أواه يا أرض الحضارة يا أم بلقيس، يا أم العرب، ويا قديسة الزمن، ويا أرض الحكمة والإيمان كيف أصبح حال بنيك وإلى أين آل مآلهم!. آه يا أبانا يا قحطان تقاسمتهم الأهواء وألبتهم الأطماع وحب السلطة على بعضهم واصبحت العداوة هي القاسم المشترك فيما بينهم. تكسرت اشرعتهم وظل اهتداؤهم في لجة هذا الزمن العصيب الذي جعلهم يستجلبون العداء لبعهضم ويستجدون الأجنبي لفض نزاعاتهم وإهدائه لقمة عيشهم وتمكينه من مقدراتهم وخيرات أرضهم من خلال استعمار جديد لا يستعمر الاشخاص بقدر ما يستعمر فكرهم ويوهن عزائمهم وينهب ثرواتهم إنه الاستعمار الاقتصادي يا قحطان. بنوك يا قحطان لم يجدوا سوى أنجم غربية صديقة أو أعرابيةُ شقيقة يهتدون بها في ظلامات بعضهم. تمخر بهم سفن المبادرات داخل بروستريكا أعدائهم فلم تعد بوصلة الوطن بأيديهم بل أصبحت الأمم تتجاذبهم. يرسي بهم قطانها شقيقنا العربي صانع المعجزات في علم حلول الأزمات وإخراج المبادرات الى حيث يحلو له بقاءهم آمنين على بعضهم من بعضهم كي يظلوا أحياءً في عداد الموتى غير ناهضين أو منتجين. مبادرات يأتينا بها قطان سفينتنا دائماً كلما أوشكنا على الغرق لأنها سفينة إنقاذ. ولأن في بعضنا نزوع نحو استجلاب الحكمة والفتوة ولأن القطان يقبض على كل الخيوط فنلجأ إليه في كل صراع على هذه الارض ليأتينا بحلول تنقذنا مما نكون فيه ويعيدنا إلى جادة الصواب أعادنا في عام 1948م الى المرسى الذي أراده لنا. ولا بأس من إجهاضه لثورتنا ومساعدة ولي امرنا احمد على استباحة صنعاء واسترجاع ملكه لأنه ربما وجد في ذلك مصلحتنا وأننا كنا في الموقع الخاطئ. أما في 1962م فأوجد لنا مبادرة جمعت شمل النقيضين المتحاربين ووزع حكم البلاد فيما بينهم حرصا علينا وحباً في أن ننعم بالسلام والاستقرار وهانحن يا أبانا قحطان اختلفنا وقامت ثورة على الظلم والتسلط سميناها ثورة الشباب لكن أخانا قطان السفينة عاف هذه الثورة لأنه يكره هذا الإسم من حيث المبدأ فليس في ديننا حسب رؤيته من هذه المسميات الغريبة الغربية وإنما هو بغي وخروج على ولاة الأمر فجاءنا بمبادرة من مبادراته وقسم بيننا سلطة الحكم لأنه حفي بنا راع لمصالحنا. ولا بأس في ذلك يا أبانا مادمنا في حال من الشتات والفرقة وكفى بنوك يا قحطان ما سادوا وشادوا من حضارات في سالف الأزمان وليدعوا المجال لتبابعة النفط في عصرنا الحديث فهذا زمان غير زمان بنيك. لكن هل ترى يا قحطان أن ما حل ببنيك من بعدك راجع الى اللعنة السبئية حين قيل (تفرقت أيدي سبأ) هل هي لعنة مازالت تلاحقنا الى هذا الزمان فرقت بنيك في الأوطان ومن بقي منهم في كنف أمه مستهم فرقة القلوب وشتات الآراء ومزيد الافتتان فأصبحت لا ترى إلا سيوفهم يسلونها ضد بعضهم ثم صار ديدنهم استجداء الأجنبي ضد بعضهم أو لحل كل مشكل في نزاعاتهم. ودعني يا أبانا أعود قليلاً إلى قرون مضت وأقتطف لك شيئاً مما جرى من بعدك. فهذا الملك والتبع سيف لم يستطع جمع شتات بنيك ليصد بهم غزو الأحباش الذين أتو الى بلادنا تساندهم بيزنطة فذهب الى المعسكر الشرقي في ساسان مستنجداً بهم فلبى كسرى طلبه ممداً له بجيشٍ قوامهُ مستوطني السجون ومحترفي الإجرام بعد أن قال له مستشاروه (إن هم هزموا وقتلوا فهم أعداؤك وإن انتصروا وغنموا فهم أبناؤك) فجاء المجوس بزرادشتهم ونيروزهم ونيرانهم. لقد انتصروا على الأحباش يا أبانا وسموا بالأبناء وغنموا حكم البلاد احتلال يخرج احتلالا. وجاء الإسلام فبقوا بيننا وقالوا أسلمنا وشاركونا هويتنا وقلنا إخوة لنا.