من يتابع الشريط الاخباري لقناة (سهيل) الفضائية يشعر بالتقزز من التكرار الممل للدعاية المفبركة عن الحرس الجمهوري وعن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح وعن بقايا النظام التي تكشف عن حالة إحباط يصل حد اليأس من الديمقراطية ومن الشرعية الانتخابية فتجدهم لذلك في حالة فزع يصل حد الرعب من الحرس الجمهوري الحارس للشرعية الدستورية كعائق يصطدم به الانقلابيون الذين لا امل لهم بالنجاح الا عبر الانقلابات العسكرية والأساليب الفوضوية الرافضة للديمقراطية وحزبية غير قادرة على قهر ما يمثله من تحديات واقفة بالمرصاد لما لديهم من اطماع، تلك التحديات التي جعلت بلداً فقيراً كالجمهورية اليمنية يصمد بثبات أمام كل الأساليب والوسائل التي استخدمتها القوى التقليدية للانقضاض على السلطة، بأساليب ووسائل غير دستورية لا ترتقي شرفاً ونبلاً إلى مستوى الغايات المشروعة.. أقول ذلك وأقصد به ان ستة أشهر من الثبات والصمود بوجه المؤامرات قد كشفت وبما لا يدع مجالاً للشك ان فخامة الرئيس نموذج جديد من الزعامات العربية التي فضلت الاحتكام المبكر للعملية الديمقراطية بصورة مختلفة عن غيره من الرؤساء العرب الذين تساقطوا امام عاصفة الاعتصامات باقل قدر من الوقت لانهم كانوا يفتقدون الى ما هم بحاجة اليه من قاعدة شعبية عريضة وداعمة كما هو الحال فيما انتهت اليه الاعتصامات في اليمن من فشل جعلها تتراجع من الملايين اولاً مروراً بمئات الآلاف ثانياً وانتهاءً بعشرات الآلاف التي توقفت عندها القنوات الفضائية التي افترضت النجاح المسبق لهذه الاضطرابات الصاخبة، ولما كشف الواقع اليمني بوجود الرئيس وفي غيابه عن امكانية صمود متصاعد لم تجد هذه القنوات الدعائية المبتذلة ما تبرر به اخفاقات نبوءاتها سوى شماعة الحرس الجمهوري والأمن المركزي، على طريقة الضعفاء الذين ينسبون اخفاقاتهم الجنسية الى طبيعة المكان الصعب، عكس تلك الجهات التي اعلنت تمردها على الشرعية الدستورية تحت مبرر حماية المعتصمين في وقت يعلم فيه الجميع ان قادة هذه المعسكرات ما برحوا يتخذون من المعتصمين دروعاً بشرية للتستر على ما تقوم به من حركة تمرد على الدستور والقانون كاحدى الوسائل الانقلابية غير المشروعة التي تحاول استبدال المؤسسات الدستورية للقيادات المنتخبة بقيادات لا مكانة لها في قلوب وعقول الجماهير الصامدة. نعم لقد اصبح الحديث عن الحرس الجمهوري وعن الأمن المركزي بمثابة اسطوانة مشروخة لاتجد لها ماهي بحاجة اليه من الاصداء التي تجعلها قاب قوسين أو أدنى من السلطة لان الشعب بات اكثر ايماناً باهمية الدور العظيم للقوات المسلحة في حماية الشرعية الدستورية فاصبحت هذه الحملة الدعائية عبارة عن كلمات وشعارات مفلسة وعاجزة عن التأثير في قناعات الأغلبية الساحقة من ابناء الشعب اليمني صاحبة المصلحة الحقيقية في الشرعية الانتخابية كبداية وحيدة للتداول السلمي للسلطة الذين يرفضون باصرار وعزيمة الدخول بهذا النوع من المساومات والصفقات السياسية الهادفة الى الخلاص من فخامة الأخ رئيس الجمهورية ومن نظامه الديمقراطي القوي الذي لايمكن القضاء عليه بهذا القدر من المؤامرة المركبة التي مابرحت تكشف عن نقاط ضعف تجعلها اعجز من ان تجد لها ماهي بحاجة اليه من الانصار والاعوان الذين يتقهقرون في شر