في أكثر الخيام المنتشرة في ساحة التغيير بجامعة صنعاء، حيث يخيم الشباب المطالبون بإسقاط النظام منذ أكثر من شهرين لا تخلو خيمة من حلقات نقاش وندوات تبحث في مستقبل اليمن بعد حكم الرئيس علي عبد الله صالح، خصوصاً بعدما تحولت ساحة التغيير إلى مصدر إخباري مهم للمعتصمين الذين يتلقون يومياً تقارير وأخباراً عن تفاعلات المشهد السياسي ومستجداته والتطورات في ساحات الاعتصام بالمحافظات بصورة مستمرة . لا يغفل هؤلاء متابعة وتحليل ما يعتمل في دهاليز النظام وخصوصا ما يتعلق بالملف الاقتصادي وقضايا الفساد ونهب المال العام، والتي صارت مؤخراً هاجساً لدى كثيرين بعد الاتهامات المتزايدة لرموز الحكم في هدر المال العام بعدما أوشكوا على الرحيل . وثمة إجماع عال بأن هذا الملف كان واحدا من أهم الأسباب التي دعت هؤلاء للانخراط بثورة شبابية تنهي فترة حكم الرئيس صالح المتهمة بالفساد منذ 33 سنة، ولذلك فإن الجميع يبدي اهتماما بهذه القضية التي يتوقع أن تكون موضوعاً خصباً في الفترة المقبلة استناداً إلى حماسة الشبان الذين يؤكدون أن النظام يعيش في لحظاته الأخيرة . مسؤولون كبار في وزارة المالية والمصرف المركزي وشركة الخطوط الجوية اليمنية وشركة النفط وعدد من المسؤولين في حكومة تصريف الأعمال كانوا محوراً لنقاشات واسعة لدى قانونيين وناشطين حقوقيين، والذين أدرجوهم في قوائم المسؤولين الذين يعتزم قانونيون متطوعون محاكمتهم في الداخل أو ملاحقتهم عبر الشرطة الدولية “إنتربول” في جرائم فساد وتواطؤ لنهب المال العام، بعدما كشف عن وثائق تفيد بتورطهم بسحب ملايين الدولارات من حسابات الدولة والشركات النفطية وأرصدة الحكومة الداخلية والخارجية وبيع أصول عينية، وبعضها وجهت لصالح دعم الحملة التي يقودها حزب الرئيس في حشد المؤيدين وشراء الولاءات لضمان بقائه في الحكم . ويقول ناشطون إن العديد من شبان الثورة ومعهم خبراء قانونيون واقتصاديون شرعوا أخيراً بجمع الوثائق التي تتوارد بصورة يومية إلى ساحة الاعتصام من مصادر حكومية وغير حكومية تدين وزراء ومسؤولين بتبديد المال العام بصورة غير قانونية، وأن هذه الإجراءات تتم حالياً بالتعاون مع خبراء قانونيين ومنظمات حقوقية في الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا . وأثارت عمليات فساد اتهم فيها مسؤولون كبار في حكومة تصريف الأعمال ردود فعل واسعة لدى الشبان المحتجين والمنظمات المدنية وكذلك الأوساط السياسية التي ناشدت المجتمع الدولي تجميد أرصدة الرئيس صالح وأفراد عائلته وأرصدة كبار المسؤولين المتهمين بالإثراء غير المشروع . ومن ذلك البيان الذي أصدرته نقابة مهندسي الطيران المدني اليمنية والتي دعت أعضائها إلى الاستعداد لأي إجراء وطني يساهم في الحفاظ على الناقل الوطني، ودعت النائب العام إلى منع الكابتن عبد الخالق القاضي وهو من أقارب الرئيس صالح من السفر والتحفظ عليه للتحقيق معه في شأن قضايا فساد طالت أصول الشركة وطائراتها كما عرضت الطائرات إلى الخطر باستخدامها لنقل متفجرات محظورة . وإذ اتهم ناشطون الهيئة العليا لمكافحة الفساد بالتواطؤ مع النظام ورموزه في نهب المال العام، فقد أكدوا أن الحزب الحاكم كبد خزينة الدولة مليارات الريالات التي سحبت من المصرف المركزي لتلبية نفقات حشد المؤيدين فضلا عن مبلغ 70 مليون ريال نفقات إيجار الخيام التي يقيم فيها أنصار الرئيس صالح في ميدان التحرير منذ حوالي شهرين في حين أن قيمتها الإجمالية لا تتجاوز 10 ملايين ريال، مشيرة إلى أن هذه المبالغ نهبت من خزائن مؤسسات الدولة والبنوك الحكومية . زاد من ذلك اتهام أحزاب في المعارضة بتورط حكومة تصريف الأعمال برئاسة الدكتور علي مجور بمخالفات مالية كبيرة لتغطية نفقات أعمال (البلطجة) التي