- 1 - عند آخر الطريق الطويل المتفرع منه ثلاث طرق مؤدية إلي الجبل .. استدار ليرى ذلك الطريق خلفه.. الأرض تبدو قاحلة بجانبه .. لاناس ، لاشجر، لا حيوانات ولا سيارات.. أدار جسده إلى الأمام مرة أخرى .. ابتسم أخذ هواء وزفرة إلى الخارج بقوه كمدخنة قطار ، بعد ان راق له منظر الطبيعة الخلاّب والمساحات الخضراء المزروعة بين الطرق الثلاث المتجهة الى الجبل تزينها أشجار النارجيل الشبيهة باشجار النخيل وكان الجبل يبدو مبتسماً. يا ترى كم مضى من الوقت ؟ كم الساعة الآن؟.. لايعلم شيء بسبب ذلك الضباب الكثيف، وكذا حبات المطر المتساقطة أمامه تجعل الطريق واضحاً كلوحة فنان رسمها من خياله وأبدع فيها.. نظر إلى الطرقات الثلاث المتجهة صوب الجبل وكأنها أذرع ممتدة إليه .. في أي واحدة يسير.. .. حاول أن يخطو خطوة .. لكن جسد امرأة جميلة وقف موازياً له هادئة مبتسمة . راحت عيناه تزوغ وتتمعن في ذلك الجسد الفاتن ذي اللون البرونزي. حاول أن يفتح فمه.. وضعت أصابعها عليه قائلة لاتقل شيئاً دعني أتكلم أنا .. لقد ملكت قلبي وعقلي منذ زمن بعيد ولم أستطع سوى التفكير بك وحدك .. حزنت كثيراً عليك عندما أخبرت أصدقاءك انك لن تحب أبداً ولن تتزوج الا امرأة تحبك .. راقبتك مراراً وأنا أراك تنتقل من مكان الى آخر باحثاً عن حب صادق وفي كل مرة تعود خائباً .. يائساً .على كل حال لا أريد ردك الآن . انتظرني هنا يوم غد .. لا أريد منك إلا أن تكون لي وحدي وبالمقابل سأقف بجانبك وسأحقق لك كل أحلامك .. الي لقاء. ولكن… انتظري. الي اين تذهبين؟ ..مااسمك؟ ..يا امرأة!! … انصرفت لتتركه في حيرة .. من هي؟ لماذا هو؟ ماهذا الشعور المختلج في صدره.. في اليوم التالي التقيا .. كانا يسيران متشابكي الأيدي على الطريق الاسفلتي المبلل بقطرات المطر وبجانبهما كان يسير الفرح يزفهما .. وضع يده حول كتفيها، امتلأ سعادة كالبئر التي هجرها المطر والناس يوماً وعاد اليها مجدداً. قالت: ماذا قررت ؟ قال: أن أكون معك .. ولكن ماذا عن أسرتك هل ستخبرينهم ؟ قالت: لايهم!! قال: وماذا بشأني كيف سأخبرهم؟ قالت: لاداعي لذلك لاننا سنعيش في مكان آخر لايعرفنا فيه أحد. قال: وماذا بشان عقيدتك .. هل ستغيرينها؟ قالت: نعم .. كل ماتريده سافعله. قال: سؤال واحد أريد الاجابه عليه أأنت من كان يأتيني في الحلم ويستنزف طاقتي طيلة السنوات الخمس!؟ قالت: نعم.. قالت: وانا لدي طلب قبل اتمام الزواج وهو ان تخبرني إذا عدت من العمل مبكراً قبل أن تصل إلى البيت. قال: لماذا؟ قالت: حتى أستعد لاستقبالك وأتجمل لك !! لااريد أن تراني إلا جميلة. ابتسم وهم باحتضانها قائلاً: ياحبيبتي… ياحبيبتي. - 2 - منزل كبير مكون من ثلاث شقق في حي شعبي وأمام مقهى مشهور لشرب الشاي في مدينة كريتر. يخرج من منزله .. عيون تتغامز عليه عند ذهابه وعودته وحديث رجلين يدور: يزعجني هذا الرجل .. فمنذ أن سكن في هذه العمارة وهو يتحاشى الحديث مع الناس ربما أنه عانى بسبب ذلك أو لأنه لا يحب الاختلاط رجل غريب الأطوار الا ترى ذلكليس ذلك فحسب بل اسمعه دائماً في المنزل والسيارة يحدث نفسه ويرسل قهقهاته الى خارج المنزل. يقولون إنه تزوج قريباً وزوجته لاتغادر البيت لانها فاتنة.. تزوج قبل ثلاثة أشهر وكان في بداية زواجه يلقي علينا التحية إذا مارآنا أما الآن فربما عيون الحساد أصابته!! أم تراه الغرور والمال! في اليوم التالي رأوه يعود مبكراً وهو الذي تعود أن يعود قبل منتصف الليل بسبب أعماله الكثيرة. قال أحدهم: انظر .. يبدو أنه متعب يغلق باب السيارة بفتور .. ينظر الى منزله من أسفل الى أعلى وكأنه يراه لاول مرة .. يتمنى أن يتجاوز كل تلك الدرج ليصل الى شقته في آخر دور.. صوت يخرج من داخله قائلاً:كنت كالحصان الجامح .. ماذا جرى لك .. أصبحت مثل عربة الحمار لاحول لك ولا قوة.. يستمر في تخطي سلم العمارة.. يحدث نفسه مرة أخرى.. لقد ارهقتني .. لابد أن أنظم حياتي معها .. وصل إلى باب الشقة .. وضع المفتاح في القفل بهدوء حتى لايسبب إزعاجاً لزوجته وهي نائمه ..أداره ربما كانت نائمة . دخل غرفته لم يجدها عاد.. سمع صوت ماء الحنفية وغناء زوجته ردد بصوت خافت ياه ما أجمله من صوت يذكرني بصوت الكروان .. اتجه الى الحمام ولكن سرعان ماانطلق كالبرق صارخاً يامسلمين .. أفعى ضخمة . فتح باب الشقة .. استغاث مرة أخرى .. الشارع خال.. عاد يصرخ يامسل…… أمسكت بقميصه من الخلف وسحبته بقوة قائلة له: ( ألم أٌقل لك أن تخبرني إّذا عُدت !!!أزاح الغطاء من على وجهه ..جلس.. نظر حوله وهو يرتجف من الخوف.. أخذ نفساً عميقاً .. صمت لبضع دقائق .. ثم ابتسم و أطلق لقهقهاته العنان لتتجاوز حدود الشقة فعلاً كان كابوساً فظيعاً!!!