كم هو من المؤسف أن نسمع عن وجود أناس بيننا كانوا سببا في قطع أرزاق غيرهم من الناس بسبب كونهم يحتلون مناصباً عليا رفيعة هم لا يستحقونها أساسا، وأن استيلاءهم عليها قد حرم منها أناسا آخرين هم أحق منهم بها وأجدر!! إن من يرى ذلك بعينه سيدرك فعلا أنه للأسف قد وصلنا إلى الزمن العجيب الذي انتحرت فيه العدالة، وأننا قد بلغنا الزمن الذي ماتت فيه الكفاءة، وسادت فيه الواسطة والمحسوبية، وتحطمت فيه كل آمال وأحلام البسطاء المسروقة حقوقهم، وخاصة بعد أن استوى في هذا الزمن الذين يعلمون والذين لايعلمون، واستوى الذين يعملون والذين لا يعملون، واستوي الذين بفقهون والذين لا يفقهون، وبعد أن أصبح الجاهل هو من يتحكم بالمتعلم، وأصبح الأعمى هو من يقود المبصر!! كم أشعر بالحزن، وكم يعتريني الأسى والأسف؛ حينما أرى إنسانا كان مجتهداً حصيفاً، متوقد الذهن حاد الذكاء سريع البديهة يمر من أمامي وهو في منظر بائس حزين يدعو إلى الشفقة؛ يمشي مطأطئ الرأس ذليلا منكسرا مكسور الجناح، داخلا في نفق مظلم، يعاني العوز والفقر والفاقه والحاجة، ولا يجد أمامه فرصة من فرص العيش الكريم كباقي البشر!! ليس لتقصير أو لتكاسل منه، وإنما لكونه أصلا من عائلة فقيرة بسيطة لا تجد قوت يومها، ولأن ذنبه الوحيد الذي اقترفه في دنياه أنه قد ولد في زمان غير زمانه، وجاء الى الدنيا في مكان خاطئ ليس مكانه، ولكونه وجد نفسه ينتمي لأناس بسطاء لم يختارهم هو بنفسه، ولأنه كان قبل أن يولد قد نسي بدون قصد منه أن يولد بدون أن يضع في فمه ملعقة من ذهب! وكم أصاب بالفزع حين أرى إنسانا كان يوما ما شعلة مضيئة من الذكاء، و نارا متوقدة في الإبداع الخلاق، وعلما مرفرفا في طرح الأفكار البناءة، لكنه وجد نفسه مجبرا مضطرا على أن يقف على ناصية شارع ليبيع بطاقات اليانصيب، أو يمر بين السيارات مزاحما اياها ليبيع محارم ورقية أو... أو... أو..، باحثا عن رزقه وقوت عياله من خلالها!! وكم أصاب بالجزع وأشعر بالدوار حين أرى شخصا كان عقله يوما ما، يزن بلدا بكاملها من شدة علمه ونبوغه وحكمته، ثم أجده يمشي في الشارع ممزق الثياب رث الهندام منكوش الشعر كئيب المنظر، يهذي كالمجنون باحثا عن الذين سرقوا منه عقله في غفلة من الزمن، وباحثا عن الذين سرقوا منه حقه في العيش الطبيعي كإنسان له كافة الحقوق في هذه الحياة!! وعلى النقيض نفسه مما سبق، فإني كم أتألم وأشعر بالإختناق والمرارة والرغبة في التقيؤ حين أرى إنسانا آخر من المحظيين والمقربين والمحسوبين، والمعروف عنه أنه من أكثر الناس غباء وحماقة وسفاهة وانسدادا في تلافيف المخ، ومعروف عنه أنه من أكثر الناس تناحة وسذاجة وصفاقة وتسكيرا في قنوات الدماغ، ومعروف عنه أنه بالكاد يستطيع أن يفك الحرف أو بالكاد يقدر أن يمسك القلم، ومع هذا نراه يحمل بيده المال والسلطة والسطوة والجبروت، ويقوم بشراء الشهادات العالية والذمم والضمائر، ومن ثم يقوم بحمل الألقاب والمسميات التي لا يحلم بها حاملوا شهادات نوبل أنفسهم، واضعا لنفسه لقبا أطول منه بكثير قبل ذكر اسمه، ثم نراه بين ليلة وضحاها وقد أمسى مشهورا وأصبح له شأن وقيمة، وأصبح صاحب مركز في المجتمع، يحل ويربط، ويأمر وينهى، ويشطر ويمطر كما يشاء، قائلا في نفسه: (يا أرض انهدي ما حدا عليك قدي)!! وكم يعتريني العجب وأسمع العجاب حين أرى بعض أصحاب التصريحات الصحفية وأصحاب المقابلات الإعلامية المدفوعة الأجر سواء كانت التلفزيونية أو الإذاعية، وهم يتلعثمون في الكلام، ويقومون بنصب الفاعل ورفع المفعول وجر المبتدأ وبهدلة الخبر، وليس هذا فحسب، بل تجدهم يتشدقون ويتبجحون ويلعلعون بلا فكر ولا منطق ولا حجة ولا حتى لغة حوار مفهومة.. ومع هذا فقد أصبحوا بقدرة قادر وبجرة قلم؛ من الشخصيات البارزة، وأصبحوا فجأة من غير سابق ميعاد من أصحاب القرار، ومن الذين يتم مشاورتهم في الأمر ويؤخذ برأيهم، ومن ثم يصبحون من الذين يسند اليهم العديد من المناصب الهامة المختصة بإدارة الثروات والمقدرات المتعلقة في شؤون البلاد والعباد!! وكم أصاب بالدهشة والذهول والانصعاق حين يتم الترويج والتلميع لشخص ما إعلاميا عن مكنوناته ومميزاته ومواهبه الفريدة وعبقريته الفذة، ولكنك حينما تقترب منه أكثر؛ تكتشف أنه (فشنك فاضي) وأنه ليس سوى إناء فارغ من المحتوى والمضمون، وأنه مجرد شخص مصاب بعقله بنوع من الأنفولونزا التي تم اكتشافها مؤخرا والتي تسمى أكرمكم الله "انفولونزا الحمير"!! والتي كنت قد كتبت عنها سابقا. وللأسف الشديد، إن هذه الأمثلة من التي ذكرتها أعلاه، وغيرها من التي لم أذكرها والتي لا يسعفني الوقت لذكرها ما كان لها أن توجد ولا أن تتواجد ولا أن تكون إلا فقط في ظل زمن اختلال القيم وانقلاب المعايير واعتلال الموازين ووجود التفرقة بين فئات المجتمع. • جمهورية الصين الشعبية بكين [email protected]