ويهمس الورد لأشواك القبيلة .. من هنا ينبثق فجر الصامدين .. ويتمخض من رحم الشقاء قلب تمرد على الانحناء.. في زمنها الحصري رسمت صمتها (ملونيزا) الخلود، ليتلو حرف كفر بزمن الحروف المتواطئة، والكلمات العارية إلا من سكناتها . غادرها غدراً، لكن ظله السوسني ما زال معلقاً بين مقلتيها ، يتدلى غافياً في رهبة الحضور، فلم تعد تمتلك ثرثرة حروف تحتوي ضجيج الصمت ..! ولم تجد مفردة شاردة لا شبيه لها في قواميس القلوب ، تكتبها من جديد أسطورة حب ، لتتجاهل خطى التعثر ، ومسافات أسيرة التردي تراودها نحو هاوية قبيلة من غضب. تشدها دروب الحيرة بقوة، فتناشد صبح التحدي لينشدها ترانيم السكون عند الغسق، تهمس لها هواجس المساء لتصعد إليها، فتتهادى سلم الحروف؛ علها تصل إلى حلم من ورق وأرق ، بينما لاح في الأفق سرب من الاحتمالات المخضبة بالأوهام. عند باب الصباح الأليف تقاطرت أرواح الملائكة وانصرفت الشياطين، فدنا الورد من أشواك القبيلة هامسا على مسامعه : " تزرعني بين يديك المُتصحِّرتين، فأطوي جذوري كي لا أغوص في تربتك التي لا تلاءم أناقة قلبي، قد يكون التقطيرُ أجدى من كلِّ هذا الإسراف الذي يغمرني ، أتظنهُ يرويني..؟! لن ترى مني سوى وجهٍ ظامئٍ، وخارطة كلُّ فصولها متعثرة ، كل طرقاتها مُشقَّقة،ولا شيء أسقيك سوى الظمأ ، أمنحكَ الوجع وأحقنُ ليلكَ بالسَّهر والانتظار، فتهديني عبارات صاخبة تتقنها جيداً، تزرعني في صحراء ليست لي .. فانتزعني ..! ويثبت استحواذك جذوري واقتلعني، تهديني قلباً من سراب ، وأهديك تراتيل العذاب، أهديك الحرقة واللوعة ،وشيئاً يبدو غريبا عليك يسمى الوجع، تهديني ثرثرتك المفرطة ، وأهديك صمتي." فترهل قلبه بعنجهية مفرطة، ولم يدع له مجالاً للتحقق من شكوكه المتوارثة، وخبايا وسواس يتلذذ بإثارة لهيبه المستعر، حتى أصيب رأسه بتخمة من شر الأوهام ، فاستدعى أطلال مجد تليد لا يمت له بصلة ، وانبرى ينعق متبختراً يتردد صدى صوته متعالياً: ( ألا لا يجهلن أحد علينا …. !) وابيضت عينا الوجد من الحزن، فلم يعد يجدي قميص الفقد نفعاً، ولا الأبواب المتفرقة بلغتها غاية في نفسها ترجى …! فجهلت كل اللغات ولم تعد تتقن سوى الصمت لغة الصابرين ، فتهمس لسرها ذات بوح ، يعزف ألماً يترنح بين الفقد والوجد : سلام عليك أيتها المآذن الثكلى في أعماقي السابحة .. سلام على الراحلين في أغوار السنين .. سلام على مسافاتك داخلي .. أيا فيض الرجاء قد صرت إنساناً من نور يا وجه النور لا بشرياً من طين و ماء.." فبهت مفجوعاً نعيق الوهم .. وهمس الورد لأشواك قبيلة من غضب فهزمها ..!