النظافة معنى حضاري سام يبدأ بالتنشئة ويتحول إلى سلوك مجتمعي راقٍ , حتى ان معنى كلمة نظافة غدا معيار ومقياس على مدى ارتقاء الشعوب في مقياس التحضر الإنساني , فهاهي ذي شوارع وأزقة الدول (المتحضرة) لا ترى على أرصفتها قصاصة ورق أو قلامة ظفر. وفي بلدنا سعت بعض المحافظات إلى إقامة مبادرات تطوعية لتنظيف المدن وإزالة القمامات والقاذورات المرمية على قارعة الطرق بها , فقد بدأت التجربة بالحالمة تعز ووصل صداها إلى مدينة صنعاء التي أقامت فعالية كبرى لتنظيف أمانة العاصمة بمشاركة أكثر من 200 ألف مواطن من مختلف الشرائح الاجتماعية حيث انبرى لفكرة المشروع طلبة المدارس والجامعات وكذا الفعاليات الاقتصادية فكل صاحب محل قام بالتنظيف وجمع القمامة من أمام محله وبقالته في منظر جميل عبر عن روح التعاون والتكاتف في المجتمع, وسخرت وسائل الإعلام للتعريف بهذا اليوم وحث المواطنين على المساهمة بفعالية في إنجاحه وبالفعل لم تكد الساعة تعلن انتصاف نهار العاصمة حتى كانت المدينة ترفل في جو صحي وتزهو بنظافة شوارعها بجهد أبنائها. فجلت في شارع التحرير لأكحّل عينيّ بهذا المنظر الرائع فرأيت كيس ورقي يطير أمامي من أحدى سيارات التاكسي العالقة في زحمة التحرير الخانقة لتستقر على قارعة الطريق النظيفة التي أجتهد الشباب في تنظيفها,منظر أغاظني كثيرا وهممت بالتوجه نحو الجاني ولكن سبقني إليه فتى أثار إعجابي كان أخرس- نعم أخرس- رفع الكيس عن الأرض وأعطاه لسائق التاكسي مرة أخرى وأومأ إليه بحركة مفادها ان أرمِ الكيس في سلة القمامة فالشارع نظيف, فما كان من ذلك السائق السمج إلا أن قذف بالكيس مرة أخرى على الأرض وكان الأمر لا يعينه غير مكترث لصيحات بعض المارة وانزعاجهم من تصرفه غير الحضاري , واصلت المسير باتجاه فرزة الصافية فشاهدت شخصا يأكل ذرة مشوية وبجواره اخر يقول له عندما تنتهي من الأكل أرم مخلفاتك في سلة القمامة حفاظا على نظافة المكان ولكن لا حياة لمن تنادي ما ان أتم المنصوح التهام أكلته رماها على قارعة الطريق . خلاصة القول انه إذا خصصت أمانة العاصمة مشكورة وعلى رأسها الأمين عبد القادر هلال -الذي لم يبخل بوقته وجهده في سبيل تغيير شكل العاصمة لتصبح محل فخار كل يمني- يوما للنظافة فيجب ان تخصص 364 يوما للتوعية بأهمية النظافة تستهدف الفئات الاجتماعية التي لم تنل حظا وافراً من التعليم كونها هي الشريحة الأكثر سلبية تجاه موضوع النظافة وإذا لم تتعاضد جهود الجميع دون استثناء في أعمال النظافة والحفاظ على ما تم انجازه من جهد ستذهب حينها جميع المبادرات أدراج الرياح وسيصدق حينها المثل الحضرمي ( منقّب غلب ألف بنّاء)