كنا ثلاثة لا نفترق إلا عندما نختار خلوتنا. كل واحد منا كان كظل للآخر. أنا، سليمو و حيران. صاحبي سليمو يسخر مني و يصنع نكته على مقاسي. يعجبه أن يقول لي دائما: أنت لا تقدر على تذوق الجسد الأنثوي لأنك لا تملك الحواس الخمس. أمرك لا يتماشى مع روح اللذة. كنت لا أرد و أحيانا أكتفي بابتسامتي إرضاء لشهواته و إثارة لقهقهاته التي يملأ بها الدنيا. عندما أخرج لقضاء حوائجي يرافق ظلي ويلبس خطواتي .وعندما لا يقدر على مسايرة أنفاسي، أتركه منعزلا ووحيدا حتى يناديني بصوت مبحوح : قف يا بو الفراقش . أنت لئيم. كنتأحاول أن أسرع في مشيتي حتى لا يزعجني بكلماته الخاوية. أعرف أنه مصاب بالربو. في تلك العشية يعود إلى مكانه المعلوم ليقابلني و يبدأ في سخريته من جديد. اليوم لدي سر جديد سأحكيه لكم. كان يقولها بشغف و كأنه يتوفر على كنز عظيم يخاف على فقدانه. أنا و حيران كنا ننصت إليه في ذهول. أجبته بسؤال أغرب من كلامه: و ما الداعي الى كشف المستور ؟ ينطق بلا تردد: أنت مصاب بعجز تجهله منذ مئات السنين. كل نساء الحومة يقلن أن مرضك محسوس و ليس بملموس. وكعادتي أغير اتجاهات النقاش حتى لا أسقط في لعبة تغتال زمني و تحولني إلى دمية. كان ينظر إلينا صاحبنا باستغراب شديد ثم يسترسل: لماذا تسكت و تلتزم هدوءك الناري. نحن في حاجة إلى ردودك التي تقهر بها المغبونين. كنت أختنق و لا أرى أمامي سوى الضباب الذي يحول الوجوه أمامي إلى ركامات من الصور البهلوانية ...رفعت رأسي من جديد. حاولت أن أمسك نفسي الهاوية. وقلت: لا تعتقد يا سليمو أن مبدأ اللذة واحد. الإحساس بالنشوة ليس هو النشوة. ففكرة الحمار ليست بليدة. أعرف انك تريد أن تزعجني و تقض مضجع راحتي لكن لن تقر على تحويل نبالي. أنت لست برجل و لا تقبل بحقائق الأمور. ضحكت حتى بدأت أرنبة أنفي تسيل دما. أجبته: لقد فاتك قطار الحكمة. فالفرق بين الرجولة و الذكورة كالفرق بين السماء و الأرض. الكثيرون هم ذكور لكن... حيران لم يكن سوى ذلك المراقب العجيب لحوارنا الدوغمائي . نهض. تردد لحظات قبل أن تعصف كلماته النارية بأحلام سليمو. سليمو ،أنت لا تحب الأزهار و تكره من يشمها. أحيانا أراك كطير الليل يحلق فوق ذقون الجثث عندما تفتح نوافذ الإنارة ليلا. كنا نطلق على حيران مجنون الكلمات. ألفاظه و هوسه كالرصاص يخترق رؤوسنا بدون أن نفقد لذة الحياة. حيران مهووس بلعبة التشبيه. قلت له و هو يغرس نظراته في نظرات سليمو: لماذا يستمر السوء و نتمسك بآلهة مزيفة ؟ اعلم يا صاحبي أنه من أساء فبسبب بطنه. لم أفهم لغة البطن و السوء. تجاعيد وجهي تنبئ بجهلي لكلماته. تكلم ثانية بصوت مغاير. كل اللصوص و حكام الإساءة على الأرض تتقادفهم أمواج حرف الطاء . انبهرت حتى شككت في امر صاحبي ن ربما رأسه داخ. وضع يديه الدافئتين تحت دقني ثم رفع رأسي إلى الأعلى قائلا : كل الناس لا ينظرون إلى الوجود وهم غير عبيد لتبعات حرف الطاء ، يتلهفون وراء الطاجين وهم طامعون في اشياء كثيرة بما فيها الأحلام و يعتصرهم الم ما تحت سرتهم . كانت هذه الكلمة الأخيرة التي اسمعها قبل أن استيقظ من أحلامي على إيقاع دقات المرحومة و هي تعد لي كأسا من الشاي المنعنع. كنت خائفا على نفسي و لا أريد أن أكون كقطعة قماش تتقاذفها أمواج لغة الطاء . محمد نبيل كاتب مقيم بكندا [email protected]