يروى أن أحد الملوك أوعز إلى أحد الكتاب أن يجمع له مؤلفاً شاملا مفصلاًً عن التاريخ. فذهب ذلك الكاتب وعاد بعد عشر سنوات ومعه من الكتب حمل بعير. فقال له الملك: أنت ترى ما نحن فيه من الانشغال بأمر السياسة وتصريف شؤون الرعية فاذهب واختصر لنا هذه المجلدات. فذهب الكاتب وعاد بعد عام يحمل خمسة مجلدات. فقال له الملك: إنني على هذا العمر غير قادر على قراءة هذه المجلدات كلها، فلو جمعتها في مجلد واحد لسهل قراءته، فغاب الكاتب ليختصر تلك المجلدات ثم عاد بعد عام ومعه مجلد واحد، فوجد الملك على سرير المرض وقدم له الكتاب. فقال الملك: أنت تعلم أنني على فراش الموت فأوجز لي ما في هذه الكتب. فقال الكاتب: "وُلِدُوا وعاشوا ثم ماتوا". خلاصة دقيقة لزمن طويل توقف عند هذا الملك.. وتبقى عجلته دائرة: " ولدوا وعاشوا ثم ماتوا .. أريد أن أقول: إن الإنسان الراكب على ظهر الزمن قد لا يحس بالتغيرات التي يحدثها الزمن في حياته المادية والفكرية والثقافية، فقد يفعل الزمن فعله في جسمه ويحفر أخاديد رهيبة في وجهه الناضر دون أن يشعر بذلك، رغم أنه ينظر إلى وجهه في المرآة كل صباح ويظن أنه باقٍ على ما هو عليه لم يتغير. لو قابلك إنسان غاب عنك بضع سنين لم تره فيها فستأخذه وتأخذك الدهشة وهو يصف لك التغيرات التي طرأت في ملامح وجهك وشعرك وشكلك؛ سيدرك ذلك الغائب تلك التغيرات ويتأملها آخذاً تأوهات عميقة وهو يسترجع الذكريات التي أحالتها الأيام إلى تجاعيد في خدودك، وخطوط محفورة على جبينك.. أو حتى غلظة وسمنة في جسمك.. كما تلحظ أنت فيه مثل ذلك.! أما لو عاد الإنسان إلى صوره الفوتغرافية التي التقطها قبل عشرين سنة في مواقف حياتية ومناسبات جميلة لازدحمت في رأسه الخيالات، ولخنقته العبرات نتيجة لما سيجده من تغيرات وفروق هائلة بين تلك السنين الخوالي، والآن الذي يعيشه! هكذا هو الزمن.. وهكذا هو الإنسان؛ يظن أنه واقف لا يتحرك بينما هو في الحقيقة كتلة من الدقائق والساعات والأيام، تحترق باستمرار دون توقف فتحترق معها خلاياه وتشيخ، وتتآكل أعضاؤه في تدرج نحو الفناء المحتوم: كلُّ منْ عليها فانٍ * ويبقى وجه ربك ذو الجلال ولإكرام الرحمن 26، 27. ولعل فطرة متأصلة في الإنسان تجاه مرور الزمن عندما يغض الطرف عن ذلك، تجعله يتعالى على واقعه الزمني.. حتى على مستوى الأجيال.. يدعي كل جيل لاحق بأنه أفضل من الجيل السابق، وأن مستوى الأجيال السابقة أقل من مستوى الأجيال اللاحقة في كافة شؤون الحياة.. ويُتناسى أن الكل متساوون في دائرة الزمن. وقبل أن يبلغ الإنسان الأربعين من عمره يحس أنه لا زال صغيراً تنتظمه حياة الشباب.. وبعد أن يتجاوز الأربعين يجعل نفسه في عداد الكبار؛ فيحدثك عن معايشته لأحداث بعيدة، وأنه شهد واقعة كذا وواقعة كذا في الماضي القديم! ولعل هذا الجانب النفسي يستوحى من قول الله عز وجل : وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ الأحقاف15. والآية تتحدث عن سياقات زمنية لبداية وجود الإنسان وفضل والديه في إنفاق جزء باهض من عمرهما لأجله، فهاهو يبلغ قمة الهرم الزمني للنمو الخلْقي والكمال الخلُقي؛ أربعين سنة يكون فيها ناضجاً في قواه الجسدية والفكرية.. بعدها يتجه إلى الانحدار نحو الضعف والتناقص.. كما أن في الآية تنبيهات عميقة نحو العمر الزمني لهذا الإنسان، في وصله بوالديه، وتواصله في ذريته. مساحات زمنية: من طبيعة الزمن أنه لا يحابي أحداً فهو - كما قيل - نهر يتدفق في مجرى الحياة لا يستطيع أحد احتكاره، مَثَلُه كمثل الهواء أو الماء.. وكل يأخذ منه ويكسب.. غير أننا نرى الزمان يبخل على الكثير ويحصرهم في أضيق الزوايا، بينما يُفرد مساحات واسعة من صفحاته لبعض الأفراد والجماعات والأجيال – سواء في الجانب السلبي أو الجانب الإيجابي – ففي الجانب الإيجابي مثلاً نجد الأنبياء قد أفرد لهم التاريخ مدداً زمنية طويلة امتدت لأجيال وأجيال بعد مماتهم، فقد كانوا أحرص الناس على استغلاله وزرعه بتعاليم الحق الإلهي الذي يوجه الإنسانية إلى الخير