حاول النظام في اليمن جاهداً إلصاق تهمة الانتماء لتنظيم القاعدة بأحد أركان الحزب الحاكم سابقاً وهو الشيخ طارق بن ناصر الفضلي الذي أصبح يقود الانفصاليين في جنوب البلاد، وتسابق الطرفان على نيل الرضى الأميركي والغربي كل بطريقته الخاصة.. الأول ،أي النظام، وبمشاركة أميركية، قام بقصف الأطفال والنساء بأبين وشبوة بزعم أن ذلك "عملية استباقية ناجعة ضد القاعدة"، ليثبت لأمريكا أن الحراك الجنوبي المعارض المنتشر في بعض تلك الربوع يأوي القاعدة.. ومنذ ذلك اليوم لم يخل أي خبر أو تقرير رسمي متعلق بالأزمة من لفظة "الحراك القاعدي" لاستغلال الخوف الأميركي المزعوم من القاعدة في ترميم الوحدة اليمنية التي أصيبت بجروح كبيرة جراء تصرفات النظام نفسه! على الجانب الآخر، وبأمر وإشراف من أمريكا، قام الشيخ طارق بن ناصر الفضلي، سليل السلاطين والملوك والتبابعة، برفع العلم الأميركي وعزف السلام الوطني الأميركي في فناء منزله بزنجبار، في بلاد "أبين بن حمير"، موطن العرب والعروبة الأول، ليثبت للغرب أنه ليس قائداً للقاعدة، وأنه مستعد لتقديم ما لم ولن يقدمه نظام صالح، وكل ذلك من أجل أميركا الطيبة الجميلة التي تسببت بقتل مليون ونصف المليون عراقي شهيد، وخلقت مليون أرملة، و4 ملايين يتيم، و6 ملايين مشرد.. لا أحد يتوقع أن بإمكان النظام اليمني الذي ينطبق عليه قول البردوني: "وآثامه لم تسعها اللغات.. ولم يحو تصويرها ملهم".. أن يرفع العلم الأميركي مهما كانت التضحية، لأن المسألة متعلقة بالعرض والأرض والدم والشعب وليس بالفساد والمال وتقاسم السلطة والنفوذ، وبهذه الحالة يكون خطابه الإعلامي خسر مصداقيته أمام الغرب، لكنه نجح في إيقاع طارق الفضلي والحراك في ما هو أسوأ! وبالنسبة لطارق الفضلي، كما أكد ذلك بنفسه، لم يكن جهادياً البتة، ومشاركته في الحرب بأفغنستان لم تكن لأجل القاعدة أو الإسلام، إنما انتقاماً من الاتحاد السوفيتي الذي كان يدعم النظام اليمني في الشطر الجنوبي قبل الوحدة، ويومها كان الجهاد في سبيل أميركا، وليس ضدها.. زعماء الأزمة اليمنية في السلطة والحراك لا يريدون أن يفهموا أن أميركا أعلم من الجميع بالقاعدة، وما هي القاعدة، وأين هي القاعدة، لأنه "القاعدة" أصلاً ماركة أميركية درجة أولى، تستخدمها متى شاءت، وتقصفها متى تشاء، لاحتلال البلدان وقتل الأبرياء.. وهذه هي القصة وعليهم اختراع التفاصيل. والشعب الأميركي و"زعمائه الميامين" الذين رفعوا علم بلدهم في كل أصقاع الأرض، لن ينظروا لمن أنزل علم وطنه وهويته ووضع علم أميركا بدله إلا بكل احتقار وسخرية، لأنه أصلاً خائن، وبالتالي ليس أمامهم من خيار في اليمن سوى دعم وتقوية هذا النظام الذي هو أفضل السيئين وأقدرهم على الفعل بالنسبة لهم. كيف أنشد شيخنا الطارق النشيد الوطني الأميركي، بدلاً عن النشيد الوطني اليمني الذي كان أصلاً نشيد اليمن الجنوبي قبل الوحدة، وليس مثله نشيد ولا أرفع منه نشيد.. (كم شهيد من ثرى قبر يطل .. ليرى ما قد روى بالدم غرسه؟).. وماذا لو أن الشيخ الثائر ناصر الفضلي رحمة الله عليه أطل ليرى حصاد ما زرعه؟. لا شيء يحافظ على الوحدة، إلا الصدق والعمل النظيف والشريف لأن الوحدة وطنية قبل أن تكون سياسية، وفي عام94 وقف العالم كله مع الانفصال لكن الوحدة نجحت لأن الشعب بكل أطيافه وألوانه ومناطقه وأحزابه وقف مع الوحدة.. أما اليوم فأرى العالم كله مع الوحدة ومع ذلك يتقدم الانفصال وتتأخر الوحدة لأن المشكلة داخلية درجة أولى.. وبالنسبة للحراك الانفصالي الذي تخلى بعضه عن الهوية لا يستبعد أن يتلقى لطمات تاريخية- كما حدث في الأمس- واحدة تلو الأخرى لأن الله لا يصلح عمل المفسدين، ولأن الهدف الذي يسعون إليه اليوم علناً هو الانحطاط بكل معنى الكلمة ولا علاقة له بالمظالم والمطالب ومشروع الشعب والوطن.. خاتمة: ذات مرة، قدم نابليون بونابرت المكافئة الموعودة لأحد الأشخاص الذين ساعدوه في احتلال بلده، وعندما مدّ هذا الشخص يده لمصافحة القائد الفرنسي العظيم، رفض نابليون قائلا: مستحيل أن تمتد يدي لمصافحة شخص خان وطنه..