أخيراً غادر علي عبد الله صالح صنعاء، مصحوباً ببعض أفراد عائلته على متن طائرة إخلاء طبي سعودية، لتلقي العلاج من جراحه الناجمة عن الهجمة الصاروخية ضد المجمع الرئاسي في العاصمة اليمنية، وإذا كان البعض يأمل في استقرار العقيد في السعودية، أو أي مكان آخر في العالم غير اليمن، فان ذلك يظل حتى اللحظة في باب التمني، لأن الرجل لم يصحب معه ابنه ورئيس حرسه الجمهوري، الذي كان يعده ليرث موقع رئيس الجمهورية، بنفس الوسائل التي كان خلفاء بني أمية يلجأون إليها لتثبيت ورثتهم من بعدهم. لسنا على معرفة بحجم ومدى خطورة إصابة صالح، لكنها بالتأكيد غير الخدوش التي يتحدث عنها الإعلام الرسمي اليمني، لأن المؤكد أن الخدوش لا تستدعي نقله إلى خارج البلاد، وإذا صحت الأنباء عن مغادرته الطائرة سائراً على قدميه، فان الشك سيحوم حول خبر وجود شظية تحت قلبه مباشرة، استدعت معالجته في السعودية، لأنه ليس معقولاً من الناحية الطبية السماح لمن هو في هذه الحالة بالتحرك كما يشاء، خشية تحرك الشظية ومساسها بالقلب،وهنا سنجد من حقنا التفكير بأن الإصابة وبغض النظر عن حجمها وخطورتها، قد وفرت لصالح فرصة المغادرة ليس كرئيس مطرود أو مخلوع وإنما كمريض ذاهب للاستشفاء. إذا كانت حالة صالح الصحية ومكان تواجده خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية مغلفة بالغموض، فان مقتل العديد من مرافقيه وإصابة العديد من المسؤولين إصابات بليغة، لا يعني أنه هو أيضاً في حالة حرجة، في وقت يتحدث فيه الجميع عن رحلة أخيرة من صنعاء، رغم تأكيد مسؤول سعودي أن الرئيس اليمني لم يتخل عن السلطة، وينوي العودة الى اليمن، ولعل تسليم مهامه كرئيس للجمهورية وقائد للقوات المسلحة لنائبه عبد ربه هادي، ما يبرر للمحتجين اليمنيين الاعتقاد بانتصار ثورة الشباب السلمية، وبدء مسيرة الألف ميل نحو الدولة المدنية، التي تسودها الديمقراطية، ويتساوى فيها المواطنون أمام القانون، ويعود فيها العسكر إلى ثكناتهم. يتوقع البعض عودة صالح ولكن ليس كرئيس، وانما كراعٍ فخري للانتقال السلمي للسلطة، على أن يحظى بأكبر قدر من المكاسب الممكنة له وأتباعه، وبأكبر الخسائر الممكنة لعدوه الأول الحالي الشيخ الأحمر، وهو قد يصل الى القناعة بان هناك اياد أطول من مدافع الأحمر المهترئة في حادثة القصف، وأن نجاته ليست إلا منحة قدمتها له السماء، وبالتالي يجب عليه الرحيل ولكنه يريد أن يجمع حقائبه هو، لا أن يرسلها له أعداؤه، كما يقول أحد المراقبين في اليمن مضيفاً أن كل ذلك قد يتغير مع الأيام في حال طالت مدة إقامته في المملكة، فالسعوديون والخليجيون وأميركا أيضاً لن يقبلوا بفراغ في جمهورية الفقر والسلاح وفلول القاعدة. المؤكد أن الفراغ الناجم عن غياب صالح عن صنعاء هو غياب إيجابي، على الجميع الاستعجال بملئه، قبل أن يفكر الرجل بالعودة إلى القصر الجمهوري ليبدأ سلسلة جديدة من الألاعيب التي يتقنها، وعلى اليمنيين معارضين وموالين اغتنام الفرصة لصنع التغيير، وعلى مستضيفي صالح المريض، توفير كل أسباب الراحة ليستمر في رحلة الاستشفاء إلى مالا نهاية فذلك بالتأكيد هو الأفضل للجميع.