ما إن أعلن عدد من أبناء المحافظات الشرقية في مؤتمر الحوار الوطني عن تشكيل «الإقليم الشرقي»، حتى ثار حوله الكثير من الجدل السياسي والإعلامي. كان أول من استشعر الخطورة هو قيادات الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال، وهو ما بدا واضحا من تصريحات بعض قياداته، سواء المشاركين في مؤتمر الحوار أو الرافضين له، فالملاحظ أن الموقف من الإعلان عن إقليم في حضرموت والمهرة وسقطرى منفصلا عن بقية المحافظات الجنوبية يعني حرمان هذه المحافظات من ثروات الإقليم المفترض، وبالتالي شعر بعضهم أن جهودهم التي يسعون من خلالها لفصل جنوب اليمن عن شماله تفقد جدواها في حال باتت مناطق الثروة النفطية بعيدا عن متناول أيديهم. وما لا يمكن إغفاله أن موضوع الإقليم الشرقي لم يمر مرور الكرام على فصائل الحراك الجنوبي، خاصة تلك المشاركة في الحوار، إذ كشفت في أكثر من موقف عن العداء للمشروع باعتباره مؤامرة تخطط لها قوى خارجية وتنفذها أياد جنوبية، كما ذهب إلى ذلك صراحة القيادي أحمد القنع، أحد قيادات «مؤتمر شعب الجنوب»، في حوار صحفي نشرته صحيفة الأمناء الأسبوع الماضي. المراقب لما يجري في أروقة الحوار بمراحله الأخيرة، خصوصا ما يتعلق بفريق القضية الجنوبية سيجد أن الخلاف الرئيس الذي غادر بسببه محمد علي أحمد وفصيله قاعة مؤتمر الحوار يتركز حول عدد الأقاليم، إذ صرح أكثر من طرف وأكثر من مكون إن النقاش الحالي يدور حول إقليمين أو خمسة أقاليم، وفيما يستميت «بن علي» في الدفاع عن الإقليمين، تتوافق مكونات أخرى على خمسة أقاليم. الغريب أن الفريق الذي يقوده بن علي ويمثل الحراك في مؤتمر الحوار كلما حضر الحديث عن الوحدة والانفصال ظلوا يطرحون إن الوحدة ليست مقدسة، وحينما بدأ الحديث عن أقاليم في الجنوب اليمني، كالإقليم الشرقي صاروا يطرحون إن وحدة الجنوب لا يمكن النقاش حولها. وهو ما يجعل دعاة الإقليم الشرقي يستندون إلى كون الوحدة في الحالتين ليست مقدسة، فلا الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب مقدسة، ولا وحدة المحافظات الجنوبية مع المحافظات الشرقية مقدسة أيضا. مثل هذا الطرح الذي بدا أنه حظي بقبول شريحة واسعة من ممثلي مناطق الإقليم الشرقي في مؤتمر الحوار، أثار غضب الحراك الجنوبي داخل مؤتمر الحوار وخارجه على حد سواء، ما جعل دعاة الإقليم ينالون حظا وافرا من الاتهامات بالعمالة والتبعية وغيرها. وكلما بدا أن دائرة التأييد والمساندة تتوسع لصالح الإقليم تركزت سهام الاستهداف حولهم بشكل أكبر، وزادت بالتالي نبرة الغضب والتبرم من مؤتمر الحوار الذي خرجت هذه الدعوات من تحت مظلته. وحين يرسل فصيل بن علي أكثر من رسالة لأكثر من طرف في الوقت نفسه، ويضع فيها شروطا ومطالب يرى أنه لابد من تنفيذها لاستمرار مشاركته في الحوار، فإن البعض يخلص إلى أن موضوع الإقليم الشرقي شكل عامل قلق وأربك حسابات هذا الفصيل بالقدر الذي يتساوى فيه مع ما يشكله الفصيل ذاته من عوامل قلق وإرباك للمشهد السياسي بشكل عام ومؤتمر الحوار بشكل خاص. ومع أن الحديث عن أقاليم متعددة في الجنوب والشمال لا يعني بالضرورة اعتبار الإقليم الشرقي واحدا من تلك الأقاليم وبالصيغة التي أعلن عنها أصحابها، إلا أن التوقيت الذي صاحب الإعلان عنه والدعم الذي حظي به بعد مرور أيام قليلة فقط