وتعلمنا منهم بعد ذلك كيف نشعل النيران في أسطح المنازل وقمم الجبال عندما ينتصر أئمتنا على الخارجين عليهم منا. وفي عام 284ه اشتد النزاع فيما بين قبيلة فطيمة مع بعض القبائل الأخرى في صعدة فذهبت تستجدي مجيئ الإمام الهادي وتستضيفه من الرس ليفض نزاعاتهم ويبصرهم أمور دينهم فوجدها الهادي فرصة وقال ذلك ماكنا نبغ وأسس له ولسلالتهم دولة عندنا سلبت من بنيك أرضهم ونزعت منهم كرسيهم وأوغلت في استبدادهم وقتلهم حتى قال شاعرهم : ماذا دهى قحطان في لحظاتهم ** بؤس وفي كلماتهم آلامُ جهل وأمراضُ وظلم فادح ** ومخافةُ ومجاعةُ وإمامُ والناس بين مكبلٍ في رجله ** قيدُ وفي فمهِ البليغِ لجامُ وقد كانوا يتركون لنا بعض أجزاء من يمننا دويلات مقاومةٍ لهم كانوا ينعتوننا بالنواصب رغم حبنا لنبينا وآل بيته الطيبين الطاهرين. لقد نال اليمانون من ضيافة الهادي الويل والثبور وصار الضيف سيداً وبنوك ياقحطان رعاياه ! لأنهم يا أبانا حراس بيضة الإسلام والحكم حق إلهي خاص بهم كما قالوا. وما زلنا في استضافة الإمام الهادي الى اليوم !. لكن رغم ماحل بنا فما زلنا نحب الكثير منهم الطيبين الطاهرين لأنهم بيت النبوة وعترة المصطفى عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين أفضل الصلاة والتسليم. إلا انه يا أبانا وخلال فترة حكمهم الطويلة لم نكتف بهم حكاما علينا فما زالت لعنة التبابعة تلاحقنا لقد أتينا بالأيوبيين عام 569ه لتوحيد صفوفنا والقضاء على تنازع الدويلات المتعددة في هذه الأرض فجاء توران أخ القائد صلاح الدين فقضى على نزواتنا وحكم بنفسه وجعل بلادنا من ولاياتهم لمدة 59 عاماً. وكسب من أحب البقاء منهم في بلادنا هويتنا وصاروا منا. وقد أخلف الأيوبيون مواليهم بني رسول في حكمنا الذين حكموا فينا لمدة تجاوزت ال 200 عام نشروا خلالها العلم وبنوا المدارس والجوامع والحصون واكتسبوا أيضاً هويتنا الوطنية بفعل بقائهم الطويل بيننا. وفي فترة لاحقة يا أبانا عام 1517م إستدعى الإمام شرف الدين جيش المماليك (الشركس) إذ كانوا معسكرين في كمران لملاحقة البرتغاليين إستدعاهم ليقضوا على أنداده الملوك الطاهريين اليمانيين فجاؤا ملبين وحكموا في وطننا لأكثر من 20 عاماً بعد أن قتلوا ملكنا عامر بن عبدالوهاب وأخيه على أسوار صنعاء. وأحب من تخلف منهم هويتنا ووطننا وصاروا اخوة لنا وأرتبط خروجهم بمجيء العثمانيين الى اليمن في مجيئهم الأول عام 1538م عندما استدعاهم بعض أطراف الصراع على السلطة وبقوا في بلادنا لأكثر من 100 عام. ثم وفي عام 1837م استمد الإمام المهدي عبدالله العون من محمد علي باشا والي مصر عندما اشتدت الصراعات السياسية على السلطة في عموم اليمن فلبت قواته النداء واستلمت اغلب البلاد وبقيت حتى انسحابها عام 1840م بعد إن حط الإنجليز رحالهم في عدن عام 1839م وعقد بعضنا معهم معاهدات ليحمون بعضنا من بعضنا كما قالوا فزادوا في شتاتنا وأوغلو في تمزيق جزء من وطنك الى سلطنات ومشيخات وزرعوا الفرقة التي مازلنا نعاني منها حتى اليوم. ثم أتى الأتراك يا أبانا إلى الشطر الآخر في مجيئهم الثاني عام 1872م بدعوة كذلك من الأطراف المتصارعة على السلطة نهاية الدولة القاسمية. لقد كان البعض ممن يأتي بلدنا لنجدتنا وحل قضايانا يعجبه وطننا فيبقى متخلفاً عن حملته عند إيابها وببقائه يكسب هويتنا الوطنية ونقول اخواننا في الدين والعقيدة. فلم يعد بنيك يا قحطان هم جميع من في هذا اليمن لقد صرنا مزيجاً من القوميات والسلالات إلا ان هذا الوطن جمعنا بهويته الوطنية الواحدة وطنيين وضيوفاً وغزاةُ ومنجدين... لم يعد الجميع متصلاً بك يا قحطان في وطنك هذا ! لكن لا بأس. فلا ضير في ذلك قد تقادم الزمان على ذواتنا وصرنا أمة يمنية واحدة وصرنا ننبذ الأعراق والسلالات. وسامحنا في ذلك يا قحطان فأنت لا تريد لبنيك إلا الخير. وما نشكوه ونتذمر منه هو التدخلات الحديثة في بلادنا إذ كثرت وفي شؤوننا استفحلت بفعل منا فنحن لا نجنح الى السلم إلا بمجيء الأشقاء والأصدقاء. نستجديهم لينتصر بهم أخ على اخيه أو لينتصر بهم ضيف من ضيوفنا. وأخيرا أتدري يا قحطان لقد جمعنا العالم وأتينا بهم الى صنعاء لحل مشاكلنا التي نجمت عن ثورة شبابنا ضد الظلم والاستبداد واستحواذ الأسرة على السلطة. نعم يا أبانا لقد جئنا بمجلس الأمن ليرسل ويفهم كل من أراد عرقلة سير مبادرة أشقائنا التي حظيت بإعجابهم أنه سيعاقب بعقوبات دولية. وقد كره بعضنا مجيئهم وتدخلهم في شؤوننا إلا أن الكثير منا يجده تدخلاً محموداً مادمنا نمسك الزناد ضد بعضنا.. وهذا إيجاز لبعض مما في جعبتي يا قحطان. مآسٍ حلت في بنيك سبب فرقتهم وملاحقة لعنة أبناء سبأ لهم وهذه خلاصة الشكوى لما عم فينا من البلوى.