بدأت القضية الحضرمية والتي تتبنى العصبة الحضرمية طرحها وتسعى الى حلها ومعالجتها سلمياً بالعدل والانصاف منذ استقلال ماسمى باليمنالجنوبية في 30نوفمبر1967م,وبصورة أدق بما سبقه من هيمنة وسيطرة للجبهة القومية لتحرير الجنوباليمني المحتل على شؤون حضرموت ساحلاً ووادياً في سبتمبر واكتوبر من العام ذاته,مما ادى الى جرها وضمها بالقوة المسلحة ضمن المشروع الوحدوي اليمني وفي غياب تام لارادة الحضارمة ,ولم يكن لهم مشاركة أو خيار فيما جرى,فيما عدا قلة من الحضارمة شاركوا في هذا المشروع اليمني هم اليوم في حالة تنصل منه وندم لما اقدوا عليه. وهذا مااشار اليه الاستاذ علي سالم البيض في رسالته المنشورة والموجهة الى مجلس الامن بالاممالمتحدة في اكتوبر من عام 2014م,وحيث قال بالنص (في 30 نوفمبر 1967 تم الاعلان عن استقلال الجنوب وتم حينها استبدال هوية (الجنوب العربي) بهوية اليمنالجنوبية …………………… ودون استفتاء شعب الجنوب حول هويته) . وهذا يعني ان ماحدث في 30نوفمبر 1967 كان خطأ ترتبت عليه كوارث ومصائب عظمى على الجنوب وعلى حضرموت .وقد اوضحنا رؤيتنا في هذا الخطأ في مقالة سابقة نشرناها في 15 اكتوبر 2014م في موقعي احقاف اليوم وحضارم نت تحت عنوان (رسالة البيض الى الاممالمتحدة:رؤية جديدة وعقلانية تنقصها الروح الحضرمية). وعلى ما تقدم فان القضية الحضرمية والتي بدأت من 30 نوفمبر 1967 تعد أطول عمراً من القضية الجنوبية والتي يطرحها قادة الحراك الجنوبي ومنظريهم وعناصرهم وهم يرون ان هذه القضية الجنوبية قد بدأت في السابع من يوليو 1994م حينما سيطرت قوات صنعاء على مدينة عدن. ربما لانهم لو أعتبروا ان القضية الجنوبية بدأت من 30 نوفمبر 1967 فلن يعطي ذلك شرعية لكثير من قادة الحراك الجنوبي وهم الذين ساهموا في صنع مأساة الجنوبيين ومأساة الحضارمة. ومنذ ذلك التاريخ اي 30 نوفبر 1967م وشعب حضرموت يعاني الامرين من قسوة الحال والمآل، ومن تقلب الحكام الطغاة عليه من جنوبيين قوميين واشتراكيين الى يمنيين مؤتمريين واصلاحيين واخيراً حوثيين، ولا ندري من سيأتي بهم الغد إذا بقي حالنا هكذا. ورغم كل ذلك تظل القضية الحضرمية حاضرة ومتجذرة في وعي الانسان الحضرمي في موطنه ومهجره وفي عقله وقلبه ووجدانه وجوانحه حتى مع ذلك الحضرمي الذي ينطق لسانه وتشئ افعاله بغير ما في قلبه ووعيه، لانها قضية حق لاتموت بتقادم الزمن، ولان لها عنوان وهوية وخارطة طريق. كما ان لها رجال وشباب يدافعون عنها ويسعون بصدق الى تحقيق مطالبها المشروعة بعون المولى عز وجل. وما شباب ورجال العصبة الحضرمية وانصارها الا بعضاً من شباب ورجال كثر في حضرموت الوطن وفي المهجر والذين يسعون بجد واجتهاد للدفاع عن قضيتهم الحضرميه، ويبذلون ما يستطيعون لتحقيق ما تصبو اليه حضرموت من عزة وكرامة ورقي بتوفيق من الله تبارك وتعالى. وقضيتنا الحضرمية لاتختلف عن قضايا الشعوب المظلومة المطالبة بحقوقها وإرادتها المستقلة حتى وان طال عليها الزمن. بل اننا نجد اليوم دولاً مستقلة ومستقرة تفتح ملفات الماضي فيما حدث فيها من ظلم وطغيان واستبداد وانتهاك لحقوق الانسان مضى عليها عقوداً من الزمن. وها هي تونس اليوم تفتح هذه الملفات السوداء ولفترة تمتد الى عام 1955م أي قبل استقلالها وما جرى حينها من اغتيالات طالت وطنييها ومنهم الزعيم النقابي فرحات حشاد وغيره من الوطنيين آنذاك. وكذلك فعلت قبلها دولة جنوب افريقيا وبنغلادش واثيوبيا والمملكة المغربية وغيرها من الدول التي تسعى الى السير على هذا الطريق القويم الذي يؤدي الى (التصالح والتسامح ورد الاعتبار والحقوق لمن ظلم). اما مقولة التصالح والتسامح وكفى فمهما كانت مبرراتها ودوافعها فلاقيمة لها اخلاقياً أو معنوياً، بل ولا فائدة عملية ترتجى منها، لانه لايمكن لشرائح أو مجموعة افراد في المجتمع المساهمة في