أحببته منذ الوهلة الأولى ، وتدريجيا ترعرع حبه في أعماقي ، عندما فتحت عيني لأول مرة قرأ ت ملامحه، وحفظتها عن ظهر قلب ، يومها تسرب حبه إلى أعماقي قطرة.. قطرة ، وكما يقولون حب من أول نظرة. أظنني قد أحببته قبلها ربما عندما سمعت صوته لأول مرة ، حينها لم يكن قد رآني أو رأيته ، لم يسمعني لكني سمعته ، أليس الأذن تعشق قبل العين أحيانا.. ؟ نما حبه معي يوما بعد آخر ، وأنا أمتع ناظري برؤيته ، وأطيل النظر إليه ؛ لأحفظ صفحات وجهه البهي ، يا له من رجل كيف توغل إلى أعماقي بانسياب ؟! أعقل وثاقي بشخصيته.. هيبته .. ورجولته الصارمة . حتى وجهه العابس اعتدت عليه ، وبت لا أهوى سواه ، أخذت أقلده في كل شيء.. أكله.. شربه .. جلوسه .. ووقوفه.. مشيته.. سكناته وحركاته ، تلتقطها عدسات عيني ، ثم توحي لي تقليدها بإتقان ، حتى أفعاله التي يذم نفسه على فعلها ، خطر ببالي أن أقلدها ؛ لأعيش إحساسه وانتشي بنشوته ، لإيماني العميق بكل ما يقوم به ، ولاعتقادي الجازم أنه لا يقوم بأي فعل عبثا أو محض تجريب ، لأن ما يفعله ينذر بأهمية الشيء الذي يقوم به ، حتى لو كان ضاراً وسيئاً، وليس باللائق ، كما يترامى إلى مسامعي. ففي ظهيرة ذلك اليوم الصيفي الحار، الذي تتصبب الأجساد عرقاً من لهيبه ، وصل إلى المنزل ، توجه إلى غرفته.. خلع ملابسه، أسرع لينعش جسده الملتهب تحت (دش) بارد ، وأنا ارقب تحركاته في صمت وتوجس ، وأواري جسدي حتى لا يراني . خرج من الحمام يلف منشفة حول خاصرته ، عاري الصدر، ينقط شعره قطرات متهاوية نحو الأرض ، نفض شعره يمنة ويسرة ، فتطايرت قطرات في أفق محيطه ، ووصل بعضها إلى وجهي ، تسمرت نظراتي مشدوهة نحوه ، ككاميرا مكلفة بالتقاط كل حركة وهمسة يقوم بها . نظر إلي وأنا الصق جسدي بالجدار، أوشكت أن أغوص فيه ، رمقني بنظرة عابرة ، ثم أعقبها بابتسامة خاطفة، ومضى متوجهاً نحو غرفته ، حرارة الصيف كانت كفيلة بإذابة جليد وجهه العابس وإرخاء عضلاته المشدودة ، كما فردت جبينه المتجهم . تتبعت آثاره حتى أوصلتني إلى باب غرفته ، حسمت أمري ، وقررت أن اقتحم عليه عرينه ، لأخوض التجربة ، تحركت خطواتي بهدوء، كان باب الغرفة مواربا ، تلصصت من شقه المفتوح ، رايته أمامي ممدداً على سريره ، يرتدي بجامة زرقاء حاولت مراراً أن أسدلها على جسدي ، واشتم رائحته الساكنة على امتدادها ، لكن الحظ لم يحالفني. حشرت جسدي من شق الباب بحذر؛ حتى لا أحدث أي جلبة توقظه من نومه ، اقتربت منه بخطوات حذرة ، تسللت رائحة بزته العسكرية المنتصبة بشموخ قائد محنك ، دنوت منها ، دسست أنفي بين أطرافها المتدلية وعبأت رئتي برائحته ، قبلتها بصمت ، وبعمق مستميت ، لم أعلم حينها أن عينيه المغمضتين كانتا ترقب تحركاتي ، وترصد كل خطواتي بحس أمني. رغم تجلده وخشونته إلا أن معاملته لي توحي بأنه يحبني وأني أغلى ما يملك ، لكني لم أتلق منه يوما ً تصريحاً بذلك ، يعتقد أن البوح بحبه لي سيُفسدني ، أما أنا فقررت أن أصارحه بمكنون حبي له ، وولعي به ، وليكن ما كان. استجمعت شجاعتي الواهنة ، اقتربت منه وهو ممدد على ظهره ، يضع معصمه فوق عينيه المغمضتين ، وقد تعالى شخيره الذي احتال علي به ، وأوهمني بغرقه في بحر عذب من النوم اللذيذ. كان نصف وجهه ظاهراً ، أرنبة أنفه ، شاربيه الممتدين بفخامة والمتدليين حول شفتيه ، ذقنه المستقيم ، أما جسده المهاب فكان ساكناً بلا حراك ، بالقرب من سريره طاولة زجاجية ، تحوي متعلقاته الشخصية : محفظته.. قداحته وعلبة سجائره .. مفاتيح سيارته وأشياء أخرى ، يا لها من طاولة .. تثير غيظي ، فكلما اقتربت منها أصدرت صوتاً مزعجاً . انسلت أناملي نحوها بهدوء وحذر، وقعت على قداحته وعلبة سيجارته ، فتحتها.. أمعنت النظر إلى ما بداخلها .. ألصقتها بأنفي شممتها .. تناولت إحداها.. تفحصتها، بينما ذاكرتي تسترجع صورته ، وهو يؤدي مراسيم تدخينه خطوة.. خطوة. قررت أن اتبعها ، وأخوض التجربة التي ستجعلني حتما مثله.." فالكبار وحدهم من يحق لهم فعل ذلك" هكذا سمعته يوما يردد على مسامعي ، قربت السيجارة من فمي ، وقبل أن اجتاز خطوة إشعال القداحة ، امتدت يده نحوي ، أمسك بذراعي ورفعني عالياً ، وهو ممدد على ظهره ، وأن أطير بجسدي الضئيل فوق مستوى جسده ، ورنين قهقهاته تعزف موسيقاها لتطرب مسامعي . لأول مرة رأيت عينيه تضحكان حد البكاء، طرحني بالقرب منه.. احتضنني .. قبلني.. أرجحني على السرير، ثم ضمني إلى صدره بشده ، أنعشت مسامعي كلماته الواعظة وهو يداعبني تارة ، ويدغدغني تارة أخرى قائلاً : - أيها الأرعن الصغير لازال عودك غضا ًحتى تحرق رئتيك بهذا السم اللذيذ . وضعت رأسي على صدره ، سمعت أزيزاً يصدر منه ، رفعت نظري نحوه ، قبلته بين عينيه ، اعتدلت واثباً على ركبتي ، مددت ذراعي أقصى ما استطعت.. وبحت له بسذاجة محفوفة بالبراءة : - بابا أُحبك كثيراً .. كثيراً جداً بهههذا الحجم .. لأنك أنت لذيذ مثل الشيكولاه.