جند لها نظام صالح آلاف المواطنين الذين حشدهم في العاصمة والمحافظات وسلحهم لمناصرته وقمع وقتل المعتصمين السلميين المطالبين برحيل النظام . وتحولت وسائل الإعلام إلى مسرح لتبادل الاتهامات بين المسؤولين من جهة والنظام السياسي ومعارضيه من جهة ثانية إذ اتهم وزير النفط والمعادن أمير العيدروس وزارة المالية بسحب مبلغ 150 مليون دولار من حساب الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية من دون موافقة وزارة النفط ومن دون التنسيق مع المؤسسة اليمنية العامة للنفط والغاز . وجاء في وثيقة نشرتها الصحافة المحلية ممهورة بتوقيع وختم الوزير العيدروس أن سحب مبلغ 150 ألف دولار كان مخالفا للقانون كون الوزارة رفضت السحب في وقت سابق، كما أنه لم يتم في حال الضرورة وفي حال لم يكن المبلغ المسحوب غير مستخدم لأغراض نشاط المؤسسة وفقاً لما تقتضيه القوانين النافذة ما اعتبرته المعارضة واحدا من الإجراءات التي باشرها النظام لنهب المال العام بعدما أصبح يشعر بأن سقوطه وشيكا نتيجة تصاعد ضغوط الشارع المطالب بإسقاط النظام . لكن وزارة المالية نفت عبر بيان أذاعته وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” سحب المبلغ واعتبرت ما نشرته وسائل الإعلام “معلومات مضللة وتزييفا للحقائق لأهداف سياسية وحزبية ضيقة”، مشيرة إلى تعمد هذه الوسائل حقيقة أن المبلغ خصص لحساب المخزون الاستراتيجي من المشتقات النفطية . وأكدت أنها كانت وجهت مذكرة للمصرف المركزي اليمني في 9 مارس/آذار الماضي بفتح حساب خاص بالدولار باسم المخزون الاستراتيجي من المشتقات النفطية في ضوء المحضر الموقع بين وزارتي المالية والنفط المعادن في 26 فبراير/شباط، وذلك بناء على القرار الذي اتخذته لجنة تحديد وتوفير المواد والخدمات الأساسية المنعقد برئاسة نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية بشأن فتح اعتمادات مستندية لبناء مخزون استراتيجي من الديزل والبنزين والمازوت تنفيذاً لتوجيهات الرئيس، كما تضمنت المذكرة الموجهة للمصرف المركزي اليمني فتح اعتمادات مستندية لشركة مصافي عدن لصالح الشركات التي ستقوم المصفاة باستيراد الكميات المطلوبة من مادتي الديزل والبنزين لبناء المخزون منها حسب الكميات والقيم التي تحدد تفاصيلها المؤسسة العامة للنفط والغاز . دبلوماسي يمني ينصح صالح بالرحيل على طريقة مبارك أكد مندوب اليمن لدى جامعة الدول العربية عبدالملك منصور أن هناك شبهاً كبيراً بين الثوار في مصر والثوار في اليمن، “كما أن هناك شبهاً جميلاً بين دور الجيش هنا وهناك” . وقال منصور، في تصريحات لصحيفة “المصري اليوم” نشرتها أمس الجمعة، إن بقاء الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك كان يشكل دعماً معنوياً قوياً للرئيس اليمني علي عبدالله صالح . وأشار إلى أن الرؤساء المستبدين الذين يواجهون شعوبهم يتعاطفون مع بعضهم بعضاً، وأشار إلى أن صالح كان الرئيس الوحيد الذى أرسل موفداً للزعيم الليبي معمر القذافي خلال المواجهات مع الثوار، ما يؤكد وجود تنسيق بين الزعماء المرفوضين من شعوبهم . وشدد منصور على أن الرئيس اليمني لن يجد أمامه خيارات عديدة فهو إما أن يقاتل مقتدياً ب “القذافي” أو يرحل مقتدياً ب “مبارك” والرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي . وأكد أن صالح أعقل من القذافي، لأن تصرفات القذافي فيها بعض التسرع والرعونة، بينما “صالح” مختلف فهو عاقل ويفكر كثيراً . وأردف قائلاً “أنا أتمنى أن ينسحب صالح بهدوء ولا يهتم بمن سيأتي بعده فليرحل مادام الشعب يريد رحيله، أما إذا قرر الدخول فى قتال فإن ذلك لن ينفعه لأن أحداً لن ينتصر على الشعب خصوصاً إذا وقف الجيش مع الشعب فهل سيقاتل بالحرس الجمهوري؟”