حكيم الجنوب: لولا ضغوط الرياض على الرئيس الزبيدي لتم طرد الشرعية من الجنوب    تصاعد الخلافات بين جماعة الحوثي وحزب المؤتمر والأخير يرفض التراجع عن هذا الاشتراط !    الحوثيون يرتمون في محرقة طور الباحة ويخسرون رهانهم الميداني    إجازة الصيف كابوس لأطفال عتمة: الحوثيون يُحوّلون مراكز الدورات الصيفية إلى معسكرات تجنيد    عيدروس الزبيدي يصدر قرارا عسكريا جديدا    في اليوم 215 لحرب الإبادة على غزة.. 34844 شهيدا و 78404 جريحا .. ومشاهد تدمي القلب من رفح    من فيتنام إلى غزة... حرب النخبة وغضب الطلبة    "لا مستقبل للتعليم تحت سيطرة الحوثيين": استقالة أكاديميين من جامعة الضالع تُنذر بموت الحلم.    خوسيلو يقلب الطاولة على ميونيخ ويقود الريال للقاء دورتموند    جريمة مروعة تهز مركز امتحاني في تعز: طالبتان تصابا برصاص مسلحين!    بعد وصوله اليوم بتأشيرة زيارة ... وافد يقتل والده داخل سكنه في مكة    العرادة يعرب عن أمله في أن تسفر الجهود الدولية بوقف الحرب الظالمة على غزة    سقوط نجم الجريمة في قبضة العدالة بمحافظة تعز!    قصر معاشيق على موعد مع كارثة ثقافية: أكاديمي يهدد بإحراق كتبه    قناتي العربية والحدث تعلق أعمالها في مأرب بعد تهديد رئيس إصلاح مأرب بقتل مراسلها    دوري ابطال اوروبا .. الريال إلى النهائي لمواجهة دورتموند    أحذروهم في عدن!.. المعركة الخطيرة يقودها أيتام عفاش وطلائع الإخوان    اختيار المحامية اليمنية معين العبيدي ضمن موسوعة الشخصيات النسائية العربية الرائدة مميز    مطالبات بمحاكمة قتلة مواطن في نقطة أمنية شمالي لحج    انفجار مخزن أسلحة في #مأرب يودي بحياة رجل وفتاة..    دورتموند الألماني يتأهل لنهائي أبطال أوروبا على حساب باريس سان جرمان الفرنسي    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة في مستشفى الشفاء بغزة وانتشال جثامين 49 شهيدا    حقيقة ما يجري في المنطقة الحرة عدن اليوم    تراجع احتياطيات النقد الأجنبي بالصين في أبريل الماضي    فريق شبام (أ) يتوج ببطولة الفقيد أحمد السقاف 3×3 لكرة السلة لأندية وادي حضرموت    الولايات المتحدة تخصص 220 مليون دولار للتمويل الإنساني في اليمن مميز    الوزير البكري: قرار مجلس الوزراء بشأن المدينة الرياضية تأكيد على الاهتمام الحكومي بالرياضة    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    الاتحاد الدولي للصحفيين يدين محاولة اغتيال نقيب الصحفيين اليمنيين مميز    مورينيو: لقد أخطات برفض البرتغال مقابل البقاء في روما    تستوردها المليشيات.. مبيدات إسرائيلية تفتك بأرواح اليمنيين    قمة حاسمة بين ريال مدريد وبايرن ميونخ فى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    لماذا تقمع الحكومة الأمريكية مظاهرات الطلبة ضد إسرائيل؟    عصابة معين لجان قهر الموظفين    استشهاد وإصابة 160 فلسطينيا جراء قصف مكثف على رفح خلال 24 ساعة    تحديث جديد لأسعار صرف العملات الأجنبية في اليمن    رغم إصابته بالزهايمر.. الزعيم ''عادل إمام'' يعود إلى الواجهة بقوة ويظهر في السعودية    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    نيمار يساهم في اغاثة المتضررين من الفيضانات في البرازيل    قصة غريبة وعجيبة...باع محله الذي يساوي الملايين ب15 الف ريال لشراء سيارة للقيام بهذا الامر بقلب صنعاء    وداعاً صديقي المناضل محسن بن فريد    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    فرقاطة إيطالية تصد هجوماً للحوثيين وتسقط طائرة مسيرة في خليج عدن مميز    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ العارف علي بن عبد الله باراس بين العلم والولاية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
يتبادر إلى أذهان الكثير حينما يسمع ذكر الشيخ العارف علي بن عبد الله باراس المولود سنة 1027ه والمتوفى سنة (1094ه) ببلاد الخريبة من وادي دوعن بحضرموت؛ أنه مجرد درويش وولي لا علاقة بينه وبين العلم الظاهر الذي يكتسب بالمطالعة والمدارسة للشيوخ والعلماء ؛ولكن الواقع مخالفا لذلك تماما، ومعرفة حقائق الرجال تفصح عنها مؤلفاتهم وتراجم من عرفهم من أهل التاريخ وكتّابه لا الاعتماد على تقولات العامة الغير مستندة إلى مراجع تؤيدها ..
