في بادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحركات السياسية في العالم أحيا حزب إسلامي يمني اليوم ذكرى أحداث الشغب التي تم فيها إحراق المؤسسات الخدمية والإنتاجية في العاصمة صنعاء وعدد من مراكز المدن اليمنية، ونهبها مع البنوك والمتاجر الحكومية والخاصة، تخللها قتل لأفراد الجيش والأمن، واعتداء على مواطنين رفضوا مغادرة محلاتهم؛ واصفاً ما حدث ب"ثورة"، ومناقضاً تصريحات لرئيسه تستنكر تلك الأحداث وتؤكد عن رفضها لها، ويصف الذين قاموا بها بخارجين عن القانون. ووصف حزب التجمع اليمني للإصلاح – تيار إسلامي- عمليات الإحراق والتخريب التي طالت حتى الحدائق العامة ودكاكين المواطنين بأنه (ثأر الفقراء.. وهذه ذكراهم الأولى تحل علينا بعد عام من الشهادة)، وقال أن يوم (ال21،20 من يوليو 2005م الفائت يوماً أحمر لثورة أرادت أن تبدو برتقالية لو أنها لم تقمع)، وأطلق على الحدث اسم (ثورة الجياع) وأن المناسبة هذه (ستحل عليهم كل عام كأنها النصر وإحباط الثورة! ). ويأتي هذا التطور الخطير في الخطاب الإعلامي للإصلاح مناقضاً لتصريحات رئيسه الشيخ عبد الله حسين الأحمر التي أدلى بها لصحيفة "الراية" القطرية بتاريخ (13/8/2005م)في معرض رده على فيما إذا كانت أحداث يومي 20-21 يوليو تعود "إلى تنامي السخط الشعبي من أداء حكومة الحزب الحاكم ؟"، فقال الشيخ الأحمر:( قد يكون ذلك صحيحاً ولكن ما حدث من أعمال شغب وفوضى ونهب للممتلكات العامة والخاصة أمر مرفوض وهي أعمال فوضى وخارجة عن القانون)، مشيراً: (حتى وإن كانت أعمال الشغب والفوضى عبرت عن رد فعل عفوي وغاضب من قرار رفع الدعم عن النفط والوقود من قبل المواطنين، فإن التعبير عن الرأي لا يتم بهذه الطريقة أو الأسلوب فهناك وسائل للتعبير ولإبداء الرأي لكن الفوضى مهما كانت مبرراتها مرفوضة). وفي رده على من المسئول عن الأحداث، قال الشيخ الأحمر – رئيس حزب الإصلاح: (الجميع عليه مسؤولية والكل يتحمل هذه المسؤولية ولا يجوز لأحد سواءً كانت الحكومة أو المواطن أن يتنصل من هذه المسؤولية ، فمعالجة الأمور لا بد أن تتم بالشكل المعقول فإذا كان النهي عن المنكر سيؤدي إلى ما هو أنكر منه فيجب تجنبه). وكانت "الصحوة نت"- الناطقة بلسان الإصلاح- نشرت اليوم الخميس ملفاً تضمن لقطة لطفلة ميتة وأربع لقطات لقدم فتى مصاب، إضافة الى تقرير تضمن لقاءات مع شخصيات من حزبه يتقدمهم المحامي خالد الآنسي – الذي يتولى الدفاع عن الشيخ محمد المؤيد – قيادي إصلاحي معتقل في أمريكا بتهمة تمويل الإرهاب، وصدر بحقه حكم أولي ب75 عاماً سجن- والذي قال أن ملف ضحايا الجرعة سيظل مفتوحاً)، داعياً إلى (لابد من اصطفاف الأهالي وأسر الضحايا مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وتفعيل دور البرلمان والقضاء في مواجهة مرتكبي هذه الجرائم)- وهي المرة الأولى التي يتبنى فيها الإصلاح قضية من قاموا بأحداث يومي (20-21 يوليو). أما شوقي القاضي- نائب برلماني في كتلة التجمع اليمني للإصلاح- فقد قال: " أن قضية ضحايا جرعة يوليو 2005م أكدت غياب دولة المؤسسات وغياب سيادة القانون