والعدل والسعادة، ولذلك لا زال ذكر هؤلاء الأنبياء قائماً إلى أن تقوم الساعة: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي اَلأيْدِي وَالأبْصَارِ ص45. وقال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً مريم51. وقال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً مريم56. وهكذا الأنبياء كلهم حتى محمد وأصحابه العظام الذين كانت لهم مساحة أوسع في البناء وتعمير الحياة وهداية بني الإنسان: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً الفتح29. وفي الجانب السلبي نجد أفرادا وأمماً كانت لهم جولات في الزمان؛ مثل عاد وثمود وفرعون وهامان وغيرهم قال تعالى عنهم: وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ* وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ* فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ العنكبوت: 38- 40. وهناك الكثير من الأفراد والجماعات قد تركت مجراها الزمني لغيرها، بل هناك من قدم عُمُره هديةً لقادة الضلال فكان رافداً زمنيا لأولئك، ليعيش هؤلاء في فراغ الزمن، كما فعل أتباع فرعون وغيرهم قال الله تعالى، يقص خبرهم مع فرعون: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ الزخرف54 ونظائرهم في التاريخ كثير: وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ العنكبوت43. إن اللحظة الآنية التي يعيشها المرء هي زمنه التي لا تحتمل أي تأخير أو توانٍ، فهي في مسير متواصل، وعلى ذلك فالمستقبل كله يسعى فتلفه اللحظة ليعبر نحو الماضي، فيضيع على الإنسان ما لم يكن هناك إعداد واستعداد. قد يختلف الناس ويتباينون في الكثير من الصفات والشؤون والمواقف، غير أنهم لا يمكن أن يتباينوا في مسالة الندم على الماضي وعدم استغلالهم لما تيسر لهم من فرص زمنية في الإتقان والإجادة وفعل ما كان ينبغي أن يفعلوه. أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ الزمر56. وقال تعالى عن أناس سلكوا طريقا عوجا: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ الأعراف53. عند ذلك تصبح العودة إلى الماضي أمنية كبيرة يطلقها الخاسرون: وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الأنعام27. وجاء في الحديث:{ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ }. وقد عبر الشاعر الشيخ عن هذا الغبن وهو يقف في قمة عمره، ينظر وراءه إلى تسعين عاما من الماضي السحيق، فيقول: كأني وقد جاوزت تسعين حجة خلعت بها يوما عذار لجامي على الراحتين مرة وعلى العصا أنوء ثلاثا بعدهن قيامي رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى فكيف بمن يرمى وليس برام وأهلكني تأميل يوم وليلة وتأميل عام بعد ذاك وعام وهنا تظهر حقيقة منسية تتمثل في "زهرة الزمن" .. الفترة الثمنية الخصبة من عمر الإنسان، تلك الفترة التي يكون فيها فتيل الحياة متوهجاً بالقوة والشباب والآمال والإنتاج.. أما إذا تجاوزها الإنسان إلى مرحلة الشيخوخة والهرم، فلن يستطيع أن يفعل الكثير، فقد أصبح في مرحلة "النكس العمري"، وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ يس68. الزمن المفقود: لقد جعل الله تعالى الزمن عطاءاً من عطاءاته الجزيلة لبني الإنسان: وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ آل عمران140. كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً الإسراء20. فتجد أمما نهلت من هذا العطاء، وتصرفت في الزمن، فسبقت غيرها رغم عمرها القصير، وتجد أخرى قد تأخرت عنه وتماهى هذا العطاء بين يديها، ورحل ولم تستفد منه رغم عمرها الطويل.. هذه الصهيونية طائفة قليلة من اليهود تجمعت وخططت وعملت على استغلال الزمن فكونت دولة وحققت ثقافة قومية وتنمية اقتصادية وتقدما تكنلوجياً يفوق بكثير ما لدى العرب في هذه المجالات، ونحن نعلم أن هذه الطائفة اليهودية عبر القرون الماضية كانت في ضياع وتشرد وتيهان؛ تعيش على الفتات، أقليات بين القوميات المختلفة فتجمعت وأدارت الزمن، وواصلت