بعث تأهل منتخب اليمن لكرة القدم لأول مرة في تاريخه إلى نهائيات كأس آسيا بارقة أمل في نفوس اليمنيين، في وقت يشهد بلدهم حربا مدمّرة بين سلطتين تتقاتلان على الحكم منذ أكثر من ثلاث سنوات. ووحّد هذا الإنجاز التاريخي اليمنيين، من الشمال إلى الجنوب، ومن المؤيدين للمتمردين إلى المناصرين للحكومة المعترف بها، خلف فريق واحد، في بلد يتابع كرة القدم بشغف رغم قلّة الانتصارات فيها على صعيد المنتخبات والأندية، إقليميا وعالميا. ونجح المنتخب الأول للرجال في حجز مقعد له في النهائيات التي تستضيفها الإمارات في 2019 بعد فوزه في 27 مارس الماضي على نيبال في المباراة الختامية لمجموعته التي ضمت أيضا الفلبين وطاجيكستان. ويعتبر المنتخب اليمني الأضعف بين منتخبات الدول المجاورة، حيث أنه لم يفز مثلا بأي مباراة منذ أول مشاركة له في بطولة كأس الخليج عام 2003 بعد انطلاقها عام 1970، والتي تتنافس فيها دول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى العراقواليمن . واعتادت الصحافة اليمنية بعد كل هزيمة للمنتخب على كتابة “خسارة مشرّفة”. وقال أحمد الصباحي، المشجع الذي يتابع أخبار المنتخب اليمني وكرة القدم العالمية بانتظام، “المنتخب يجمع اليمنيين بقوة عندما يظهر بمستوى مشرّف”. ترشح المنتخب اليمني رسم البسمة على شفاه الشعب اليمني الذي كان في حاجة إلى ما يفرحه وتابع متحدثا، بعد التأهل الأخير “سيظل كل اليمنيين مناصرين لمنتخبهم الوطني”، مضيفا “نأمل في أن يقدم صورة مشرّفة للكرة اليمنية ليساهم في تخفيف معاناة اليمنيين”. ومن جهته اعتبر صالح حنش أن نجاح المنتخب اليمني في التأهل في خضم الحرب الدائرة “يساهم في رسم الابتسامة على شفاه الشعب اليمني الذي كان بحاجة إلى ما يفرحه وينسيه بعضا من مآسيه”. ويشهد اليمن منذ سنوات نزاعا مسلحا بين قوات موالية لحكومة معترف بها دوليا، وقوات من المتمردين مؤيدة لسلطة موازية غير معترف بها يقودها الحوثيون الذين يسيطرون منذ سبتمبر 2014 على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى. وتسبّبت الحرب بأزمة إنسانية هي بحسب الأممالمتحدة من بين الأكبر في العالم، كما أدت إلى عرقلة الدراسة مع توقف المئات من المدارس عن العمل بفعل تعرّضها للدمار أو تحولها إلى ثكنات ومقرات للنازحين. ولم تنج الرياضة أيضا من ويلات النزاع، حيث دمّرت العشرات من الملاعب أو تحوّلت إلى معسكرات للقوات المتقاتلة، بينما توقفت الدوريات في المنافسات الرياضية. وساعد المنتخب في رحلته للتأهل إلى نهائيات كأس آسيا تواجده في معسكر شبه دائم في الدوحة، حيث يقيم عدد من اللاعبين الذين يلعبون في أندية قطرية، وحيث تتوفر تجهيزات ومنشآت رياضية حديثة. الكرة تجمع ولا تفرّق وبالنسبة إلى مدرب كرة القدم في صنعاء عبدالسلام الصعدي، فإن التأهل إلى النهائيات هو “نتاج طبيعي لموهبة اللاعب اليمني”، لكنه يشير أيضا إلى أن أحد أهم العوامل التي ساهمت في تحقيق الإنجاز يكمن في أن “المنتخبات لم تصبها أسهم السياسة بعد”. وسبق تأهل المنتخب الأول إنجاز آخر تمثّل في نجاح منتخب الناشئين (دون 17 عاما) في التأهل بدوره إلى نهائيات كأس آسيا لهذه الفئة والمقرر إقامتها في ماليزيا بدءا من سبتمبر المقبل. ويلتقي لاعبو منتخب الناشئين للتدريب معا في مدن يمنية مختلفة، قبل الانخراط في معسكر بصنعاء. ويقوم الجهاز التدريبي للمنتخب بالبحث عن المواهب في مناطق تتم زيارتها بعد إجراء ترتيبات مع المسؤولين الرياضيين فيها، في رحلة محفوفة بالمخاطر. ومن بين هذه المدن عدن التي بدأت تعود إليها مؤخرا المسابقات الرياضية بعد توقف دام لثلاث سنوات. وسيطر الحوثيون على معظم أجزاء المدينة الجنوبية في بداية الحرب، ثم استعادتها القوات الحكومية. ويسعى القائمون على كرة القدم في عدن إلى إقامة الفعاليات والبطولات المحلية بشكل منتظم، والعمل على إعادة ترميم ملاعب دمّرتها الحرب. وقال أحمد حسين حسني، المسؤول في منظمة رياضية في عدن، “في ظل الحرب.. نحاول قدر المستطاع إعادة الروح وتطويع الحياة بعد التدمير الذي رافق المنشآت الرياضية والملاعب”. تنافس بلا قتال وعلى أرض ملعب جرى ترميمه حديثا، تبادل فريقان من الشبان ارتدى لاعبوهما قمصانا زرقاء، الهجمات بالكرة على وقع صيحات وتصفيق عدد قليل من المتابعين من على الكراسي البلاستيكية الخضراء في المدرجات. وأدى لاعبون آخرون تمارين الإحماء استعدادا للمشاركة في المباراة على طول الخط الجانبي للملعب قرب جدار أبيض تتوسطه فجوة كبيرة تسببت بها قذيفة أصابته خلال أعمال عنف شهدتها المدينة. وكانت عدن شهدت في يناير الماضي اشتباكات دامية بين القوات الحكومية وقوات مؤيدة لدعاة الانفصال، لكن رغم هذه المعارك، والحرب في اليمن بشكل عام، فإن رياضة كرة القدم لم تمت في أفقر دول شبه الجزيرة العربية، مع أنها فقدت بعضا من بريقها. ويقول المشجع فاضل الوصابي إن كرة القدم في اليمن ليس لها حاليا أي “حضور كالذي في دول الخليج المجاورة. ربما بسبب انشغال المجتمع اليمني بتوفير أساسيات الحياة”. هكذا يسجل المنتخب اليمني انتصارين، الأول مكنه من الترشح إلى نهائيات كأس القارة الآسيوية، والثاني جمع الفرقاء اليمنيين حول فرحة واحدة، وهذا هو سحر كرة القدم التي يصفونها بالساحرة المستديرة، سحرت عقول أكثر من مليار متابع حول العالم، فهي الرّياضة الأكثر انتشارا على الرّغم من الاختلافات الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة بين دول العالم لما لها من تأثيرات نفسيّة واجتماعيّة وسياسيّة كبيرة على الفرد والمجتمع.