تنميته والنهوض به والتطلع الى مستقبل آمن ومستقر وهي لاتزال موصومة بانها عميلة او خائنة او ثورة مضادة وبالجملة مدانة من طغمة أو زمرة او حفنة من القادة يجيدون فن مص الدماء والقتل والتعذيب والتنكيل بمن يقع تحت قبضتهم. وانطلاقاً مما تقدم فان قضيتنا الحضرمية واهمها حق تقرير المصير لشعب حضرموت وفي الاختيار الحرفي نظام الحكم الذي يقبله ويرتضيه على اراضيةلم تعد سراً ولامجالاً للمزايدة او المتاجرة او التشكيك. ومن يكن منصفاً وعادلاً مع نفسه اولاً سيكون بطبيعة الحال منصفاً وعادلاً مع قضية هذا الشعب الحضرمي المظلوم منذ نصف قرن مضى، وهي قضية كما قلنا لم تمت وان قمعت وقطعت ألسنة المطالبين بها وبددت طاقتهم على ايدي الجلادين والطغاة الذين حكموا حضرموت منذ عام 1967 وما بعده. واليوم فاننا نجد ان حضارمة الوطن والمهجر في كل اصقاع الدنيا اخذوا يطرحون قضية حضرموت وهويتها وتاريخها ومستقبلها بشكل أو آخر، وكل بحسب اجتهاده ومقدرته، وفي نواحٍ شتى منها السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والاعلامية والتنويرية والثقافية والتنموية بوجه عام. وكل ذلك وبعون الله تعالى يصب في صالح القضية الحضرمية وآثاره ايجابية بمشيئة الرحمن, طال الزمن بها او قصر. ومنذ ان حلت النكبة العظمى على حضرموت وشعبها في 30نوفمبر 1967م والمملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وشعباً تدرك بجلاء ووضوح عمق المعاناة التي تعرض لها شعب حضرموت,فقدمت لهم حينها _ بل ومن قبلها _ تسهيلات ملموسة من حيث الاقامة والاستقرار والعيش الكريم,بل والاندماج الفعلي في المجتمع السعودي من خلال التعامل الحسن والمصاهرات العائلية حتى انه اصبح من الصعب التمييز بين الحضرمي والسعودي الا من خلال جواز السفر او بطاقة الاقامة .كما ان الحضارمة قد قابلوا الاحسان بالاحسان والاحترام بالاحترام والمحبة بالمحبة والتعامل الحسن بمثله ولم ينجرفوا او ينساقوا الى الباطل وما يغضب الله عز وجل ويسئ الى قيمهم واخلاقياتهم الدينية والاجتماعية والحضارية المعروفة عنهم.وظلت ومازالت المملكة العربية السعودية بقيادتها وشعبها تنظر الى الحضارمة في مجتمعها من مقيمين او متجنسين بل والى الحضارمة بوجه عام في وطنهم الحضرمي وفي كافة المهاجر نظرة تسودها الاحترام والتقدير .كما ان حضارمة الوطن الحضرمي ينظرون الى الشقيقة والجارة الكبرى لهم وبالحدود البرية الطويلة المشتركة بينهما والعلاقات الاجتماعية الحسنة واواصر القربى التي تجمعهما باعتبارها بعد الله عز وجل ملجأ آمناً ومعيناً لحل الازمات التي تحيق بهم بين حين وآخر. وكلنا نعلم انه بعد حدوث الكارثة والمغفور له العظمى في 30 نوفمبر 1967م ظلت المملكة العربية السعودية وفي ظل ملكها الراحل باذن الله تعالى فيصل بن عبدالعزيز رافضة لاي اعتراف رسمي بما جرى في حضرموت,ولم تعترف الحكومة السعودية بما سمي حينها بجمهورية اليمنالجنوبية الشعبية.واستمر ذلك الموقف السعودي الى سنة 1978م اي بعد مرور احدى عشرة سنة على ماسمى باستقلال 1967م.وهذه مسألة موثقة ويرجع اليها من يشاء.وحتى بعد اعتراف الحكومة السعودية بنظام اليمنالجنوبية والذي كان متجاوباً مع اجواء وظروف التصالح العربي آنذاك في مواجهة التحديات الكبرى القادمة من السوفييت وغيرهم على امة العرب والمسلمين وقد أوجد لهم هذا النظام موطن قدم ثابتة في عدن, ومع ذلك ظلت المملكة العربية السعودية تؤكد على هوية الحضارمة في بطاقات الاقامة .وظل ذلك معمولاً به ردحاً من الزمن حتى غيّر قبل اعلان وحدة نظامي عدنوصنعاء في عام1990م بسنوات قليلة واستبدلت هوية الاقامة من حضرمي الى جنوبي .وذلك لمقتضيات الحال وواقع الامر .