العمل خلال نصف قرن، فسيطرت على الليالي والأيام والساعات والدقائق، فأصبحت على ما هي عليه الآن من قوة ونفوذ عالمي. لقد استفاد اليهود من الدرس القاسي الذي لقنهم إياه الزمن، فانتزعوا أنفسهم من هامش الحياة إلى صنع مستقبل صهيوني عالمي قد لا ننجح في الإفلات من سيطرته علينا إذا بقينا على هذه الحال وأطن أننا سنبقى إلى وقت غير قريب.. وفي الجانب المقابل نجد أن لدى كل شعب من الشعوب العربية متاحف للآثار والمعالم الحضارية القديمة، وهناك مساحات إعلامية كبيرة تتغنى بالمجد العريق.. لكن ذلك لم يغنِ شيئاً، ولم يُفد في الانطلاق والنهوض، وقد كان بإمكان ذلك الماضي أن يكون قوة دافعة في بناء المستقبل؛ قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يوسف:111. بكل أسف أصبح ماضينا نوعاً من التثبيط والفخر الكاذب والعبث.. دون النظر إلى البعد الحضاري في تلك الآثار. تخصيب الزمن: إننا نعيش اليوم في عالم مجنون يوزع الزمن إلى وحدات ضئيلة، فالثانية الواحدة تجزأ إلى مئات وآلاف الأجزاء. ويحدد لكل جزء منها عمل يشغله، وهذا دليل على النضج الزمني، وقد كان من الأجدر أن نكون عليه نحن أمة العرب، ذلك أن خطاب القرآن قد نبهنا إلى الحقيقة الزمنية والخطر الذي يحدث نتيجة إغفالها، قال تعالى: يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأبْصَارِ النور44. وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً الفرقان62. لا بد أن نتحسس موقعنا على هذه المساحات، أين نحن؟ على أن نحسب قبل فوات الأوان: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ فاطر37. إن المشوار الزمني الذي قطعته أمة العر ب منذ الاستقلال والتحرر، ومنذ أن اكتشفت الثروة النفطية الهائلة كان كافياً لوصولها إلى صفوف متقدمة في ركب الحضارة.. ولكن للأسف الشديد لا زالت حيث كانت.. والزمن راح وأصبحت المسافة بينها وبين المستقبل هائلة.. لم تستفد العرب ولم تفلح في استغلال تلك المكاسب وتلك المسافة الزمنية، وهانحن نرى جميعاً الآمال المستقبلية ذاوية، والأهداف تتراجع مع كل منعطف زمني يمر به العرب؛ بدءًا بعام النكسة 1967م، حيث هُزمت عشر دول عربية أمام دولة الصهيونية الناشئة. ومن ذلك التاريخ ضاعت الآمال فلم يستطع العرب أن يفعلوا شيئاً لفلسطين، وسقطت بغداد أخيراً لتنهي ما تبقى من أحلام وتطلعات لدى الشعوب... بينما النظام العربي يقف مدهوشاً ومرعوباً من الحملة التي تقودها أمريكا ودعوتها للإصلاح السياسي.. كيف يواجهها؟ وكيف يتأقلم معها دون أن يفقد مكتسباته في السلطة؟! إن الداخل العربي يعاني من خلل واضح يحبط كل تفكير في المستقبل، فمن السهل جداً أن تعثر أمريكا على مشكلة تحركها في هذا الشعب أو ذاك، كما هو الحال في سوريا ولبنان وإيران والسودان، وها هو العراق تحت أزيز الرصاص، ومشكلة الجماعات المسلحة تتفاقم وتتكاثر في الكثير من الدول العربية، والنزاعات الأهلية على قدم وساق في شعوب المنطقة.. والجانب الأمني متفجر.. والقرار السياسي يعاني على فراش التبعية، والعدالة غائبة والفساد الإداري والفقر والمديونية وسوء توزيع الثروة؛ كل ذلك يصول ويجول في مؤسسة النظام العربي الفاسد. وهذا ليس من قبيل المزايدة أو التشاؤم بل هي الحقيقة المرة التي لا يمكن تجاهلها، ولا ينكرها إلا غبي او متمصلح. أخيراً: إن عداد الزمن لا يمكن إيقافه، لكن من السهولة أن نتحكم فيه ونعمل بحسابه وتصريفه عبر قنوات عدة، ونجريه على مساحات واسعة، ونحرص على أن يستوعب الواجبات والضرورات المهمة، ونلغي – بشكل مؤقت – الاهتمامات الهامشية التي تبدده وتهدره، وتهدر معه الطاقة والجهد: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يونس5. أهم المراجع: 1- القرآن الكريم. 2- وحي القلم، مصطفى صادق الرافعي. 3- الإسلام وثقافة الإنسان، سميح عاطف الزين. 4- الموسوعة الإلكترونية "المكتبة الألفية للسنة النبوية، إصدار مركز التراث". أستاذ مساعد - جامعة حضرموت كلية التربية سقطرى [email protected]