وفي هذا المقال سأحاول تسليط الضوء على حياة الشيخ العارف علي باراس من زاوية العلم والمعرفة معا ؛ليعلم الجميع أن الشيخ تعلم العلوم وتضلع فيها وأثمر له العمل بها علوما ومعارفا انضافت إليها فزادتها حلاوة وصدقا وإشراقا..ساعده على ذلك صفا جوهره وحسن أدبه مع العلماء والأولياء..وصدق وجهته في العمل والتعلم والتعليم..
وقبل أن أخوض في بيان ذلك أريد أن أنبه إلى أن خلاصة هذه الدراسة التي تكشف لنا عن الخلفية العلمية والعملية التي تمتع بها هذا الشيخ ما هي إلا عبارة عن خلاصة قراءة متأنية لواحد من ألطف مؤلفاته وهو شرحه على قصيدة الإمام العارف شعيب أبو مدين المتوفى سنة (580ه) – رحمه الله تعالى – الموسوم (بالروضة الخضراء والدرة الزهراء بكشف معاني قصيدة ما لذة العيش إلا صحبة الفقراء)وهو من مطبوعات مركز النور للدراسات والأبحاث بمدينة تريم،اعتنى بتحقيقه كاتب السطور،تحت إشراف الأستاذ زيد بن عبدالرحمن بن يحي، وما هو إلا واحد من مؤلفاته الخمسة عشر التي أكبرها شرحاه على حكم ابن عطاء الله الكبير والصغير.
ولعل الممارس لكتب أهل المعرفة يعرف دقه عبائر ومفاهيم الحكم العطائية حتى أنه لا يتصدى لشرحها إلا أكابر العلماء ونبها العارفين وصفوة الأولياء..الذين باراس واحد منهم بلا شك..
وحينما شاهد شيخه عمر بن عبدالرحمن العطاس شرحه على الحكم العطائية اغتبط به وقال: (إن ((الحكم العطائية)) عذراء لم يفتضها إلا هذا الشرح).
وسألخص مضمون هذا المقال في أربعة محاور وهي كالتالي:
المحور الأول إشارت كتب التراجم إلى تلقيه لمختلف ا لعلوم :
عند قراءة كتاب ((الروضة الخضراء)) تصل إلى يقينية تضلع الشيخ علي باراس في الفقه واللغة والبيان وغيرها.. وهذا ما سنناقشه لاحقا ولكن هل صرح أحد من العلماء بأخذه لعلم الفقه أو علوم اللغة والبيان عن أحد من مشايخ الزمان؟
وهنا نقول لو لم تذكر كتب التاريخ من أكابر أشياخه إلا الإمام عمر بن عبد الرحمن العطاس المتوفى سنة (1077ه) لكفاه معلما وأستاذا في علم الفقه وعلم السلوك وغيره؛ إذ أنه عالم قد جمع لأشتات العلوم ومنها علم الفقه الذي وصل فيه إلى حد الاختيار بخلاف المعمول به في المذهب في عدد من المسائل بحجة ومنطق سليم ينم عن سعة مدركه وجودة فقهه، ومن ذلك ما نقله العلامة عبد الرحمن المشهور في كتاب (بغية المسترشدين) ص 127، حيث قال: (فائدة: سئل القاضي القطب سقاف بن محمد الصافي: هل يجوز إخراج زكاة التمر رطبا؟ فأجاب: المذهب لا يجوز إلا جافا منقى، لكن إذا اضطر الفقراء جازت رطبا دفعا لضررهم؛ لأن مدارها على نفع المستحقين والخروج من رذيلة البخل) اه.
