لم يجد أسعد ذو السبع سنوات وقتا للعب... فكل وقته يقضيه هنا في النبش وسط أكوام القمامة الهائلة التي تجمعت من كل أرجاء مدينة تعز لتشكل هضابا ومنخفضات منذ 30 عاما. حاول اسعد الذي لم تتح له فرصة الذهاب إلى المدرسة سرقة بعض الوقت عند الظهيرة عندما تتجمع الأسرة داخل الكوخ لتناول طعام الغداء الذي غالبا ما يكون بقايا فتات تم جمعها من داخل أكوام القمامة. اخذ اسعد يتنطط في الهواء محدثا صراخا في الفضاء كمن يبحث الحرية والطعام في آن واحد.. لم يجد شيئا يلهو به غير كرة مطاطية مفرغة من الهواء يركلها بصعوبة وعنف في صورة تعكس حجم العنف الذي يتعرض له الطفل في بلادنا بشتي صوره الجسدي والنفسي والبدني. القادمين والمغادرين إلى مدينة تعز يمرون من هنا يوميا بسياراتهم التي تقل عادة أمراضا صعب توفير الشفاء لهم في مشافي القرية فلجئوا إلى المدينة ليريهم مقلب تعز شتى صنوف العذاب. اسعد وآخرون كثر أصيبوا بمرض الربو المزمن نتيجة استنشاق تلك الروائح الكريهة طيلة سنوات ممتدة منذ السبعينات وحتى اليوم.. تلمس ذالك من أحاديثهم المتقطعة وأنفاسهم الضيقة فيما سجل المختصون حالات كثيرة لمرضى بالسرطان تم نقلها من ضواحي مقلب تعز إلى مركز الأورام بالعاصمة. ليس دهشا هنا أن تجد بائع العصير والخضروات والفواكه يتجاورن جنبا إلى جنب في تحد واضح للصبر والعذاب الذي تحمله سحب الدخان المتطايرة في سماء المنطقة والتي أصبحت فنارا يستدل به على المدينة الحالمة، كل ذلك يحدث بحماية قانونية وبإشراف السلطة المحلية. ضابط امن المقلب قال إن دوره هنا كحاكم لهذا العالم الذي يقطنه ويعمل فيه أكثر من 400 شخص معظمهم من الأسر( المهمشه).. فالنزاعات التي تحدث كثيرة بين العاملين في المقلب وكل يريد الظفر بنصيب الأسد مما تحمله له شاحنات القمامة التي تزورهم كل ساعة حاملة لهم بقايا الإنسان والحيوان وما خلفته الطبيعة.. قتال يومي في سبيل البقاء.. 500 ريال هو حصاد عمل يوم كامل في هذا المقلب الذي بدى العاملون فيه مستميتون في الدفاع عنه فالموت في المقلب مرضا خير لهم من الموت خارجه جوعا. أما عاقل المقلب فقد بدا هو الآخر مدافعا عن المقلب فقد ارتاب من عملنا موضحا إن كل شيء تمام هنا والناس في أحسن حال. مقلب قمامة تعز قلب حياة الناس إلى جحيم.. هنا أصبح الكل في مساواة مطلقة.. الإنسان والحيوان والطيور والجرذان، فالكل يعيش من ريع خيرات المقلب ومخلفاتها , فمنذ الصباح الباكر يسارع مدهش قائد إلى المقلب لينبش رزق يومه من مخلفات أفرغتها الشاحنة القادمة للتو من المصانع المجاورة ومن مداخل المدينة وحاراتها فلعله يجد خشبا وكرتونا يبتاعه على أشخاص يقومون بجمع مخلفات الأخشاب والحديد والكرتين لتصديره إلى الخارج وربما يعثر على دراهم وذهب على حد قوله , يستيقظ عند الساعة السادسة صباحا ليبعث في نفسه أملا يواجه به يومه الذي يمتد ل12 ساعة داخل المقلب فأسرته المكونة من 7 أفراد يعملون معه بجد وتنافس ويعودون إلى كومتهم التي نصبوها داخل المقلب مطلقين لأيوب طارش صوته الشجي من جهاز التسجيل الذي يملكونه ليسمع من كان حاضرا من الطير والكلاب والأبقار والجرذان الذين يملئون المكان. تركت الطفل أسعد وأمه وأبيه ورفقائهم ال400 شخص في ظروف غير أمنة بانتظار شاحنة قادمة من المدينة تحمل لهم أملاً جديداً يقامون به ظروف العيش الصعبة- ولو كان مصدر ذلك مقلب قمامة تعز..!!!