وغياب ثقافة الحقوق والحريات)، مؤيداً سلفه بشأن"أهمية تفعيل أولياء الدم لقضيتهم والتواصل مع منظمات المجتمع المدني والبرلمان والقضاء". كما اتهم علي الوافي -رئيس الدائرة الاقتصادية بالتجمع اليمني للإصلاح- (الحكومة بالاستمرار في سياساتها الظالمة من خلال رفع أسعار المشتقات النفطية في يوليو الماضي) ، متعرضاً لسياسات حكومات المؤتمر المتعاقبة في إطار ادعائه بأنها كانت فاشلة. وكانت اليمن شهدت يومي (20-21 يوليو 2005م) أحدث شغب ونهب واسعة، وصفت صحيفة "البلد" الخليجية في عدد يوم 20/يوليو ما حدث خلالها قائلة: (تحولت تظاهرة احتجاجية في مدن يمنية عدة على زيادة كبيرة في أسعار الوقود, أمس إلى أعمال شغب قتل خلالها 13 شخصا على الأقل في اشتباكات مع الشرطة بعدما حطم المتظاهرون مكاتب حكومية وأضرموا النار فيها. وحطم آلاف المحتجين في العاصمة صنعاء أثاث مكاتب حكومية عدة وأغلقوا الشوارع مستخدمين إطارات السيارات المشتعلة وأعطبوا محولات الكهرباء في بعض المناطق. كما حطم المحتجون متاجر وسيارات ومطاعم قبل أن تنتشر قوات مكافحة الشغب تدعمها قوات الأمن بأعداد كبيرة لوقف العنف). أما "الجزيرة نت" فقد قالت في نفس اليوم: (انطلقت المظاهرات صباح اليوم بمشاركة الآلاف في مسيرة تخللتها أعمال شغب حيث أقدم المتظاهرون في شوارع العاصمة على تحطيم واجهات محلات تجارية وبنوك وهاجموا مرافق حكومية. وأضرم المتظاهرون النيران في إطارات سيارات وأغلقوا الشوارع في العاصمة صنعاء وتعطلت حركة المرور وسط المدينة وأغلقت المتاجر أبوابها خوفا من عمليات النهب فيما نقلت سيارات الإسعاف بعض المصابين.. وأمام هذا الوضع تدخلت قوات الأمن بقوة واضطرت في بعض الحالات إلى الاستعانة بأفراد القوات الجيش لصد المتظاهرين الذين أطلقوا أعيرة نارية). صحيفة "الوطن" السعودية أوردت في تقريرها لذلك اليوم : (استهدف المتظاهرون مباني وزارة النفط و البنك اليمني للإنشاء والتعمير والبنك الوطني وبنك اليمن الدولي وبنك اليمن والكويت ولوحات الإعلانات في الشوارع كما أحرقوا محطة بترولية). وأشارت أيضاً إلى أنه ( قطع متظاهرون في محافظة مأرب الطريق الرئيس إلى صنعاء, ومنع المتظاهرون مرور ناقلات النفط والغاز وناقلات البضائع، كما أضرب أصحاب محطات البنزين عن العمل، وقتل سائق شاحنة رفض التوقف بناء على طلب المتظاهرين) أما موقع (إسلام أونلاين) الاخباري فقد أورد في نفس اليوم: (تشير أنباء صحفية إلى أن المتظاهرين أحرقوا بنك الرافدين بالعاصمة، كما حاولوا اقتحام البنك اليمني للإنشاء والتعمير، ومبنى وزارة المالية .. وفي محافظة "عمران" اقتحم المتظاهرون البنك المركزي، ونهبوا محتوياته، كما نهبوا فرع المؤسسة العسكرية بذمار، وحاولوا اقتحام منزل المحافظ، وفروع بنوك حكومية وأهلية). أحمد الكحلاني- أمين العاصمة آنذاك- وصف ما حدث في مقابلة صحافية : (شيء مؤسف ما حصل لتلك الأشجار من عبث من قبل مجموعة حاقدة على الوطن لا تتجاوز 200 أو 300 شخص وتكسير للأرصفة و قلع الأشجار وتكسير لوحات الدعاية الإعلانية وواجهات بعض المعارض الخاصة والدخول إلى