أعمالهم وماهم عليه من الشتات الناتج عن الانقسامات والخلافات المستفحلة بين صفوفهم لأن كل فريق منهم يعمل جاهداً للتخلص من الفريق الآخر اذا ما استطاع الاطاحة بفخامة الأخ رئيس الجمهورية وما لديه من الكتلة التاريخية العسكرية والشعبية الضاربة التي يتم اختزالها والتقليل منها عن طريق الاكثار من الكلام الفارغ عن انكسارات و انضمامات الحرس الجمهوري والأمن المركزي الى مايطلقون عليه تأييد ثورتهم المزعومة التي لم يتبق منها بعد ستة أشهر سوى اقل من الثلث في وقت يجدون فيه أنفسهم عاجزين عن الانتصار على دولة يزعمون انها «بلا روس» حيث اكدت الشرعية الدستورية التي تستمد الأمومة والابوة من الشعب انها أقوى من الشرعية الثورية التي لا امومة لها ولا أبوة.. حيث نلاحظ الرئيس علي عبدالله صالح في غيابه عن الساحة الوطنية لتلقي العلاج في الخارج اكثر حضوراً وتأثيراً في نفوس الملايين من الفترة التي كان فيها يلتحم بهم في ميدان السبعين اسبوعياً ودورياً، انه حقاً الحاضر الغائب من خلال نائبه ومن خلال مؤسساته الدستورية الجريحة التي يخلط المتمردون بينها وبين ابنائه وابناء اخيه واخوانه.. متجاهلين ان الاغلبية الساحقة من ابناء هذا الشعب الوفي هم اخوانه وبناته المستعدون للدفاع عن نظامه ودولته الديمقراطية بكل ما يمكنهم امتلاكه من الطاقات والامكانيات المادية والمعنوية التي تبدأ بالمال والوقت ومايليهما من الدم والروح، كيف لا ونحن نلاحظ المفارقات الغريبة والعجيبة التي جعلت البعض من الذين كانوا يتصدرون قوائم الحسابات والأدوار ما لبثوا فجأة بعد تبدل مواقفهم ان اسقطوا انفسهم من كل الحسابات ومن كل الأدوار فأصبحوا جزءاً لايتجزأ من معارضين لايجدون مايبررون به هروبهم من المنافسات الانتخابية الجادة سوى اللجوء إلى قطع الطرقات وقطع النفط وقطع الخدمات وقطع الكهرباء والمياه وقتل النفس التي حرم الله سبحانه وتعالى في جميع الكتب والرسالات السماوية، ناهيك عما ذهبت اليه القوانين الوضعية المستمدة من المشاعر الانسانية النبيلة والقائمة على الحق والعدل.. كيف لايلجأون إلى هذا النوع من الدعاية الهادفة الى اختزال الجيوش واختزال الشعوب ببقايا نظام أو بقايا أسر وهم يعرفون انهم يقطرون بكل ما هو ذميم وقبيح من الأسرية والعشائرية والقبلية والفوضوية التي يعلم الشعب انها اكبر تحد يقف حائلاً بين حاضره وبين مستقبله، لا أمل له في احداث ما يجب أن يحدث من الاتصال والتواصل بين أصالة الماضي وايجابياته وبين تطلعات المستقبل وإصراره على المعاصرة العلمية المتاحة. أعود فأقول ان كانت القوة التقليدية للفرقة قد ظهرت عاجزة عن المواجهة الفاعلة امام القوة الفتية للحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي وقوة مكافحة الإرهاب، فان الفارق بين الجديد والقديم يعكس الفرق بين عقول واعدة جديدة ودائمة القدرة على التجدد والتجديد بين عقول متحجرة وجامدة وغير قادرة على استيعاب الجديد فلا هي قادرة على التجديد ولا هي قادرة على التجدد.. الأمر الذي يستوجب الوقوف الجاد عند لحظة مراجعة مشوبة بالاستعداد للتراجع من الخطأ الى الصواب، لأن العصر الذي نلامسه لم يعد يقبل بالايديولوجيات الجامدة بما تنطوي عليه من تحجر وجمود وعدم استعداد للاعتراف بالآخر، الاعتراف قبل ذلك وبعد ذلك ان