون في الجانبين، ولا شيء يقضي على مثل هذه الحملات الإرجافية مثل التواصل السياسي والدبلوماسي السريع والفعّال.
كان مثيراً للإزعاج ومنافياً للمنطق ومخالفاً للدبلوماسية أن يقوم الأمين العام لمؤسسة إسلامية كبرى وفي مناسبةٍ رسميةٍ بحضور رئيس دولة بالتطرق بشكلٍ فجٍ إلى رئيس جمهورية مصر العربية الذي يعد أحد رؤسائه وأن ينخرط في حملات الإرجاف «الإخوانية» بشكل واضح وصريح، وقد كان بالإمكان لمثل هذه الحادثة أن تستمر مثل كرة الثلج المتدحرجة، غير أن ردّ الفعل السياسي السريع قضى بفعالية متناهية على أي إمكانية لاتساع الهوة أو تضخيم الخلاف واستغلاله سياسياً لدق إسفينٍ بين الأشقاء.
الأيديولوجيا تعمي عن السياسة، والمؤدلجون يفشلون دائماً لأنهم لا يفهمون السياسة، وجماعة الإخوان المسلمين هي أوضح مثال في هذا السياق، فقدرتهم على الفشل بعدما سيطروا على الحكم في مصر فاقت كل تخيلات خصومهم، وهم مستمرون بالفشل ذاته بعدما أسقط حكمهم الشعب المصري وجيشه، ولا أوضح من فشلهم إلا سياسة تبني العنف والإرهاب خياراً والعودة إلى المربع الأول من جديد.
طوّرت الجماعة مجموعاتٍ إرهابية قامت بتدبير اغتيالات وتفجيراتٍ وسعت بشكل ثابتٍ لزعزعة الأمن واستهداف المدنيين، ومن آخر ما أعلنت عنه السلطات الأمنية بمصر بعد القضاء على «معسكر أسوان» الإرهابي، فقد جاء في الخبر: «إن المعلومات والرصد الأمني لأنشطة جماعة الإخوان كشفت عن اضطلاع قياداتها الهاربة بالخارج بتطوير هيكلها التنظيمي بالداخل بتشكيل كيانات مسلحة بمسميات جديدة (حركة سواعد مصر، حسم، لواء الثورة) واستغلالها كواجهة إعلامية ينسب إليها عمليات العنف التي تنفذها الجماعة».
جماعة الإخوان المسلمين مصنفة كجماعة إرهابية في مصر والسعودية والإمارات، وسياسات الجماعة لا تزيد هذا التصنيف إلا تأكيداً، وبالتالي فحملات الإرجاف «الإخوانية» لا تخدم إلا العنف والإرهاب الذي تقوده الجماعة، وانخراط أي مسؤول أو دبلوماسي في مثل هذه الحملات الإرجافية أمر خطير يجب الحذر منه والتعامل معه بكل حصافة وحزم. أخيراً، ستفشل حملات الإرجاف الحالية كما فشلت مثيلاتها من قبل وستبقى العلاقات التاريخية بين مصر ودول الخليج ترتقي وتخدم مصالح الشعوب العربية ودولها.