اقبل علينا شهر الله الفضيل الذي ما إن يحل على الأمة الإسلامية إلا وينبغي أن يقترن وجوده بصفاء القلوب ونقاء السرائر، والابتعاد عن الشحناء والضغناء، والتلاقي على ما يحب الله ورسوله، ولان أولة رحمة فنرجو من العلي القدير أن يقذف من رحمات رمضان على قلوبنا جميعا حكاما ومحكومين بما يهيئ الأجواء للعبادة، لان شهراً كرمضان حرام علينا أن نقضيه في الساحات، وبين الأزقة، وفي مواقع القتل والترهيب، وتعذيب النفس البشرية بشتى صنوف الجور والظلم والاستعباد. نرجو من الله تعالى أن يصفد شياطين الإنس كما صفد المردة والشياطين، وان يغلق باب الفتنة والاحتراب كما أغلق أبواب النار، وان يتوب على كل نفس أمارة بالسوء لا ترجو سوى الدمار لأخيها الإنسان، لا لشيء إلا لتلذذها بامتهانه واحتقاره، فهناك صنف من الناس - هداهم الله - لا يهدأ لهم بال ولا يستقر لهم قرار، إلا حين يرون إخوتهم في أزمات ومصائب ، وهم من نسميهم بتجار الأزمات والكوارث . الكهرباء عصب الحياة العصرية الحديثة ولا غنى للناس عنها خاصة في هذا الفصل الحار من السنة الذي كما قال خبراء الأرصاد إنه سيكون اشد حرارة للصائمين خصوصا في الجزيرة العربية واليمن ،وفوق تلك الحرارة القاتلة، يطل علينا من يدعي الإسلام ، مع أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، فهل سلم اليمنيون من الأيدي الآثمة التي تقطع على المسلمين الكهرباء ومتى؟! والناس صائمون، فلينكر من أنكر وليرم بالتهمة على الآخرين أيا كانوا، ولكن ليعلم علم اليقين أن هؤلاء الصائمين لهم دعوة مستجابة ستصيبه أينما حل أو ارتحل ، فقد يستطيع أن يخدع الناس ولكنه من المحال آن يخدع ربهم الذي من اجله تركوا أكلهم وشربهم وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وحاشا لله أن يتركهم لقاطعي الطريق وناهبي المال العام . يتسابق التجار في هذا الشهر المبارك إلى إطعام الطعام وإخراج الزكاة والتقرب إلى الله بصنوف شتى من الطاعات ، ولكنهم يتناسون أن بعضهم محتكر للسلع وآخر مغال فيها وآخر يبيع مواد غذائية للصائمين منتهية الصلاحية ، فأين موقع تلك الطاعات من هذه الموبقات والجرائم التي ترتكب بحق المستهلك الذي استهلك هو أولا وهو يجري بعد لقمة العيش له ولأولاده، أيها التجار لن تنفعكم زكاتكم لأنها أولا وقبل كل شيء فريضة عليكم وليست منا ولا هبة ولا عطايا كما يوزعها بعض التجار على المسئولين وذوي المصالح وكأنها رشوة باسم رمضان لبقية العام، ولن تنفعكم الموائد الرمضانية الفخمة لخاصة القوم وكبرائهم، وهناك إخوة مشردون في أبين وغيرهم يتضورون جوعا في بقية مناطق الوطن، ولن تنفعكم المساجد الضخمة التي تبنى وتشيد طالما أنها من قوت المساكين. أيها التجار، المساكين لا يريدون أموالكم، كل ما يريدونه منكم أن تكفوا شركم واحتكاركم ومغالاتكم عنهم ، كل ما يريدونه أن تتركوهم يشترون بعض التميرات الصالحة للأكل لا تلك التي قد انتهت صلاحيتها ليضعها الصائم آخر نهاره كالسم، والله سبحانه وتعالى أدرى بمن استوردها ومن حملها ومن باعها ومن سمح بدخولها من المختصين ممن باعوا آخرتهم من أجل دنياهم . رمضان كريم أيها المؤمنون في اليمن الحبيبة والله أكرم منه ، ولن يدعكم سبحانه وتعالى فريسة للذئاب البشرية، فإما أن يهديهم - ونساله ذلك- وإما أن يأخذهم اخذ عزيز مقتدر، وحينها سيجعلهم عبرة لمن لا يعتبر، والعاقبة فقط للمتقين ، فاسألوا الله الفرج عند الإفطار، وثقوا بأن دعوتكم مستجابة لعدة أمور أولها إنكم مظلومون ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ولو كانت لكافر على مسلم ، وثانيها لانكم تختمون يوما شاقا في عبادة الصيام فلكم عندها دعوة مستجابة، فلا تضيعوها هباء وادعوا بالصلاح والهداية لولي أمرنا ورجال دولته وبالشفاء للمرضى والمصابين وبالرحمة للشهداء الأبرار من رجال الأمن البواسل والمواطنين الأبرياء، وادعوا بإصلاح لكل مفسد عسى الله أن يهديه ويكفي اليمن من شره، وادعوا بأن يجعل الله اليمن رخاء سخاء موحدة آمنة مستقرة، وان يرخص أسعارنا ويغزر أمطارنا، ولكن قبل الدعاء ينبغي علينا جميعا في هذا الوطن أن نخلص النية لله وحده وألاّ نعلق نجاتنا من شر الشرار إلا به سبحانه، وان نقلع عن المعاصي وان نغير أحوالنا، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وصلاح الحاكم يبدأ من صلاح المحكوم ، وصلاح المحكوم يبدأ بصلاح ذاته وبتنفيذ أوامر الله واجتناب نواهيه ، وشهر مبارك وكل عام وانتم بخير. باحث دكتوراه بالجزائر * [email protected]