وقال في (القرطاس في مناقب القطب عمر العطاس): (وبلغنا عنه أي صاحب المناقب المذكور أنه أمر بإخراج زكاة الخريف قبل أن يجف، فقيل له: إن أهل العلم يقولون إنه لا يصح حتى يجف، فقال: هم رجال ونحن رجال، اسألوا الفقراء أيهما أحب إليهم الرطب أم الجاف؟ فقبل منه وعمل به أهل الجهة الجميع).
وجميع من ترجم للشيخ علي بن عبد الله باراس – رحمه الله تعالى – أثبتوا في أوائل شيوخه الإمام عمر بن عبد الرحمن العطاس – رحمه الله تعالى – وأنه قرأ عليه كتاب (بداية الهداية) للإمام الغزالي.
أقول:وهذا لا يعني أنه لم يقرأ عليه غيره من الكتب أو لم يحضر عليه تدريسه لبعض الكتب الأخرى، وقد أثبت العلامة علي بن حسن العطاس في ترجمته لباراس أنه حفظ القرآن الكريم كاملا ببلاد حريضه وعرضه على شيخه الإمام عمر بن عبد الرحمن العطاس رحم الله الجميع.
وأما ما جاء من أنه فتح عليه بمجرد قراءة (بداية الهداية) ( ) فهذا لا يمنع أنه بقي يتلقى العلوم زمنا طويلا بعد ذلك فالفتح ليس من معانيه الاستغناء عن العلم ومقاطعة مجالسه،ونقولات العلامة علي باراس من كتب العلم المختلفة تؤيد اطلاعه على العديد من العلوم ومشاركته فيها.
وقد ذكر العلامة علي بن حسن العطاس – رحمه الله تعالى – في ترجمته التي خصصها عن حياة الشيخ علي باراس – رحمه الله تعالى – وهي لا تزال مخطوطة توجد منها نسخة مصورة بمركز النور للدراسات والأبحاث بتريم أنه أخذ عن الشيخين الفقيهين محمد بن سليمان باحويرث وأحمد بن علي بابحير رحمهما الله تعالى وهما من مشاهير فقهاء القرن الحادي عشر حتى أن العلامة الفقيه القاضي طه بن عمر السقاف المتوفى سنة (1063ه) قد نقل عن الأول منهما في أكثر من خمس وعشرين موضعا من كتابه (المجموع لمهمات المسائل والفروع) وأضاف إلى علم الفقه علم اللغة حيث نص العلامة علي بن حسن العطاس – رحمه الله تعالى – على أخذه لعلم اللغة أيضا عن الشيخ محمد بن سليمان باحويرث وأنه كان يعرض عليه مؤلفاته ليلاحظ عليها من جهة اللغة فيجريها على قانون محمود، هذا بالإضافة إلى أنه قد خرج إلى تريم مرارا وجالس أهل العلم بها وسافر إلى الحجاز ولقي بها من لقي من أكابر العلماء، فقضية قراءته للعلوم العديدة مقطوع بها نقليا ومنطقيا.
المحور الثاني:الخلفية الفقهية عند الشيخ علي باراس من خلال كتاب ((الروضة الخضراء)) :
مع أن كتاب ((الروضة الخضراء)) كتاب خاص بالسلوك إلا أنه لم يخل عن عبارات الفقهاء ومسائلهم ومن ذلك قوله عند شرحه لبيت أبي مدين الذي يقول:
ولازم الصمت إلا أن سئلت فقل لا علم عندي وكن بالجهل مستترا
فقال في (ص 77): (ولزوم الصمت ملاك دين الشخص في سائر الأحوال، إلا في حال طلب فيه الكلام كالكلام بالواجبات والمندوبات وسائر المستحسنات، والنهي عن المحرمات بل والمكروهات، فإن النطق فيها عند اجتماع شرائط الأمر والنهي واجب في الواجب، ومستحب في المسنون والمكروه وما هو من الضرورات).
فأنت تلاحظ من خلال هذا النص الخلفية الفقهية التي يتمتع بها هذا الإمام حتى ولكأنه يُسأل متى يكون الصمت حسنا ومتى لا يكون كذلك؟ فيجيب كفقيه بما أوردناه مراعيا لشروط وقيود الفقهاء في قوله: عند اجتماع شرائط الأمر والنهي، فهولم يطلق العبارة بل خصصها بقيود (اجتماع الشروط)وهذه القيود لا يذكرها إلا المتمكن من قواعد الفقه الممارس لكتبه وعباراته.
