إذا صح ما نسب إلى وزير الخارجية أبو بكر القربى بأنه حذر بأن اليمن إذا لم تتلق دعماً على جميع أصعد ومكونات الدولة (الإقتصاديه, الاجتماعية, السياسية... ستتحول إلى دولة فاشلة, إذا صح ذلك، وهو صحيح على الأرجح- فإن ذلك يقدم اعترافا ضمنياً بأن تقصيراً هنا وهناك لابد أن يكون قد جرى؛ جعل موقع البلاد من الفشل قاب قوسين أو أدنى. اليوم وقد حصل المراد, وجاء مؤتمر لندن ليقدم الدعم غير المشروط الذي تمناه مسئول السياسة الخارجية الأول, فإن السؤال ليس كيف نضمن ألا يتعرض هذا الدعم للنهب والسلب, فهذا من الصعب بمكان بسبب الرقابة الأممية والإعلامية التي سلطت على اليمن في الشهرين الأخيرين, والتي ستكون مسلطة على هذا الدعم لتشاهد الفرق عن طريق مخرجات تنموية, قابله للقياس وللمقارنة بما كان ولا تقبل التلاعب أو الاستهبال.. لكن السؤال الأهم الذي يفترض أن ينبثق من مصطلح (الدولة الفاشلة) هو: من يحاسب الفاشلين؟ وقبله: منْ هم الفاشلون الذين كادوا يسلمون دفة اليمن إلى براثن الفشل الذريع؟!! ليست الظروف والتحديات والإرهاب, في أيٍ من الأمثلة للدول الفاشلة التي سمعنا عنها, هي التي كانت وراء حصولها على شهادة الفشل, بل الفاعلون, الفاشلون... ربما أن الفاعلين الأخرين (الفاسدين) هم المستحوذون على الساحة والاهتمام الإعلامي؟ وربما أن هناك بعض الالتباس في التفريق بين الفاشل والفاسد, لوجود العلائقية بينهما. وهنا أسأل القراء الكرام: هل الفاشل قبل الفاسد أم الفاسد قبل الفاشل, أم أنهما وجهان لعملة واحده...؟ بعيداً عن ذلك يبقى الفشل مفهوم يحتاج للبحث والتعريف ويبقى الفاشل شخصا جديرا بالاهتمام في هذا الوضع اليمني التي أقنعت تحليلات عديدة منها تحليل البنتاجون الأمريكي والدوائر البريطانية, أقنعت شخصاً كوزير الخارجية اليمني أن يقر بأن مآل الدولة صائر إلى الفشل إن لم يساعدونا ويأخذوا بيدنا!! دعوني أضرب بعض الأمثلة على الفشل في الأداء الحكومي وعلاقته بالفساد, ولنبدأ من المستويات الدنيا: حين توقف وزارة الخدمة المدنية التسويات الخاصة بالموظفين بغير سند قانوني, لا تستطيع الوزارات والمؤسسات الحكومية أن تسوي أوضاع موظفيها, إلا البعض, وبواسطة قوية.. أليس هذا فشلاً؟ ثم الموظفين يستسلمون لهذا القهر الإداري، أليس فشلاً في الحصول على الحقوق؟ ثم الاتجاه إلى فساد الرشوة المنتشرة في اليمن انتشار النار في حريق هائل، أليس إبناً شرعيا لهذا الفشل!؟
دعوني أضرب مثلا على شخص فاشل، والمثال هنا هو المستشار الألماني في أواخر تسعينيات القرن الماضي (هلموت كول)، فالرجل حقق منجزاً هاماً وهو توحيد الوطن الألماني, ولكنه فشل (بتشدد الشين المفتوحة) نفسه وفشل حزبه حين مول حزبه بخمسة ملايين فرنك من طريق غير قانونية فسقط في الانتخابات سقوطاً مدوياً لأن الألمان لم يقبلوا أن يكونوا شعباً فاشلاً ليختاروا الفاسدين.. إذا فالفشل والفساد يكادان لا يفترقان..! إذاً الفشل عدو لا يقل خطورة عن الفساد لأنه تؤمه, فهل بقي أن تشهر (الهيئة العليا لمكافحة الفشل!!) الخوف أن تلقى هذه الهيئة المصير الذي صارت إليه أختها هيئة الفساد وهو الشلل و(الفشل)..؟
إذا كانت الصورة كذلك, فلمعشر القراء رياضة قد تكون مفيدة ووقائية من السقوط في بحر الفشل اللجلج الذي صرنا على شطآنه, فليسمي كل واحد منا فاشلاً يعرفه، مسئولا في عمله مثلاً, خصوصاً وأن الاتهام بالفشل ليست جريمة يعاقب عليها القانون.. وأظن أن هذا واجب علينا لأن بعض الفاشلين هم كذلك، ليس لإمكاناتهم بل هم فاشلون مع سبق الإصرار والترصد!! هيا لنسمي بعضهم، وليكونوا حتى من أقرب الناس إلينا.. قال المتنبي قديماً: وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنور والظلمُ