للحقيقة جوانب بحث متعددة وغير قابلة للكهانة والبابوية التي نلحظها في تصرفات بعض العلماء على شاكلة الزنداني وبعض المشايخ على شاكلة الشيخ صادق الأحمر من الذين يقولون في مواقفهم ومايصدر عنهم من الخطابات والمقولات العجائزية انهم الشعب، معتقدين خطأ وجهلاً ان الشعب هم، وان مايصدر عنهم من فتاوى سياسية تعني القبول المطلق والرفض المطلق، ذلك ماجعل صادق الاحمر يحلف بالله ان لايحكمه الرئيس صالح المنتخب من اغلبية الشعب وهو موقف شيخ زمني قريب من موقف الشيخ الديني الذي يفتي بقتل الحرس الجمهوري والأمن المركزي وكل ابناء القوات المسلحة الذين يقاتلون دفاعاً عن الشرعية الدستورية ناهيك عن اولئك الأبطال الذين يقاتلون الفلول الارهابية في اكثر من مكان. أعود فأقول ان أي مواقف تحرض على الفتنة النائمة هي مواقف ملعونة ومجنونة لابد لابناء الشعب ولابناء قواته المسلحة والأمن ان يقفوا لها بالمرصاد لانها ترفض الحوار وتسعى الى فرض ارادة الاقلية المستبدة على الاغلبية الديمقراطية العادلة.. لأن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لحل الخلافات نظراً لما ينطوي عليه من قيمة علمية قادرة على انتاج مانحن بحاجة اليه من الحلول النظرية والحلول العملية.. طالما كانت الديمقراطية هي الغاية وكانت هي الأمل الذي تشد اليه الرحال واذا كان الحوار مفتاح الديمقراطية فان الانتخابات هي البوابة التي تغلق بها الطرقات والازمة الموصلة الى الاستبداد والشمولية، اما الاعتصامات والمسيرات والمظاهرات فلا قيمة لها مالم تكن اوراق ضغط آنية تعيد الغافلين والمضرورين الى طاولة الحوار باعتباره الممكن الوحيد لتحقيق مانحن بحاجة اليه من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والامنية والعسكرية الكفيلة بتحقيق مانتطلع اليه من الطموحات والآمال المستقبلية الواعدة. قد تكون الصحافة سلطة رابعة نعيد بها الذين يعيشون خارج العصر إلى غيهم والى وعيهم والى ما يجب أن يحتكموا إليه من كلمة حق أمام سلطان جائر.. لكن الصحافة سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة لايمكن الاعتماد عليها في الدعوة إلى التضليل والى التزييف عملاً بما تنطوي عليه هذه المعادلة من الدلالة المنطقية والعلمية.. «يستطيع الانسان ان يخدع بعض الناس كل الوقت. ويستطيع الانسان ان يخدع كل الناس بعض الوقت. لكنه لايستطيع ان يخدع كل الناس كل الوقت». وحتى لاتقع في شرك الابتذال الدعائي الرخيص والمدمر للتقدم والرقي لابد ان يتضح من خلال المعادلة التطبيقية ان المستحيل هو خداع كل الناس كل الوقت وان الممكن هو خداع بعض الناس بعض الوقت أو كل الوقت، الأمر الذي يحتم علينا الابتعاد عن وهم المطلقات الدعائية غير القادرة على امتلاك ماهي بحاجة اليه من الديمومة والصيرورة الى ما لا نهاية من الزمن الممتد من الماضي الى المستقبل لأن الوقفات العارضة والطارئة تدل على نقص في المعلومات ومغامرة في السيرورات المتجهة من ماض معلوم الى مستقبل مجهول لايعرف نهايته سوى الخالق الاعظم الكامل الذي منحنا العقل والارادة، لكنه جعلنا محكومين بالجدل المعبر عن وحدة السالب والموجب لان كل موجب يحتوي في باطنه على سلب يحركه ويطوره ولا يلغيه ولا يوقفه عند الكليات المستغنية عن الآخر بحكم ما وصلت إليه من الشطح.