تشهد اليمن حربا مفتوحة مع الإرهاب بكل أنماطه ونحله وتشعب وتعدد واجهاته السياسية والأيدلوجية والميدانية الأكثر عنفا . وتقدر دراسة أولية خسائر البلاد ما يقارب ال 50 مليار دولار خلال عقدين مضيا وإذا أضيف لهذه التقديرات مستوى وحجم الفاقد من حساب التنمية والاستقرار السياسي والسلم الداخلي جراء العمليات الإرهابية الموجهة ضد أهداف سياسية ومناشط دبلوماسية يصبح الأمر فاجعا وتحويله إلى معادلات اقتصادية ينبئ ولا ريب عن معضلة كبرى على صعيد الواقع المعاش وكارثة مكتملة على نطاق المستقبل خاصة حين تبدو الجهود الرسمية والشعبية الداخلية والإقليمية المكرسة لمواجهة الإرهاب اقل ديناميكية وعمق أو فاعلية من القاعدة وأخواتها .. الجمعة الماضية كان أبناء اليمن أشبه حالا بالواقف على رؤوس الرماح قلقا من الكامن خلف دوي الانفجارات المدوية والدخان الأسود يتعامد صعد أمن أهم منشأة دفاعية يمنية تضم إلى جانب مكتب الرئيس وغرفة القيادة المركزية للقوات المسلحة المقر المركزي لوزارة الدفاع ومكاتبها الحيوية المختلفة وبحساب التبعات تكون البلاد فقدت عشرات المليارات من الخسائر غير المرئية بفعل توقف حركة الحياة وتعطل مصالح الأفراد والمؤسسات العامة والقطاعات الاقتصادية المتعددة ولو احتسبت أعمار الشعوب او قيمت إلى أصول مادية فإن مئات المليارات يمكن تسجيلها على قائمة الأضرار التي تكبدتها اليمن خصما من رصيد مجتمع تتعرض طفولته الغضة ويافعية للترويع فتحتقن في ذاكرتهم هواجس الخوف من رهاب العودة إلى منازلهم !! المسألة تتجاوز في جانبها الأول توصيف حدث بعينه - او سلسلة أحداث إرهابية ترتكبها جماعة القاعدة او تنسب إليها بحكم الماركة الحصرية للبصمة المسجلة دوليا بهذا الاسم منذ 11 سبتمبر 2001 - إلى نطاق التثاقف بالعدوى لتغدو الحرب على الإرهاب بالطريقة الأمنية السائدة نوعا من التطبيع على الاستباحة اذ ما من ظاهرة هدامة تخفق البرامج الحكومية في مواجهتها الا وتحولت إلى بيئة عامة ذات طبائع متعددة تتنامى مناعاتها يوما اثر آخر لتبلغ مرحلة التعذر على الحصر والملاحظة والاستئصال .. اما في الجانب الآخر من المسألة ذاتها فكون المعضلة منظورة على نطاق التعاطي مع الفعل الإرهابي وتحديدا مع القاعدة او الجماعات المستهدفة بالحرب على الإرهاب بينما يظل التطرف وثقافته الهدامة في مأمن من هذه الحرب . لست تدري والحال كذلك على أي شاكلة تبني الحكومات العربية - واخص منها الحكومة اليمنية تحديدا - رؤيتها البرامجية تجاه تحديات الواقع ولا ماهية فلسفتها للتنمية ولا اين تبدأ أولوياتها الاقتصادية والسياسية ؟ وبماذا وأين تنتهي؟ ولا ماهو الآني منها من المتوسط أو البعيد ..؟ لا الشراكة اليمنية الإقليمية الدولية في حرب الإرهاب أنتجت مشروعا تنويريا وتنمية بشرية يستهدفان التطرف كمنبع رئيس للعنف ومنطلق أساس للفكرة العدمية التي تطلق قفازها الإرهابي في وجه مجتمعاتنا المغيبًة !!ولا القيم التي توسطها نظم الحكم لإصلاح ما أفسدته سياساتها الاسترخائية رسمت ملامحها في قسمات الواقع ضمن محيط الخيارات المستقبلية المستقرة في برامج وتوجهات دولنا . سوف يصبح الأمر واضحا بالنسبة لليمنيين وجماعات الارهاب على حد سواء لحظة الكشف عن موازنة الحكومة اليمنية (2014) و معرفة حجم الانفاق على التنمية البشرية وحقول المعرفة وبحوث الواقع وفعاليات توطين القيم المناهضة للتطرف قياسا بما يرصد للبنى الخرسانية والمظاهر الترفية ومحميات الصراع السياسي. لدينا من الاسباب الوجيهة التي يثيرها المسؤول الاول عن الموازنة العامة للدولة الاستاذ امين المحمدي ما يدعو للاشفاق على الموارد الشحيحة من شراهة عدد من الوزراء ورؤساء المصالح الحكومية الذين لا يفرقون بين المليون والمليار حد قول الرجل ولكنا في المقابل لا نرى في اليمن حكومة جديرة بمساندة المجتمع ودعم الاشقاء والاصدقاء طالما ظلت على عرجونها القديم في التخطيط النمطي للموازنات العامة . لم يحاول المحمدي الافادة من الطريقة اليمنية في القفز المظلي الى الأعلى ومع كل موازنة سنوية تستفزه الأرقام الفلكية للمتهافتين على مقدرات البلاد ..لهذا لا وقت لديه لتجسير علاقة الارقام بأهداف التنمية البشرية وبرامج التنوير وهو يرمي حنقه عليها لأن المعرفة لا قبيلة لها أو نفوذ؟ فإذا كان دوي الانفجارات في أهم معاقل الدولة لم يسمع بعد (من حكومة الوفاق) او يعينها على استيعاب الدرس وإعادة النظر في أولوياتها المرحلية على نحو يفضي إلى توازن ملموس بين قيمتين مشتبكتين الحوار بدلالاته الواسعة وهو خيار يلتزمه الرئيس هادي وتوآزره الدول العشر الراعية إنفاذ التسوية السياسية وبين الإرهاب بوصفة منتج ثقافات متطرفة وتقتضي حاجات اليمن الملحة محاصرته بسياسات جديدة وبرامج عمل غير تقليدية تسخر إمكانات الدولة لصالح التنمية البشرية وتمويل المعرفة وحشد طاقات واستعدادات المجتمع للعمل في إطار مشروع وطني خلاق لا يصبح الإنسان معه مجرد رجع صدى لانفجار سيارة مفخخة وحالة استنفار طوباوي لما يرشح في سراديب الإرهابيين من عمليات غادرة .. يوجز الدكتور سامي عطا رؤيته حول علاقة المال بالمعرفة في مقالة نشرتها صحيفة الألى بأن (هناك قانون تلازم بين الحياة الآمنة للناس ونسبة الإنفاق عليها, بيد أن توفير الأمن في أي مجتمع له ارتباط بالتنمية وللأمن فلسفة تنمية تبرره. فكلما زاد الإنفاق على التنمية عموماً والتنمية البشرية خصوصاً انعكس هذا على أمن المجتمع وأمان الناس, وفلسفة التنمية تشترط عقلاً يدفع بها, وغيابه يستحضر وسائل أخرى لها علاقة بالمصالح الأنانية الضيقة.
* نقلا عن صحيفة الأولى اليمنية بعنوان ( لصوص يتبادلون المنافع )