تعد اللشمانيا من الأمراض التي تنتشر في كثير من بلاد العالم، خصوصاً البلاد الحارة والمعتدلة، ومن هذه البلاد: السعودية والعراق وسورية واليمن. وهى من الأمراض التي تصيب الحيوانات مثل القوارض والثعالب والكلاب وتنتقل بالعدوى إلى الإنسان. تأتي اليمن في موقع مهم كان خفياً في خريطة الوباء العالمي، وفي هذا السياق فقد كشف الدكتور محمد أحمد الكامل أخصائي الأمراض الجلدية والتجميل ورئيس المركز الإقليمي لمكافحة "الليشمانيا" في اليمن عن استيطان مرض "الليشمانيا" بأنواعه الثلاثة في اليمن وبشكل خفي عن الخرائط الوبائية العالمية لهذا المرض. وأوضح الكامل أن حجم انتشار مرض "الليشمانيا" في اليمن يتجاوز كثيراً حجم انتشاره في بعض دول الشرق الأوسط المجاورة وبعض الدول الاستوائية وشبه الاستوائية التي يشتهر المرض باستيطانه فيها. إحصائيات مفزعة وأعلن الدكتور محمد أحمد الكامل لأول مرة عن إحصائية لهذا المرض من خلال عملية رصد قام بها المركز الإقليمي لمكافحة "الليشمانيا" باليمن واتضح أن عدد المصابين بمرض "الليشمانيا" في اليمن يتخطى 180 ألف حالة، تسعون بالمئة منهم نساء وأطفال تحت سن السابعة عشرة سنة، وثلاثة بالمئة مُصابون بالنوع الحشوي، وتسعة وأربعون بالمئة مُصابون بالنوع المخاطي، وثمانية وأربعون بالمئة مُصابون بالنوع الجلدي، وللأسف الشديد فإن ضحايا "الليشمانيا" الحشوية يموتون دون تشخيص. الانتشار السريع وبرغم أن تلك الإحصائيات ليست كاملة بكل معنى الكلمة نظراً لما يتطلبه عمل الإحصاء الشامل لمختلف أراضي الجمهورية اليمنية، فإن الدكتور الكامل يوجه تحذيراً من مخاطر انتشار المرض بقوله: لابد من التحذير من الانتشار السريع للمرض خصوصاً في القرى النائية والبعيدة في جميع محافظات الجمهورية وبالأخص محافظة البيضاءوحجة وذمار وتعز حيث يتكاثر الطفيل سريعاً في جسم الإنسان، ويُسبّب أحد أشكال المرض الثلاثة وهي "الليشمانيا" الجلدية أو المخاطية أو الحشائية، وتؤدي الأخيرة إلى الوفاة المؤكدة إذا لم يتم تشخيصها وعلاجها مبكراً، وتتفاوت الأعراض من حبوب وقرح صغيرة وكبيرة في الجلد والأغشية المخاطية للأنف والفم والحلق إلى تضخم في الطحال والكبد والغدد الليمفاوية مصحوبة بارتفاع متقطع في درجات الحرارة وفقدان للشهية ونقص في الوزن قد يعود لاحقاً إلى الوفاة الناتجة عن فقر الدم ونقص المناعة والعدوى البكتيرية أو الفيروسية المصاحبة. الفقر و الجهل و في رده على سؤالنا بشأن أسباب انتشار المرض إلى مناطق لم يكن موجوداً بها من قبل يقول د. الكامل: يمكن القول بأن ضعف البنى التحتية الصحية وندرة الأبحاث حول المرض وضعف وسائل التشخيص وغلاء العلاج النادر أصلاً، إضافة إلى الفقر والجهل من أهم أسباب استفحال المرض في اليمن. مضاعفات خطيرة ويضيف رئيس المركز الإقليمي لمكافحة "الليشمانيا" قائلاً: إن أهم المضاعفات التي يتعرض لها مريض الليشمانيا بسبب سوء التشخيص أو تأخره أو عدم توفر العلاج ومن أهمها