لننظر للقضية من زاوية مختلفة. أقصد بعيداً عن توظيفها كورقة سياسية مع أو ضد أحد أطراف الصراع في اليمن. خلال الثلاث السنوات الماضية، وبالتحديد من اكتوبر 2016م وحتي نهاية ديسمبر 2018، لم يستلم الموظفون في مناطق السيطرة الحوثية رواتب أربعة وعشرين شهراً ونصف الشهر.. هي مأساة إنسانية مريعة.. كيف يتدبر هؤلاء أمورهم.؟! كيف يطعمون أسرهم.؟! كيف يربون صغارهم؟! حتى الاقتراض، أو التطفل.. لم يعد ممكناً، لمعظمهم في ظل انحسار معظم القادرين خلال هذه الحرب التى نالت تداعياتها الكارثية من الجميع. لا معنى للحديث عن “التكافل الاجتماعي” في مجتمع أصبح كله من المحتاجين. إذاً.. كيف..؟! كيف حتى يواتي هؤلاء النوم، أو تواتيهم الرغبة بممارسة الجنس بشكل طبيعي!؟ كيف ينظرون إلى العالم.؟!. ولماذا لا يلتفت العالم إليهم؟! لماذا تخلى الجميع عنهم؟! أو بعبارة أدق: لماذا يتواطأ الجميع ضدهم؟! كانت المشكلة أن الراتب الضئيل لا يفي بمتطلبات الحياة، ومع ذلك لم نكن نحتمل أن يتأخر لأيام بعد نهاية الشهر.. أما أن نعمل بلا رواتب، أو أن تتأخر الرواتب لسنوات.. فهذه كوابيس تداهم حياة الموظف اليمني لأول مرة. بل هي سابقة في تاريخ المعاناة الوظيفية على مستوى العالم. ليس من المهم أن نحدد من هو المسئول!؟ لكن من المهم أن نعرف: – أن زج مئات الآلاف من الموظفين في الصراع كورقة للضغط، أو للابتزار السياسي.. هو بمثابة جريمة حرب ضد الإنسانية. – وأن مجرد عدم قيام أي طرف من ذوي العلاقة المحلية أو الإقليمية أو الدولية، بفعل شيء للحد من تداعيات هذه المأساة، هو تواطؤ في هذا الجريمة المشينة من الاستهداف والتجويع الجماعي.