كانت العرب منذ عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام تعظم الأشهر الحرم الأربعة وهي ذو القعدة لأنهم يقعدون عن القتال فيه، وذو الحجة لأنهم يحجون فيه، ومحرم لتحريم القتال فيه، ورجب لترجيب العرب إياه أي لتعظيمه. ولما طال عليهم الأمد وقست قلوبهم وانخفض الوازع الديني وعدم مراقبة الله أو الخوف منه وتقواه بدلوا في المناسك وفي تحريم الأشهر الحرم لدرجة أنهم كانوا يؤخرون تحريم الأشهر من اجل القتل والقتال ليخالفوا حكم الله القائل لهم في تلك الأشهر الحرم: ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم) بهتك حرمة هذه الأشهر المحرمة وارتكاب ما حرم فيهن فإن ارتكاب المعاصي فيهن أعظم وزراً كارتكابها في الحرم. مع العلم بأن الآيات القرآنية التي تتحدث عن عدم القتل والقتال في تلك الأشهر الحرم هي بين كفار ومسلمين فما بالك إن كانت بين مسلمين ومسلمين داخل بلد واحد وأسرة واحدة بل إخوة ولكنهم للأسف أعداء يتصارعون على السلطة، وقد قام بعضهم في أول جمعة من شهر رجب- وهو من الأشهر التي يحرم القتل فيها - بارتكاب جريمة نكراء داخل بيت من بيوت الله هدفها تصفية ولي أمر البلاد وكبار رجالاته وهم يؤدون صلاة الجمعة وتفجير المسجد دون تقدير لبيت الله ولا احترام للشهر الحرام رجب ولا خوف من إزهاق أرواح أبرياء يكون نتيجته الخلود في النار والعذاب العظيم بالإضافة إلى غضب الله ولعنته على الفاعل والعياذ بالله. هذا ما أخبرنا به القرآن الكريم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وورد في السنة المطهرة ومن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قوله بعد أن ذكر الأشهر التي يحرم فيها القتال: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم. ألا لاترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا هل بلغت ... إلى آخر الحديث) مع العلم بأن القتل لا يكون مشروعاً في الأشهر الحرم إلا بين الكفر والإيمان حين يصل الأمر إلى درجة الفتنة لأن الفتنة هي أشد من القتل عندها يكون القتل مشروعاً بدليل الآية (217) من سورة البقرة. أما بين طوائف الإخوة المسلمين فالأمر مختلف فلايجوز القتال بينهم لأن القاتل والمقتول منهم في النار، والأصل الصلح بينهم إلا إذا بغت فئة على فئة أو طائفة على طائفة وجب قتال الطائفة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله وتخضع له. فهل يعود الفرقاء والأخوة الأعداء في بلادنا إلى رشدهم ويحترمون هذا الشهر الحرام الذي هل علينا ويجتنبون قتل النفس التي حرم الله في هذا الشهر وفي غيره وهل سيتوقفون عن سفك وإراقة الدم اليمني المستمر وأن يتقوا الله العلي الكبير القوى الجبار المنتقم الذي هم صائرون إليه فيجازيهم على ما اقترفوه وعلى ما ارتكبوه في حق إخوانهم وأبناء جلدتهم وفي حق أنفسهم. اللهم أني بلغت عبر هذه الصحيفة. اللهم فاشهد.