الوفاة والتشوهات والإعاقات والوصمة الاجتماعية والجمالية والنفسية التي تصحب المريض أو المريضة فتمنعه من ممارسة حياته الاجتماعية بشكل طبيعي وعزوف المريضة مثلاً عن الزواج في أحوال كثيرة. ولابد من الإشارة في هذا السياق إلى أن استخدام العلاجات الشعبية مثل "الغضة" و"الفخاخ" وغيرها من الوسائل التقليدية التي يلجأ إليها المرضى غير القادرين على الوصول إلى الخدمة الطبية يؤدي إلى كثير من المضاعفات والتشوهات المزمنة. المسبب الرئيسي أما السبب الرئيسي لمرض الليشمانيا فيوضحه الدكتور الكامل بقوله: مرض "الليشمانيا" يُسببه طفيل صغير انتهازي وحيد الخلية وتنقله من الإنسان إلى الإنسان أو من الحيوان كالكلاب والقطط والثعالب والفئران إلى الإنسان ذبابة صغيرة تسمى ذبابة الرمل وهي ثلث حجم [النامس] المعروف تقريباً، وتتكاثر هذه الذبابة في القرى النائية وبالذات في الجدران المتشققة وبين أخشاب الأسقف وفي حظائر الحيوانات والوديان، تنشط ليلاً بعد الغروب وحتى طلوع الشمس، وتطير بالقفز على ارتفاعات منخفضة دون صوت يذكر، تلدغك في صمت وترحل بعد أن تزرع الطفيل داخل الجلد أثناء تناولها لوجبتها الدموية منك. سبل المواجهة وإذا كانت الحالة على النحو الذي سبق ذكره من وجود البيئة الخصبة للانتشار السريع للمرض وارتفاع عدد الإصابات فلابد من البحث عن سبل لمواجهة المرض قبل أن يصبح القضاء عليه من الأمور المستعصية في حياة اليمنيين، وعن بعض هذه السبل يتحدث الدكتور الكامل بقوله: بطبيعة الحال فمرض الليشمانيا غالباً ما يوضع في الزاوية نظراً لقلة الاهتمام بالمرضى وندرة علاجه، فضلاً عن غياب الإحصائيات والأبحاث العلمية، غير أننا تمكنا من إقامة المركز الإقليمي لمكافحة "الليشمانيا"[RLCC] بالشراكة مع الأكاديمية الأميركية للأمراض الجلدية بالولايات المتحدة الأميركية، لنسهم بدورنا في التوعية وتقديم الخدمات الطبية في سبيل مكافحة هذا الداء وتخفيف معاناة المرضى المصابين به. ومن خلال صحيفتكم أدعو المجتمع الدولي ووسائل الإعلام والجهات ذات العلاقة في اليمن إلى استشعار خطورة انتشار هذا المرض في اليمن وأخذها بعين الاعتبار في دراساتهم وأبحاثهم وضرورة توفير الدواء للمحتاجين إليه أينما كانوا وبالمجان كونهم ينتمون إلى أفقر طبقات المجتمع. فتح علمي جديد الشكوى المتكررة حتى تلك التي ساقها رئيس المركز الإقليمي لمكافحة الليشمانيا في اليمن تشير إلى أن أهمية المعرفة في مكافحة الأوبئة، فالمعرفة تمكن الإنسان من تشخيص الداء ومن ثم البحث عن سبل العلاج في حال عدم توفره. وهذه المعرفة أصبحت اليوم مقرونة ببعض الشروط المنهجية والأكاديمية، ومن هذا المنطلق جاءت المفاجأة المميزة من إحدى الباحثات الشابات في اليمن التي تخصصت في دراسة داء اللشمانيا، فالباحثة أسماء محمد عبدالحق قحطان، التي تخرجت من قسم الميكروبيولوجي بجامعة تعز، أعدت رسالة ماجستير تفوق أطروحة الدكتوراه، تمثلت في دراسة طفيلية على داء