وحتى عندما اصّر الاستاذ علي سالم البيض ومعه الاغلبية العظمى من اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية في الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم حينها في عدن على الدخول في مغامرة الوحدة الاندماجية المشؤومة مع نظام صنعاء كان للمملكة العربية السعودية موقفاً ناصحاً وواضحاً من انه لاينبغي التعجل في الاقدام على هذه الوحدة بل لابد من دراسة الامر بتؤدة وتبصر لمعرفة الفائدة والمنفعة الحقيقية المرتجاه منها لسكان الدولتين ,ولتجنب اية تداعيات خطيرة قد تحدث عنها ,بل وقيل ان المملكة العربية السعودية طرحت امكانية مساعدة اليمنالجنوبية اقتصادياً ان كان الدافع الى الوحدة الاندماجية هذه هو الوضع الاقتصادي البائس الذي وصلت اليه حكومة عدن بعد توالي الصراعات والخراب والتدمير الذي قامت به اجنحة الحزب الاشتراكي بين حين وآخر.ولو اخذت الرؤية السعودية هذه في حينها ولو في حدود الممكن ,اي بوحدة قابلة للفك والفصل وليس بوحدة على طريقة الزواج الكاثوليكي غير القابل للافتكاك لكان حالنا اليوم افضل في المطالبة والمناورة السياسية. ورغم ان المملكة العربية السعودية تعتبر الحضارمة المقيمين حالياً لديها رسمياً وفي وثائقها المدونة من مواطني (الجمهورية اليمنية) وهو امر طبيعي ومستوعب في التعامل الرسمي بين الدول ,الا ان المجتمع السعودي العربي المسلم يرى ان للحضارمة الذين يعيشون وسطه ويلمس عن قرب ومعايشة صفاتهم واخلاقهم وبعددهم الذي يفوق النصف مليون حضرمي هوية متميزة عن اليمنيين وعن الجنوبيين كذلك ,وان كان الحضارمة والجنوبيون اقرب الى ايجاد صيغة مقبولة لديهما في العيش المشترك ودون هيمنة طرف على آخر .وهذا ايضاً ماتؤكد عليه العصبة الحضرمية في كل اطروحاتها وانشطتها من انه لامانع من التعاون المثمر والمفيد مع الجنوبيين .ولكن لايعني ذلك ان الحضارمة جنوبيون ,أو ينبغي على الحضارمة ان يخضعوا لما يقرره الجنوبيون ودون استفتاء شعب حضرموت فيما يطرح عليه من علاقة مستقبلية مع الجنوب. وختام القول فان المملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وشعباً تدرك جيداً كل ابعاد القضية الحضرمية ,وهي تتعامل معها بكثير من الصبر والحنكة والحكمة ودون الولوج في مغامرات او مواقف غير محمودة العواقب وهي تقيس القضية الحضرمية من خلال ما تعرفه وما عايشته من الحضارمة في وسطها ,وتعرف انهم بالحق جديرون بالحياة الكريمة والمستقرة.وان ماطالهم من اذى ومعاناة كان ابتلاءً من الواحد الاحد الذي لاتقهر ارادته ومشيئته.كما انها تدرك ان هؤلاء الحضارمة وكما اسهموا بقسطهم الملموس ومع اخوانهم من السعوديين وغيرهم في بناء المملكة العربية السعودية منذ قيامها في سنة 1932م فانهم قادرون كذلك بعون المولى عز وجل وتوفيقه على بناء وطنهم الحضرمي في الاراضي الحضرمية وبالطريقة التي يراها الحضارمة انفسهم وبتعاون كل القوى الخيّرة في المملكة العربية السعودية وفي منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وكافة الافراد والدول التي تعرف حقاً قدر حضرموت من العرب والمسلمين والعالم قاطبة. ولذلك سعت المملكة العربية السعودية مع بقية دول الخليج والعالم الى (مبادرة خليجية) عام 2013م وانتهت الى مؤتمر للحوار في صنعاء والى مشروع دولة اتحادية باقاليم ستة ومنها (اقليم حضرموت)، مما يعد خطوة اولى فقط على طريق استعادة كافة الحقوق المسلوبة من شعب حضرموت طيلة نصف قرن مضى. ولن تكتمل هذ الحقوق الابحق تقرير المصير لشعب حضرموت ليقرر ما يختاره من نظام حكم يقبل به على اراضيه. ونسأل الله تبارك وتعالى ان يمنّ على شعبنا الحضرمي بالخير والسؤدد والعزة والكرامة ,وان يحقق امانيه في الاستقرار والعيش الكريم ,وان يطوي والى الابد صفحات البؤس والشقاء والمعاناة التي اثقلت كاهله ,وان ينزل عليه بركاته ورحمته ونعمته جلتّ قدرته وتباركت مشيئته….وهو المستعان من قبل ومن بعد. المكلا-حي السلام 15ديسمبر 2014م