ونراه يلخص الإجابة السابقة بقوله في موطن آخر من الكتاب نفسه فيقول: (والصمت محمود في جميع أحوال الإنسان إلا من الخير المحض) فهذه عبارة جامعة مانعة يلاحظ من خلالها لف الفقهاء للعبائر تارة ونشرها تارة.
هذا بالإضافة إلى استخدامه كلمة النصاب في أكثر من موضع من كتابه المذكور ومعلوم أن لغة علم السلوك المحض تبتعد عن عبائر الفقهاء واصطلاحاتهم إلا من عجن منهم الفقه بلحمه ودمه فتراه تخلص منه كلمات الفقه التي ألفها تلقائيا فيسطرها ضمن كتابه وإن كان يتكلم في السلوك المحض وهنا نجد الشيخ يقول في موضع آخر من ((الروضة الخضراء))(ص65 ): (والاستعداد على قدر ما قسم من الحظوظ الخفية، والأنصباء القربية) والنصاب لفظة فقهية تستخدم في كثير من أبواب الفقه كالزكاة والمواريث.
ومما يقطع بأخذه للعلوم ولا سيما علم الفقه ما ذكره السيد العلامة عبدالله بن علوي العطاس حيث قال: أن الشيخ العارف عبد الله بن عمر باعُباد الدوعني صاحب الدوفة، قرأ على الشيخ علي باراس كتاب (الإرشاد) لابن المقرئ في الفقه، ثم أمره شيخه السيد عمر بن عبدالرحمن العطاس بأن يُقرئه في كتاب (المنهاج) للإمام النووي لأن مؤلفه فقيه وقطب وعباراته أحرى بالفتح فامتثل لذلك وفُتح على باعُباد بعد ذلك( ).
فهذا النص واضح في تأهل الشيخ علي باراس لتعليم الفقه في كبار متون كتب المذهب الشافعي التي لا بد لها من القراءة على الشيوخ.
وبالجملة فهذه ومضات سريعة تدرك بها الخلفية الفقيهة عند هذا الإمام ولو استرسلنا في استقصائها لطال المقام.
المحور الثالث: الجانب اللغوي عند الشيخ علي باراس من خلال كتاب (الروضة الخضراء):
إذا طالع منصف لكتاب (الروضة الخضراء) يجزم بأنه حلة من أبها حلل الأدب بيانا وسجعا وتشابيها وسلاسة ألفاظ وهاهنا نقف على صور حية للخلفية اللغوية عند هذا الإمام فنأخذ مثالا على البيان والأدب وروعة العبارة قوله: عند تعريفه للفقراء فقال في روضته (ص68): (فالفقراء المشار إليهم هم المتلاشون بلمعان أنوار الذات المتمكنين من حقائق الأسماء والصفات، لهم في كل موطن من مواطن الطريق، وعلم من علوم التحقيق القدم الراسخ، لا يحجبهم فرق عن جمع، ولا جمع عن فرق، ولا حق عن خلق ،ولا خلق عن حق ،فهم أعرف الرجال بأنساب الحقائق، وأوثق الخلق بحفظ الأحوال ومعرفة الطرائق، وأقوم الرجال لمعالم الشرائع، وأبعد الخلق عن الطامات والخوارق، وبصحبة هؤلاء لا محالة يستقيم حال المصحوب، وتهب نفحات القرب من المحبوب، الذي هو نهاية الأرب والمطلوب، فيعيش العيشة الراضية ويتنزه في رياض النعم السامية).
فقل لي بربك أهذه عبارة يثمرها العلم أم الجهل؟!
ومنها إشارته إلى العهد الذهني في (ص 6768) وهو من مصطلحات النحاة حيث قال: (ما المستلذ من العيش المعهود عن المحققين إلا صحبة الفقراء، وهم المعروفون بالعهد الذهني، وهم الغائبين عن شهودهم الباقين بوجود سيدهم).
ومنها استحضاره لمعاني الاصطلاحات لغويا فتراه لا يغادر في كتابه مصطلحا إلا ويعرف معناه في اللغة أولا ،وفي اصطلاح علماء السلوك ثانيا، فنراه يعرف المصطلحات تعريفا صحيحا موافقا لما في كتب اللغة من حيث مضمونه لا من حيث حروفه، فنراه يبتكر من التعاريف ما يوافق اللغة من غير نقل حرفي لما قاله علماء اللغة في قواميسهم لكنه لا يخرج عما قالوه ،وهذا يدل على أنه يتمتع بملكة لغوية أكسبته إياها الممارسة للكتب العربية وصفاء القريحة والفطرة السوية، فنراه يقول مثلا في مواطن متفرقة من الكتاب المذكور سلفا مثل (ص109) التي قال فيها: (فالسجية هي الغريزة والفطرة والعريكة) ،وحينما نقارن ماذكره بما في المعجم الوسيط (ص 418)، نجده لم يخرج عن هذا التعريف،حيث قال : (السجية الطبيعة والخلق ( جمع) سجايا).