اللشمانيا المعروف باللهجة المحلية بالأثرة أو البثرة، وتمت عملية المسح في مديريتي شرعب بمحافظة تعز. الأمراض المستوطنة وفي هذا السياق تشير الدكتورة أسماء محمد عبدالحق قحطان عضو هيئة التدريس بجامعة تعز إلى أن اللشمانيا الجلدية من الأمراض المستوطنة، وهي تستوطن في محافظات تعز، حجة، وأبين. المساكن الشعبية وتوضح الدكتورة أسماء محمد سبل انتشار المرض بقولها: تجد اللشمانيا بيئتها المناسبة في المنازل الشعبية التي تتواجد فيها الحيوانات بكثرة وتفتقر إلى وسائل الحماية من دخول البعوض إلى الغرف عبر النوافذ المصممة على الطراز القديم للعمارة في الريف اليمني، حيث أن البعوض الذي يجد متعته في العيش في شقوق المنازل التي تكون عادة مليئة بمخلفات الأبقار[الروث بحسب اللهجة المحلية]، فينقل المرض من تلك المنطقة التي تعد المركز الرئيسي لتكون المرض إلى جلد الإنسان مباشرة فتتكون "الأثرة" التي قد يختلف مكانها فوق الشفة العليا أو تحت الشفة السفلى للإنسان وهي الأخطر، أو على اليد، أو في ساق القدم، ويُفضي طول فترة الإصابة بالداء إلى سقوط العضو المصاب عن الجسم نتيجة لتآكله بفعل الإصابة نظراً لأن اللشمانيا تركز فوق اختراقها جلد الإنسان على الدخول في كريات الدم البيضاء فتقضي عليها، مما يعيق حركة المقاومة الطبيعية للأوبئة. تجاهل أسباب المرض وفي ردها على سؤالنا بشأن الخطوات التي قامت بتنفيذها في سبيل إنجاز الدراسة العلمية الأولى في اليمن بهذا الشأن تقول الدكتورة أسماء محمد: الدراسة اعتمدت على خمس مئة واثنتا عشرة عينة أخذت من سكان قرى مديريتي شرعب الرونة وشرعب السلام بمحافظة تعز، وللأسف وجدت أن المرض لا يتقيد بعمر معين فهو منتشر في مختلف الأعمار ولذلك اشتملت العينة على السكان الذين تراوحت أعمارهم بين العام الواحد والستين عاماً، وهذا ما يثبت خطورة الاستمرار في تجاهل الأسباب الرئيسية لانتشار داء اللشمانيا في المنطقة خصوصاً في قرية النخلة ذات البيئة الريفية المتقادمة. الخريطة الجغرافية الباحثة أسماء التي يفيض بحثها العلمي القيَّم بالأرقام والصور، أشارت إلى أنها تمكنت من رسم خريطة الانتشار الجغرافي للمرض في منطقة الدراسة، وأوضحت أنها اكتشفت بعض أنواع النباتات الطبية الموجودة في نفس المنطقة التي يستخدمها الأهالي لكنها لا تقضي على الداء بصورة نهائية، لكنها أعربت عن أملها بأن تلك النباتات تمثل الأساس الأول لمواجهة الداء والقضاء عليه، وربما تكون طريقة استخدام الأهالي للنباتات أو ضرورة تركيب عقار طبي اعتماداً على تلك النباتات عائقاً أمام النتائج الحالية التي تسجلها النباتات في مواجهة الداء، وكانت الباحثة تنوي بحث الأمر بشكل تفصيلي، لكنها عدلت عن ذلك بناءً على توجيهات مرشدها الأكاديمي الذي نبهها إلى ضخامة حجم رسالتها التي أُعدت لنيل درجة الماجستير، لذلك فقد يكون هذا الجزء من البحث محور أطروحة الباحثة لنيل درجة الدكتوراه في إحدى جامعات العالم في حال تمكنت