بعض المحلات التجارية ونهبها والاعتداء على بعض البنوك وإحراق محولات الكهرباء والكابلات والأعمدة وقطع الشبكة الكهربائية وإخراج كل ما هو حول الشوارع من أحجار ومخلفات بناء وإطارات السيارات إلى وسط الشارع والتي ظللنا في أمانة العاصمة نعمل على مدى 24 ساعة لرفعها من الشوارع) وأشار الى أنه تم (قلع اكثر من 762 شجرة زينة ومسطحات خضراء وجزر وسطية تصل كلفتها التقديرية إلى أكثر من 26مليون ريال..وهذه هي إحصائيات أولية تم رفعها من مختلف المديريات وسيتم تقييمها بشكل نهائي حال انتهاء اللجان الميدانية من أعمالها وإعلانها للجميع. الى جانب الأضرار التي لحقت بالممتلكات الخاصة من شركات ومعارض ومحلات تجارية وسيارات لم يتم معرفة حجمها الى الآن )، وقدر حجم الخسائر المادية ب(468) مليون دولار- بحسب حواره مع سبتمبرنت. أما الرئيس علي عبد الله صالح ، فقد قال آنذاك : أن ( ما حدث في 20 - 21 من شهر يوليو الماضي كان عبرة لنا جميعاً، وكشف لنا كيف أفرزت بعض الفئات حقدها الدفين وكراهيتها للوحدة والديمقراطية والحرية والتنمية والنظام الجمهوري ،فأفرزت تلك الافرازات الكريهة التي طالت بالنهب والتخريب الممتلكات العامة والخاصة وأزهقت أرواح الأبرياء ، وهو ما يتنافى جملة وتفصيلاً مع الحرية العامة والديمقراطية والنظام والقانون والدستور). وأضاف: ( حق كل المواطنين ومن حق كل القوى السياسية أن تعبر عن رأيها عبر القنوات المحددة التي حددها الدستور والقانون ، أما ما حدث فهو يتنافى مع النظام والقانون والدستور).. موضحا أن التحقيقات مازالت جارية والإجراءات القضائية متواصلة للتحقيق مع المضبوطين في أعمال الشغب). كما أعلن الرئيس انه أصدر توجيهاته للحكومة والجهات المعنية بدفع تعويضات للذين كانوا ضحايا للقوى الشريرة ، وبحيث تدفع التعويضات من المال العام من الخزينة العامة كونهم كانوا ضحايا لقوى أفرزت حقدا وكراهية لكل شيء جميل في هذا الوطن. وقال رئيس الجمهورية: (الوطن لابد له من عيون ساهرة تحمي المكاسب والمنجزات والممتلكات العامة والخاصة .. لا بد له من أمثال هؤلاء الرجال البواسل من رجال الأمن والقوات المسلحة .. لابد له من قوة عسكرية وأمنية قوية تحافظ على الأمن العام والسكينة العامة .. مؤكدا إنه لا يمكن ان يبنى اقتصاد وطني قوي الا بوجود قوات أمن وجيش قوي ، فالأمن العام للجميع ليس لافراد أو جماعة ولكن لكل مواطن .. ل21 مليون مواطن ومواطنة .. لكل أبناء اليمن). هذه هي حقيقة ما حدث يومي (20-21 تموز/يوليو 2005م) وأودى بحياة نحو (34) من المدنيين والعسكريين الذين دفعوا ثمن سياسة أولئك الذين تخفوا خلف كواليس الأحداث يحركونها عن بعد ، ويدفعون باللصوص والمخربين الى أتونها لتشتعل اليمن ناراً، وتعود إلى قرون العالم الوسطى.. لكن السؤال الأهم الذي نقف عليه اليوم هو إذا كان رئيس التجمع اليمني للإصلاح يجرم من قاموا بأعمال الشغب ويصف ما حدث ب"خروج على القانون" وأنها (أنكر من المنكر)- كما ورد في تصريحه أعلاه؛ فإذن سياسة من هذه التي تنفذها وسائل إعلام الإصلاح في الترويج لفتنة باسم (ثورة الفقراء)!؟