ونجده يقول في(ص110) معلقا على بيت أبي مدين شعيب الذي قال فيه:
يهدي التصوف من أخلاقهم طرفا حسن التآلف منهم راقني نظرا
قال: (طرفا جمع طرفه وهي :كل لطيف حسن يسمى طرفا)، وحينما نقارنه بما في (المصباح المنير ص 222) نجده يقول: والطرفة ما يستملح والجمع طرف مثل غرفة وغُرَّف، ويقول في (القاموس) مادة طرف (ص 1074): يقال امرأة طِرفُ الحديث: أي حسنته بحيث يستطرفه من سمعه.
هذا بالإضافة إلى استخدامه للكثير من المفردات النادرة التي لا يثمرها إلا إدمان المطالعة مثل (السجف) كما في (ص63) حيث قال: (فتمكنوا من نواحي المعاني، وظهرت الكلمات من وراء أسجاف الأواني) ،ولفظة (النمط) في قوله(ص65 ): (فمن صحب الله على هذا النمط استغرقته لا محالة أنوار المعية الخاصة) ولفظة (القعسرية) في قوله(ص69): (فثبتت لهم السلطنة القعسرية والرياسة الشامخة والعزة السرمدية) ،وعندما تنظر في القاموس(ص597) تجده يقول: القَعْسَرُ : القَديمُ، فبان أن معنى (السلطنة القعسرية) في الجملة (السلطنة القديمة).
إلى غير ذلك من دقيق الألفاظ التي تؤكد من غير ما شك مطالعته لعلوم كثيرة.
ويضاف إلى جميع ما تقدم وصوله إلى مقام تقعيد القواعد وتأصيلها، ومن ذلك تقعيده لصفات الشيخ الكامل كما في (ص108)حيث ذهب رحمه الله تعالى إلى أن الشيخ المتأهل للتربية والتسليك هو من كملت فيه خمس خصال:
1. علم صحيح على قواعد الكتاب والسنة.
2. ذوق فيما علمه صريح من غير أن تخالطه شبهة ولا شك.
3. همة عالية عن ما سوى الله.
4. بصيرة نافذة تخترق العوالم، وتخرق العوائد،وتخترق غيب الملكوت، وتشاهد مظاهر الجبروت.
أقول: ويشير بقوله هذا إلى مقام الفراسة المشار إليها بحديث الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام:(اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ { إن في ذلك لآيات للمتوسمين }) وهو وصول الشيخ إلى حال المشاهدة واليقين التام المعبر عنه بحال الصحابي الجليل الحارث بن مالك الأنصاري رضي الله عنه حيث روى الحافظ ابن حجر عنه في الإصابة مانصه ): أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: يا حارث بن مالك كيف أصبحت؟ قال: أصبحت مؤمنا حقا، قال: إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ قال عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أسمع عواء أهل النار فقال مؤمن نور الله قلبه).
5. شيم مرضية يقرّب بها من يدعي الحق من الخلق.
المحور الرابع: الأسلوب المتميز في العرض والتأليف:
حينما نتأمل كتاب (الروضة الخضراء) نلمس التفرد في عديد من الجوانب في فن التأليف ،والتي منها روعة السبك ودقة العبارة، وهذا ما نلمسه في قوله عند تعريفه للتواضع(ص82): (التواضع: هو أن تعرف ما أنت عليه وما هو لازم طبيعتك مما أنت عليه من قبائح الذنوب وفضيعات العيوب) فتلاحظ الدقة والروعة والتميز والتفرد والإبداع في إبراز تعريف جامع للتواضع يكشف حقيقته ويبين أصله وهذا يدل على الخلفية الفكرية الابتكارية الرائعة التي يتمتع بها هذا الإمام.
