تمثل حملة 11 فبراير في اليمن حالة فريدة ومتميزة في تفاعل الوضع السياسي اليمني بكل ما يكتنفه من تداخل العوامل وتفاعل المؤثرات واختلاط العديد من الأوراق والمعطيات التي تصنع هذا المشهد السياسي العصي على الفهم والإدراك لغير المطلعين على دقائق وتفاصيل الحالة السياسية في اليمن. وككل ظاهرة سياسية تكتسب حملة 11 فبراير،التي نعتها أصحابها ب" ثورة ضد الفساد"، تكتسب أنصارا كثر خصوصا بين المنتميين إلى ثورة 11 فبراير 2011م وبالمقابل يناصبها الكثير من السياسيين الخصام والعدائية ويصنفها البعض كثورة مضادة أو كحالة من النزق السياسي في أحسن الأحوال.
وبعيدا عن الموقف العاطفي من هذه الحركة والقائمين عليها لا بد من الوقوف على العوامل والأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الظاهرة التي لا تقتصر على اليمن من بين بلدان الربيع العربي، بل على العكس قد يكون اليمن محظوظا بأن الاختلاف في صف الثوار اتخذ الطابع المدني ولم ينتقل إلى الميادين ألأكثر خطورة، كتدخل العسكر كما حصل في مصر أو حصول عمليات عسكرية (وأن عبر المدنيين) كما في ليبيا وتونس.
إن حركة 11 فبراير ليست بحاجة إلى دعم خارجي أو مؤامرة إقليمية أو إسناد من بقايا النظام لتنشأ وتتخذ مسارها الراهن والذي ربما يتخذ مسارا أكثر عمقا وتبلورا خلال الأسابيع والأشهر القادمة ما لم تعالج أسباب نشوئها ولعل من أهم هذه الأسباب:
* إن حكومة الوفاق استنفدت السنتين المحددتين لها كحكومة انتقالية وللأسف الشديد لم تنجح في تنفيذ ولو الجزء اليسير من المهمات المناطة بها، بغض النظر عن تداخل الأسباب التي تقف وراء هذا الفشل. * * ما يزال الثوار الحقيقيون مستبعدين من الحضور في هذه الحكومة، ونحن لا نقصد بالحضور أن يكون الوزراء بالضرورة من الثوار، بل إن ما نقصده أن السياسات التي تتبعها الحكومة لا تعبر عن روح الثورة، ولا تجسد ما تطلع أو يتطلع إليه ثوار 2011، وهذا أمر طبيعي طالما ظلت هذه الحكومة عبارة عن طائر يحلق بجناحين يسيران في اتجاهين متعارضين. * * لقد كان موقف الحكومة من جرحى الثورة موقفا مخزيا حينما راحت تصنفهم إلى مستويات ودرجات، حصل بعضهم على حقهم وأكثر منه بينما تعرض البعض للضرب والاعتداء ومحاولات الاغتيال لسبب مطالبتهم بحقهم في العلاج، وامتنعت أشهر جمعية قيل إنها جاءت لمعالجة جرحى الثوة عن الالتفات لأحوالهم، لأن ميلهم السياسي لا يوافق الميل السياسي للقائمين على هذه الجمعية وهذا وحده صورة من صور التباعد بين الثورة والثوار من جهة وبين الحكومة بطرفيها. * * وبالعودة إلى العنوان الفرعي للحملة ثورة ضد الفساد فإنه من المهم الإقرار بأن الفساد في ظل حكومة الوفاق ما يزال كما كان قبيل اندلاع ثورة 2011م بل لقد وفر وضع وتركيبة حكومة الوفاق بيئة خصبة للفاسدين ليعيثوا في الأرض ما يتصفون به في ظل الحماية التي توفرها لهم المباردة الخليجية وطريقة تشكيل الحكومة، إذ غدا مجرد مساءلة فاسد صغير او كبير يمثل خرقا للمبادرة وأصبحت المبادرة مظلة لكل من امتلأت نفوسهم بوساوس شياطين الفساد وما أكثرهم ومن المؤسف أن وضع الحكومة وطريقة تشكيلها قد أضاف فاسدين جدد إلى سجل الفاسدين القدامى كما يردد الكثير من اليمنيين. * * ومع الإقرار بأن مخرجات الحوار الوطني قد قدمت من الناحية النظرية معالجات إبداعية للكثير من القضايا، وأقول من الناحية النظرية لأنه لا أحد واثق من تحول هذه المخرجات إلى نصوص دستورية وتشريعية ناهيك عن تحولها إلى قناعات وممارسات في ظل استمرار إمساك قوى الفساد والتنفذ ( من طرفي الوفاق) بصناعة القرار السياسي، وفي ظل السرعة السلحفائية التي يشتغل بها رئيس الجمهورية ومن ثم تشتغل بها حكومة الوفاق، أقول بالرغم من ذلك فإن العديد من شباب الثورة ممن استبعدوا من المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني يشعرون بأنه كان بقدروهم المساهمة في صناعة مخرجات أكثر جذرية وأعلى نوعية فيما لو كانوا جزءا من العملية الحوارية التي شهدتها اليمن خلال العام 2013م . * الإصرار على التعامل مع حملة 11 فبراير على إنها شر يجب التخلص منه، وهو ما قد تجلى بوضوح في ما يصدر عن بعض وسائل إعلام تحالف الحكومة، (وبالذات الطرف المحسوب على الثورة) وما جرى من محاولات اقتحام واعتداء وتفجير لساحة التغيير في صنعاء، أو من خلال وصفهم بالثورة المضادة، هذا الإصرار يؤكد أن منهاج وأسلوب تفكير نظام صالح ما يزال هو الحاضر في عقلية من يديرون شئون البلاد، وإن الثورة إذ غيرت رأس النظام وربما غيرت بعض المؤسسات فيه لكنها لم تغير العقلية السياسية فمن وصل إلى رأس إدارة أو وزارة أو حتى كل الحكومة يخلع بدلة الثورية ويعود ليمارس نفس نهج سلفه في اتهام من يعارضه واللجوء للتهديد وتكميم أفواه المخالفين وتلفيق الأكاذيب والتشكيك بوطنية الغير.
