احتفاءً بيوم العلم كرم الرئيس أوائل الطلبة في مختلف الجامعات اليمنية ، وكعادته في خطاباته في مناسبات مشابهة يقارن الرئيس بين ما كنا عليه بالأمس ، وما أصبحنا عليه اليوم في مجال التعليم العام والعالي ، فيعدِّد كم أصبح في الوطن من آلاف المدارس ومئات المعاهد والكليات المتوسطة وعشرات الجامعات الحكومية والخاصة ، حتى يخيل للسامع أنه أمام (ملك اليابان) الذي لم يعد في بلده أميٌّ واحد وليس أمام (الرئيس اليمني) الذي تصل نسبة الأمية في بلده إلى أكثر من (60%) ومع ذلك تحتفل بلده بيوم العلم دون خجل من العالم !! ليست المشكلة في ضخامة هذه النسبة من الأمية ، بل المشكلة العمياء والداهية الدهماء أن هذه النسبة في تزايد مستمر منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي ، وليس هناك أي مؤشرات لانخفاضها في السنوات المقبلة لأن الإحصاءات الرسمية والتقارير الدولية تكشف عن نسب عالية جداً من تسرب الطلاب من صفوف التعليم العام بل والتعليم الجامعي وعمالة الأطفال التي تفضح ادعاءات الحكومة في تحقيق تقدم كبير في مجال التعليم ، أضف إلى ذلك الأمية المقنعة في الدارس والجامعات والتي تكشف هشاشة النظام التعليمي في اليمن ورداءته مقارنة بأي دولة من دول العالم الثالث ، ففي اليمن وحدها تجد طلاباً في الصفوف الثانوية لا يجيدون القراءة أو الكتابة ، بل (وأحلف بالله) وأنا أستاذ جامعي أنني وجدت طلاباً في الجامعة لا يجيدون القراءة إلا تهجياً ولا يحسنون حتى كتابة أسمائهم . لقد أصبح الجهل في بلادنا هو المتسيد ، وله الكلمة الأولى والحظ الأوفر والنصيب الأعظم من المسؤوليات والمناصب والوظائف ، وأهل العلم وحملة الشهادات حفيت أقدامهم بحثاً عن الوظيفة التي تسترهم ، والمبدعون والمتفوقون يموتون كمداً وحسرة وهم يشاهدون حفدة (أبا جهل) يمتطون أعلى المناصب في الدولة ويركبون أفخر السيارات ويسكنون أفخم القصور ويلبسون أحسن الثياب كل ذلك وبلدنا تحتفل بكل (بجاحة) بيوم العلم . ولأن الجهل هو المتسيد في بلدنا أصبحت بلدنا مقبرةً للمواهب وطاردة للكفاءات ومسرحاً للحروب وعرضة للفتن ومثلاً للجوع والفقر وملاذاً للأمراض والفيروسات التي لم تظهر في بلد قط غير بلدنا (كحمى الضنك ، وحمى الوادي المتصدع ، والدودة الحلزونية و...) ، ولوكان أهل العلم هم أصحاب القرار في البلد لكنا اليوم في مصاف دول العالم الثاني على أقل تقدير ، ولحُقَّ لنا أن نحتفل بأيامٍ للعلم لا بيوم واحد ، ولكن نحن في زمن يصدق فيه قول الشاعر : تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن يُرمى للكلابِ وذو جهل ينام على حريرٍ وذو علم يبيت على الترابِ وصدق الإمام الشافعي الذي يقول : رأيت العلم صاحبه كريم ولو ولدته آباء لئامٌ وليس يزال يرفعه إلى أن يعظم أمره القوم الكرام ويتبعونه في كل حالٍ كراعي الضأن تتبعه السوام فلولا العلم ما سعدت رجال ولا عرف الحلال ولا الحرام