على هذا الإعلان، كان من شأنه أن يضاعف من قلق الخصوم ويزيد من ارتباكهم. وحين يظهر دعاة الإقليم الشرقي خلال فترة وجيزة مع سفراء دول لها نفوذها الواسع وتأثيرها الملموس سواء في القرار اليمني أو في المحيط الإقليمي والدولي، تتزايد مؤشرات الجدية والخطورة في آن واحد. وإذا كان دعاة الانفصال يبشرون بالجنة الموعودة في حال أعيدت المحافظات الجنوبية والشرقية إلى ما قبل عام 1990م، فإن من أبناء المحافظات الشرقية من يخشى من عودة التبعية للفصائل التي تمكنت من إحكام قبضتها على مقاليد الحكم، بمعنى أنهم لم يعودوا مستعدين لإبقاء مناطقهم مجرد تابع للمركز، ولهم تجارب مريرة مع هذه المراكز، عدن منذ الاستقلال حتى الوحدة، وصنعاء منذ الوحدة حتى اليوم. بين المبررات والمخاوف دعاة الإقليم الشرقي لا يكفون عن طمأنة الجميع أن إنشاء هذا الإقليم سيكون في صالح اليمنيين في الشمال والجنوب، ويطرحون في الغالب مبررات هي في معظمها مؤيدة لما يدعون إليه دون أن يرتكز طرحهم على نبرة استعلاء عنصري أو استعداء مناطقي مع الآخرين. مصادر إعلامية تابعة للحراك أبدت خشيتها من مؤشرات حصول الإقليم الشرقي على دعم خارجي بعد الكشف عن تحمس أطراف إقليمية ودولية للمشروع، خصوصا بعد سلسلة لقاءات أجريت للتعريف بالمشروع الذي قالت المصادر نفسها إنه لاقى ترحيبا واسعا لدى الأوساط الشعبية في المحافظات التي يتشكل منها الإقليم. وكان أعضاء لجنة المتابعة في الإقليم الشرقي التقوا مطلع الشهر الماضي بالسفير السعودي في صنعاء في سياق ما وصفته ب»جهود اللجنة وممثلي المحافظات الشرقية في حشد الدعم المحلي والإقليمي لقيام الإقليم الشرقي». وأبلغوا السفير السعودي إن الإقليم «سيكون عامل أمن واستقرار لليمن والمنطقة برمتها». رفض الإقصاء أنصار الإقليم الشرقي في مؤتمر الحوار يتجاوز عددهم ال»50» عضوا من إجمالي 75 عضوا يمثلون جميع ممثلي المحافظات الشرقية التي يتوقع أن يتشكل منها الإقليم، وبالتالي فهم يرون أنه لا ينبغي لأحد أن يمارس بحقهم أي شكل من أشكال الوصاية أو الإقصاء. من بين أعضاء مؤتمر الحوار المؤيدين للإقليم من يرى أن ثمة إقصاء مبكر حصل بحق أبناء المحافظات الشرقية فيما يتعلق بعدد أعضاء الحوار. يقول الدكتور متعب بازياد: من بين 282 مقعدا جنوبيا في مؤتمر الحوار، هناك 75 فقط من أبناء محافظات الإقليم الشرقي، بينما هذه المناطق تمثل أكثر من ثلثي مساحة الجنوب، وأكثر من 80% من ثروة الجنوب، وأكثر من نصف سكان الجنوب». وإزاء ذلك فإن بازياد في تصريحات صحافية لم يخف خشيته من مواصلة بعض القوى ممارسة الإقصاء، ويقول إن مؤتمر شعب الجنوب والقوى الحاكمة سابقا في الشمال والجنوب، إضافة للقوى التي يرى أن لها تطلعات للعودة لحكم الجنوب «همشت مناطق حضرموت وشبوة والمهرة، وكانت تدخل في صراعات على السلطة وظل أبناء هذه المناطق في الهامش دائما»، ويستدل على ذلك بهجرة عدد كبير من أبناء المحافظات الشرقية خصوصا محافظة حضرموت إلى الخارج بسبب الإقصاء. ويستنتج بازياد أن مواطني هذه المحافظات يريدون دولة نظام وقانون، ومشاركة في السلطة والثروة وإدارة التنمية والموارد الطبيعية في مناطقهم، بمعنى أنهم يريدون أن يمتلكوا قرارهم بأنفسهم لأنهم همشوا كثيرا من الجنوب سابقا ومن الشمال لاحقا -حسب رأيه. نقلاً عن الأهالي نت