الباحثة من الحصول على منحة كاملة لإنجاز البحث. تحفظ شديد ومع أن الباحثة تحفظت كثيراً في الإجابة على بعض التساؤلات الخاصة بظروف إعداد رسالة الماجستير القيمة نظراً لإحساسها كما لمسنا ذلك بالتجاهل من المؤسسات المفترض بها تقديم الدعم المالي والمعنوي للباحثة، لكنها اضطرت تحت وطأة الإلحاح إلى الإجابة باقتضاب عن بعض تلك التساؤلات فكشفت أنها تحملت تكاليف الحصول على العينات المختبرية البالغة 512 عينة من منطقة الدراسة، وفحص تلك العينات في مختبرات مدينة تعز، ولم تتلقَ دعماً من أي طرف، باستثناء دعم خالها، وبالتأكيد فتكاليف إنجاز تلك الفحوصات المختبرية في المختبرات الخاصة مرتفعة وباهظة وتثقل كاهل الباحثة، والأدهى أن عملية فحص العينات ترافقت مع ظروف شديدة الصعوبة، حيث كانت الباحثة تأخذ العينات من مديريتي شرعب الرونة والسلام، وتذهب بها إلى المختبر داخل مدينة تعز، بما يعنيه ذلك من مشقة السفر في ظل الظروف الاستثنائية الصعبة التي شهدتها محافظة تعز في العام 2011. أمنيات وآمال الباحثة التي أنجزت بحثها العلمي الهام يقتضي توفير الدعم من الجهات المعنية، ولذلك فإن الباحثة دعت إلى الاهتمام بهذا التخصص لما من شأنه الإسهام في تخليص اليمن من هذا الداء الخبيث حيث قالت: بحمد الله أنجزت بحثي ولديّ أمل أن أنجز البحث الآخر في اكتشاف العلاج الخاص بمكافحة الداء عبر النباتات الطبية المتوفرة في بلدي، وأتمنى أن ألمس من مجتمعي الدعم والتقدير لكافة خريجي قسم الميكروبيولوجي باعتباره عالم واسع أسهم الاهتمام به في تقدم البلدان المتطورة في جميع مجالات الحياة، وللأسف ما زلنا في اليمن نعاني من محدودية الثقافة الخاصة بأهمية هذا العلم، لذلك أدعو إلى تمكيننا من نشر هذا العلم والاستفادة منه لننهض ببلدنا ونقوي اقتصادها، عبر توفير كافة متطلبات البحث العلمي للمتخصصين في الميكروبيولوجي، وأوجه رسالتي لكل من يحب وطنه أن اعمل على تشجيع العلم وخاصة طلاب الدراسات العليا بجميع النواحي معنوياً ومادياً وعلمياً وعدم إحباطهم، وشكراً لصحيفتكم وأتمنى للجميع الصحة الدائمة. الوقاية وبانتظار النتيجة التي سيسفر عنها بحث الدكتورة أسماء محمد عن العلاج الطبي، فإن باب الأمل ما يزال مفتوحاً حيث أن بالإمكان أخذ الاحتياطات اللازمة للوقاية من عدوى اللشمانيا، فعند الذهاب إلى الأماكن التي تنتشر فيها ذبابة الرمل يجب لبس الملابس التي تغطي أجزاء الجسم أو لبس الحذاء الطويل، واستخدام الكريمات الطاردة للحشرة، واستخدام ناموسيات واقية خاصة بحشرة ذبابة الرمل، والقضاء على القوارض، ورش المبيدات الحشرية للقضاء على حشرة ذبابة الرمل. لكن هذه الاحتياطات البسيطة لا تعفي الحكومة اليمنية من القيام بدورها في دعم الباحثين عن العلاج والمساهمين في الكشف عن حالات الإصابة للقضاء على المرض الذي بات انتشاره يهدد الأجيال الحاضرة بالتشوهات الخلقية الكبيرة التي تعرضهم للكثير من المتاعب في الحياة. الجمهورية نت