ليس الزمن شيئا واحدا ولكل ذات زمنها الخاص.. رغم أن الزمن واحد، فمن منا لم يداهمه الشعور بأن العمر لحظة.. أو من منا لم يقع أسير الشعور الوهمي بالخلود.. فلا نصدق موتنا حتى يغتالنا.. وإذا ما كانت أجمل اللحظات هي تلك التي لم نعشها بعد.. فانه فخ خطير ذلك الذي نقع فيه حين نكذب على أنفسنا.. ونغفل أننا في سباق مع هذا الزمن.. سارقنا وقاتل لحظاتنا بينما ناموس الحياة يكفل له هذا الحق بجدارة. لكن يحدث هذا ونحن مسترخين غافلين، فماذا لو استيقظنا على حقيقة مفزعه مثلا.. ماذا لو بقي من العمر ساعة.. أو يوم بشروقه وغروبه.. يوم واحد فقط.. قد لا يكفي لإعادة الحسابات وغربلة الأمنيات. ما قد نفعله بساعة متبقية من الزمن أو يوم متبقي من العمر ؟ أيقظني هذا الخاطر من إحساسي الغريب الساذج بالخلود ..! يا الهي.. زمن لا يكفي حتى لكتابة وصيه أو إرسال رسائل قصيرة لزملائنا على مقاعد الحياة.. هل نقول لمن أحببناهم كم نحبهم ؟ أم نقول لمن خذلونا إننا لم نسامحهم ؟ هل نختصر رعبنا في لحظة عبادة على مشارف النهاية مدركين أن الحياة فانية مدججة بالأوهام ؟ دكتور رودانيا الذي مر بأطول الحالات التي سجلت في تجربة الاقتراب من الموت الإكلينيكي، لمدة ثلاثة أيام ولم يعد إلى الحياة إلا بعد أن بدأ الطبيب يشق بطنه لتشريحه. قال بعد أن استعاد عافيته " أن من يعرف ذلك الشعور الرائع بالاتصال مع الحقيقة يعرف أن هناك عمل حقيقي جوهري عليه أداءه في الحياة.. ألا وهي المحبة، هذا هو معنى الوجود الحقيقي " ثم قضى بقيه حياته في دراسة الحكمة وسيكولوجية الأديان. هذا الرجل الذي عاش تجربة ما يسمى بعملية مراجعة الحياة وهو غارق في دهاليز الموت كان محظوظا ليحصل على تجربة خاصة وفريدة.. حين وهبته الحكمة الإلهية فرصة أخرى يستعيد بها زمنه الضائع .. لكننا ننتظر الغد رغم إدراكنا أن عقارب الساعة إنما تركض في اتجاه واحد لا يوقفها إلا مصرعها على قارعة الأبدية.. والدتي العزيزة أيضا من هؤلاء الذين اختصروا حكمة الحياة واستكانوا إلى المحبة بقناعة احسدها عليها أحيانا.. فما الحاجة إلى تدريب النفس على التسامح إذا القلب لم تدخله الضغينة والحقد.. في هذه اللحظات التي تصبح فيه أفكارنا مجمدة في نفق بارد من الوحدة.. قد نكتشف أن ما تبقى قد لا يكون كافيا لمراجعة الأخطاء والإنجازات وربما لا يحتمل الشعور بالذنب والندم على شيء.. فإما أن نقبل حياتنا كما هي لننعم بالسلام.. أو نستثمر هذا العمر القصير جدا إذا ما ضاق بنا فنتبع بوصلتنا الطبيعية الأصيلة.. وإلا من يكون هذا الطفل الباكي في صدورنا.. سوى الضمير؟ فإذا ما سمعتم بكاءه.. ربما عليكم أن تقلقوا بشأن ما تبقى من الزمن.