ما من محب للسلام عاشق للوئام داع للتسامح إلا ويرى في المبادرة التاريخية التي صدرت عن فخامة رئيس الجمهورية - حفظه الله وحفظ معه اليمن أرضا وشعبا - بادرة خير ليمن أفضل وذلك أثناء لقائه بأعضاء مجلسي النواب والشورى ومعهم كوكبة من المفكرين والسياسيين والعسكريين يوم الأربعاء قبل الماضي ، فقد جمع البرلمان في ذلك اليوم الوطن كله بين جنباته ، الأمر كان يقتضي ذلك فالظرف حرج والأوضاع من حولنا بالغة التعقيد والكل متربص بنا وينتظر متى يرى الفوضى تعيث فينا فسادا ومتى يختلط الحابل بالنابل ، لكن ذلك كله ذهب - بفضل الله وحنكة القيادة الرشيدة أدراج الرياح وانقلب السحر على الساحر وعاد كيد الكائدين في نحورهم وشق سهم البغي صدور من لا يريدون للوطن الأمن والأمان. لقد كتبت قبل أسبوعين موضوعا تحت عنوان اليمن ليست تونس، والحمد لله فاليمن بعقلائها وحكمتها ووطنية أبنائها استطاعت ان تقول للعالم إنها ليست كذلك وهي من اختارت الشورى نهجا في جميع شؤونها وبذلك خلقت مساحة كبيرة للرأي والرأي المضاد وهو ما خفف من حدة التجاذبات بين جميع الأطراف ، في ظل الحرية التي منحت الجميع حرية التعبير والتي أرسى مداميكها قائد الوحدة الذي بين للعالم اجمع انه رجل مواقف متى ما اقتضت الظروف ذلك ، وليس هناك مثال أروع من البادرة الكبيرة التي قدمها فخامته ليعبر باليمن نحو مستقبل أجمل ، لم يكن يساورني الشك إطلاقا في أن هكذا تنازلات تصدر عن فخامته وهو الذي عودنا دائما طيلة السنوات الماضية على بذل كل ما في وسعه من اجل أن يجنب اليمن الكثير من المخاطر . نعم (لا للتمديد ولا للتوريث) كلمة قالها فخامته بشجاعة الرجال المخلصين المحبين لأوطانهم الغيورين عليه ، كلمة عجز عن قولها الكثيرون ، وهي الكلمة التي لم يطالب بعكسها يوما ولو مرة واحدة ، ولكنها صدرت ممن يظنون أنفسهم ملوكا أفضل من الملك ، ونسوا أنهم وان كانت نواياهم صادقة نظرا لما قدمه الرجل للوطن ، إلا أنهم في الوقت ذاته يسيئون إلى تاريخه الوطني الكبير من حيث لايشعرون ، فعلي عبد الله صالح سيظل زعيما تاريخيا ليس للوطن فحسب بل وللعالم العربي خصوصا عندما يجسد التداول السلمي للسلطة وهو على رأسها وهو ما لم يفعله غيره وكما قال البعض (هذا مانديلا العرب) . نعم انه مانديلا العرب رجل يعشق السلام وينبذ الحرب ،فإن كان مانديلا قد قاد نحو الوحدة الاجتماعية ونبذ الفرقة وأسس نهجا ديمقراطيا وجعل من جنوب أفريقيا شعارا للتآلف بين البيض والسود، فقائدنا سار على ما سار عليه مانديلا وحقق الوحدة الغالية وجعل الصناديق الانتخابية طريقا للوصول إلى السلطة، ورغم انه على رأس السلطة إلا انه في صف المعارضة البناءة ينتصر لها في أكثر من موقف بل ويقف إلى صفها ويتنازل من اجل الوطن فيما تدعو إليه سعيا لرأب الصدع والتقاء اليمنيين على كلمة سواء ، رجل سيقول لك عنه أكثر المعارضين له لا خلاف عليه ، وان كان هذا رأي معارضيه فماذا نتوقع من مناصريه ومؤيديه ، فمن يرى شخصية الأخ قائد الوحدة سيجدها تتميز بالبساطة وتبتعد كل البعد عن البروتوكولات الرئاسية فهو بسيط في تعامله كلما التقى بأبناء الشعب في كل مكان ، ولهذا فهو يتقبل كل الآراء ويستمع لكل الأفكار حتى تلك التي لا تعجب أعضاء الحزب الحاكم الذي هو يترأسه ، لكنه يؤكد بالممارسة أنه رئيس للجميع . لقد سحبت المبادرة الجريئة البساط من تحت أرجل من كانوا يتمنون مشهدا مغايرا لما أعلنه فخامته ، وضع الكرة في ملعب المعارضة وحملها مسؤولية وطنية عظيمة ، فقد انحاز لكل مطالبها بل نادى بما لم تكن تنادي به علنا ، فما عليها الآن إلا أن تنصاع للحكمة اليمانية ، فالمطالب الآن لا سقف ولا حدود لها طالما وقد كفلها دستور الجمهورية اليمنية وطالما وأنها ما كانت تسعى إليه منذ فترة ، وعليكم أن تؤكدوا للشعب بأنكم لستم اقل وطنية وأنكم على نفس القدر من الانتماء ليمن الثاني والعشرين من مايو المجيد من خلال الجلوس على طاولة الحوار البناء المرتكز مسبقا على رؤية واضحة مفادها أن نجنب الوطن الفتن والمحن . إن شعبنا اليمني العظيم اثبت انه منبع الحضارة من خلال التظاهر السلمي سواء مع السلطة أو المعارضة، فالمسيرات التي جابت كل أنحاء الوطن تأييدا لمبادرة فخامته أو تلك التي دعت إليها أحزاب اللقاء المشترك وبدأت سلمية وانفضت على نفس المنوال ، وكم كان رائعا ورجال أمننا الأشاوس يحمون الجميع لأنهم صمام أمان هذا الشعب والمدافعون عن ترابه الغالي فالوطن كله تختزله المؤسسة العسكرية من حرض إلى المهرة ، فكل مناطق الوطن تفخر بأن أبناءها هم درع اليمن والمدافع عن وحدته ، والحمد لله أن جعل صوت العقل يعلو على الأصوات الأخرى ، ونرجو من الله العلي القدير أن ينجح الحوار ويفضي إلى نتائج تقود بالبلاد إلى الأمان المنشود والاستقرار الذي نؤمله جميعا . باحث دكتوراه بجامعة الجزائر