ومنها إيراد الحكمة الدقيقة المنبهة على أمور لو تكلم عنها لطال الكلام في شرحها وبيانها فيوجز ذلك بحكمة من اختراعه فيقول مثلا عند حديثه عن الصمت وفضيلته(ص77و78): (لا أعون على الأدب من الصمت)، (الصمت سلامة من الخطأ وأبعد من الندامة) ((لزوم الصمت ملاك دين الشخص في سائر الأحوال) فتأمل هذه الحكم تدرك سر الإلهام لعباد الله الصالحين المعبر عنه بعبائر أهل العلم وملفوظاتهم في دقة ورصانة وانسجام.
وحينما نتتبع كلامه عن قيمة الوقت نجده يسترسل في ذلك ثم يلخصه في حكمة جامعة فيقول(ص 74): (الوقت أشرف ما يبذله المريد في طلب المزيد) فكأنه يقول :من طلب المعرفة مثلا فما عليه إلا أن يبذل الوقت في تعلمها فإنه سيزداد منها على قدر ما بذله في تحصيلها، وكل أمر تبذل فيه وقتك يثمر لك الزيادة منه والتوسع فيه، وهذا كلام في غاية النفاسة.
وتكلم عن البطالة والكسل والملل ثم لخص كلامه بحكمة رائعة قال فيها(ص 98): (التضجر والملل دأب أهل البطالة والعلل، والدأب على الاجتهاد صفة أهل الوداد والجهابذة الأمجاد).
ومما تفرد به أيضا التلخيص المنظوم لكلامه فهو قلما يتكلم عن مسألة أو خلق إلا ويضمنه في أبيات من شعره وهو أقرب للمعارضة لكلام أبي مدين رحمه الله تعالى والملخص لشرحه على الأبيات ومن ذلك معارضته لقول أبي مدين – رحمه الله تعالى:
واستغنم الوقت واحضر دائما معهم واعلم بأن الرضى يختص من حضرا
فقال الشيخ علي باراس – رحمه الله تعالى- بعد شرحه للبيت المذكور(ص76): ((ولي في ذلك شعرا وقال:
الوَقْتُ سَوْقٌ لأَرْبَاحِ الرِّجَالِ فَمَا
يُسْتَكْسَبُ القُرْبُ إِلّا فِيْهِ فَابْتَدِرَا
فَاحْضُرْ لَدَيْهِمْ لَعَلّكَ أَنْ تَنَالَ لمَا
تَرْجُو فَكَمْ مِنْ بَلِيدٍ بِالحُضُورِ دَرَا
وَاغْرِسْ أَشْجَارَ تَوْحِيدِ الإِلَهِ فَمَا
يُجْنَى سِوَى كُلِّ مَا يُغْرَسْ وَمَا بُذِرَا
وقلما يمر ببيت إلا ويقابله بأبيات تفصله وتشرحه وهذه ميزة تفرد به القلة من العلماء ورجال التصوف النبهاء.
ومن تفرداته و تميزاته في فن التأليف حسن العرض ووحدة الفكرة فهو لاينتقل من شرح بيت إلا بعد أن يربطه بما قبله في الفكرة والموضوع ، ومن ذلك أيضا تلخيصه لمحتوى جميع الكتاب في خاتمته، وهذا يدل على تمكن الشيخ في فن التأليف ولكأنه مطلع على قواعد ومنهجيات كتابة البحوث على أحدث أساليبها فيجعل خاتمة جامعة لمحتوى كتابه يضمنها أبرز نقاطه ونتائجه،؟ وهذا إن دل فإنما يدل على كثرة مطالعته لكتب العلم التي استفاد منها هذه الخبرة والتمرس، ويدل على أنه عالم مطالع خبير بمسالك الكتابة والتأليف.
وختاما أقول أننا لا نشك في ولاية الشيخ علي باراس – رحمه الله تعالى – ولكنه ليس بالولي المتجرد عن العلم بل ولي وعالم في وقت واحد.. لا كما يظنه البعض بسبب عدم الاطلاع على مؤلفات هذا الإمام وتتبع مراحل حياته في كتب التاريخ والتراجم.
وعلى كل حال فما كتبته هنا على وجه العجلة والسرعة ما هو إلا إطلالة لطيفة من خلال قراءة مؤلف واحد من مؤلفات الشيخ علي بن عبد الله باراس – رحمه الله تعالى – وهو (الروضة الخضراء والدرة الزهراء في كشف معاني ما لذة العيش إلا صحبة الفقراء) والله تعالى اسأل التوفيق في عرض هذه الحقيقة المخفية وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.