من سوء حظ حكومة الوفاق، بما فيها الطرف الذي جاء باسم الثورة أن الأطراف التي تمثلها ليست بريئة من التورط في المشاركة مع النظام السابق في كل ما ارتكب بحق اليمن واليمنيين، منذ حرب 1994م ونتائجها التدميرية، مرورا بسياسات النهب والسلب والاستحواذ واقتسام الغنائم وانتهاء بالانخراط في الحروب والنزاعات المسلحة والمشاركة فيها، وهو ما يعني أن الادعاء بتمثيل الثورة والثوار هو ادعاء باطل يحوي قدرا كبيرا من الاستغفال للمواطنين عموما والثوار على وجه الخصوص، والاستخفاف بعقولهم واعتبارهم مجموعة من الأغبياء الذين لا يدركون مدى السرقة التي تعرضوا لها والغدر الذي حاق بهم وهم يتطلعون إلى مستقبل خالي من الظلم والقمع والاستبداد والفساد والإرهاب.
أيها السادة ! لا تكرروا حماقة من سبقوكم، حتى لا تبدون نسخة منهم أو شركاء معهم في النهج والمصلحة والثقافة والتفكير، وابحثوا عن الأسباب التي تدفع الشعب إلى الغضب من سياساتكم، ولا أظنكم لا تعلمون أن هذه الأسباب يدركها الأعمى قبل البصير وإذا كنتم لا تدركونها فإن عماكم سيكون من النوع المستعصي وهو ما يجعل بقاءكم في مواقعكم جناية تستحق المساءلة، أما إذا كنتم ترونها وتنكرون وجودها فإن الأمانة التي أؤتمنتم عليها ستكون محل تساؤل، أما التحجج بأن هناك من يتآمر حتى يتسبب في فشلكم فإنه يقتضي أن تنسبحوا من مواقعكم ليأتي بدلا عنكم من لن يكون عرضة للتآمر لغرض إفشاله، وعليكم أن لا تتصوروا بأنه بدونكم ستذهب البلد إلى الجحيم، لأنه ليس هناك جحيما على الأرض أسوأ من ذلك الي يعيشه اليمنيون اليوم.
برقيات: * إذا ما صدقت الأنباء المتواترة عن نية البعض اقتحام ساحة التغيير لإجبار المعتصمين من أنصار حركة 11 فبراير على فض اعتصامهم فإن الأمر يعني أننا قد رجعنا إلى عام 2011م عندما كانت قوات الأمن والبلاطجة يقتلون المعتصمين تحت حجة الدعوة إلى الحوار وصيانة الشرعية.
* بوفاة الأديب والناشط السياسي اليساري سند عبد الله نجاد تفقد الساحة الأدبية والسياسية اليمنية شاعرا وكاتبا وناشطا سياسيا متميزا أثرى الساحة الأدنية ومثل صوتا حرا متألقا حاز احترام كل من عرفه، رحم الله سند نجاد وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* يقول شاعر اليمن وفيلسوفها الأستاذ عبد الله البردوني: ظنونكم عنا يقينيةٌ يقيننا عنكم، كخوف الشكوك لنا مناقيرٌ حماميةٌ لكم مدىً عطشى وجبنٌ سفوك أنتم تحوكون الذي لا نرى وتستشفون الذي لا نحوك هذا انتهاكٌ، بل عدائيةٌ كل ضيائي عدوٌ هتوك قل غير هذا، لا تقل غيره ملكت من يبغون أن يملكوك المقال نشر في عدن الغد (مارس2014)