أوصى المشاركون في المؤتمر الأول لاقتصاد السوق الاجتماعي بإعداد سياسات اقتصادية واجتماعية وبيئية وتطبيقها بصورة متوازنة ومتناغمة معتمدة على أسس ومبادئ ثابتة أهمها حماية وخدمة الإنسان اليمني ومصالحه - أفراداً وجماعات- في الحاضر والمستقبل. وشدد المشاركون في ختام أعمال مؤتمرهم أمس بصنعاء، الذي نظمه المرصد الاقتصادي للدراسات والاستشارات بالتعاون مع المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (جي آي زد) .. على أهمية العمل المؤسسي، والمسؤوليات المشتركة المعتمدة على الحوار البناء وحماية الحقوق الخاصة والعامة. ودعوا الحكومة إلى تبني مؤتمر حوار وطني ينطلق من احتياجات الواقع الاجتماعي، ومعالجة الآثار السلبية الناتجة عن اختلال السياسات الاقتصادية السابقة، ووضع الحلول بالتنسيق مع دول الجوار وعبر تعزيز دور المواصفات والمقاييس، والبناء المؤسسي والإداري باتجاه السوق الاقتصادي الاجتماعي. ونوه المشاركون في توصياتهم إلى ضرورة تحويل الاقتصاد الريعي المتبع حالياً في البلاد إلى اقتصاد منتج من خلال تنوع مصادر الإنتاج وجلب الاستثمارات. وكان المؤتمر قد ناقش على مدى يومين عددا من أوراق العمل تضمنت مفاهيم اقتصاد السوق الاجتماعي وأهميته وشروطه،والسياسات الاقتصادية المتبعة حالياً ووضعها الراهن،والسياسات المالية والنقدية، والنظام الضريبي، والقطاع المصرفي، والبناء المؤسسي للدولة وبيئة الاستثمار، والبعد الاجتماعي، والسياسات الاجتماعية والبيئية. كما تناولت التحديات التي أدت إلى انسداد أفق النمو والتشغيل والمعطيات المتوفرة لإعادة هيكلة الاقتصاد نحو القطاعات الإنتاجية لخلق فرص عمل، فضلا عن نظام الحماية الاجتماعية في اليمن والتوجهات والسياسات التي يمكن إتباعها للبناء على النظم والآليات المؤسسية القائمة وإصلاحها أو تطويرها للتواؤم مع فلسفة اقتصاد السوق الاجتماعي. وكان الدكتور سعد الدين بن طالب وزير الصناعة والتجارة قد قال إن التحدي الاقتصادي الأهم الذي تواجهه اليمن هو أن اقتصادنا ريعي غير إنتاجي يعتمد بصورة أساسية على كميات النفط المستخرج وأسعاره في الأسواق العالمية. وأضاف في الكلمة التي ألقاها نيابة عن رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة في افتتاح المؤتمر الأول لاقتصاد السوق الاجتماعي الذي ينظمه المرصد الاقتصادي للدراسات والاستشارات بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي في العاصمة صنعاء في الفترة 20-19 يونيو الجاري تحت شعار (تلبية دعوات التغيير وتحقيق كرامة الإنسان) بمشاركة أكثر من 200 شخصية اقتصادية وأكاديمية وباحثين وممثلين عن الجهات الحكومية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني أن بلادنا تواجه جملة من التحديات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية وان مواجهتها ومعالجتها لا يمكن أن تتم بعصا سحرية وبين يوم وليلة لكن يمكن مواجهتها إذا تكاتفت الجهود وتعاونت مكونات المجتمع اليمني بكافة فئاتها من اجل بناء نظام اقتصادي وطني قادر على تنمية القدرات والموارد الاقتصادية ويحقق قيم ومبادئ العادلة الاجتماعية يتمتع فيها المواطن بكافة حقوقه الإنسانية والسياسية والاجتماعية وغيرها من الحقوق. ويستوجب ذلك العمل اتفاق كافة الجهات والتكوينات الحكومية والمجتمعية وسائر الفعاليات الوطنية على رؤية اقتصادية وطنية وواضحة المعالم. خاصة وان حجم التحديات وطبيعتها يحتاج إلى تبني وانتهاج مقاربة تنموية شاملة وسياسات غير تقليدية تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي واستدامته وتحقق في الوقت نفسه أسس ومبادئ العدالة الاجتماعية لمجتمعنا اليمني. وأكد أهمية عقد هذا المؤتمر في ظل ظروف استثنائية وتحولات جذرية تشهدها منطقتنا العربية بما فيها بلادنا جراء ما عانته دولنا من ظلم وقهر وسوء إدارة الحكم وانتشار الفساد مما أدى إلى اختلالات اقتصادية واجتماعية واتساع مظاهر الفقر والبطالة التي أشعلت الشرارات الأولي للثورات والاحتجاجات الشعبية. وأشار إلى أن ثورات الربيع العربي كشفت ضعف وهشاشة النموذج الاقتصادي التنموي الذي تبنته العديد من الدول العربية منذ ثمانينيات القرن الماضي.وأصبح القاسم المشترك لهذه الثورات سعيها للخروج من حالة الفقر والتهميش والقضاء على الفساد وتتطلع إلى أسس ومبادئ المواطنة المتساوية وتحقيق العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان. وأن الثورة الشبابية الشعبية في اليمن كشفت تعدد وتنوع التحديات والمشاكل الاقتصادية التي تراكمت وتعمقت خلال العقود الماضية نتيجة للسياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة . ولفت إلى أن الدولة اليمنية وعلى مدى ال20 عاماً الماضية لم تتمكن من توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين كالكهرباء واحتياجات المشاريع الاستثمارية والقطاعات الإنتاجية والاقتصادية..داعيا كافة الجهات والمبادرات التي تنظر أو تساهم في وضع سياسات جديدة أن تتكاتف وتؤسس لعمل مشترك يمكن مناقشته في حوارات وطنية تشمل الجانب الحكومي والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني..آملاً أن يكون هذا المؤتمر خطوة ايجابية في هذا الاتجاه. من جانبه أكد الدكتور يحيى المتوكل رئيس المرصد الاقتصادي للدراسات والاستشارات أهمية هذه الفعالية التي تبحث في إمكانية تبني منهج اقتصاد السوق الاجتماعي وتطبيقه للخروج من الأزمات والتحديات التي تواجهنا في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية . وقال إن المرصد الاقتصادي للدراسات الاستشارية قد حرص ومن المنطلق الوطني وترجمة للشراكة بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في بلورة السياسات الوطنية على إشراك الجميع في هذه الفعالية..موضحا أن فتح باب النقاش والحوار حول هذا الموضوع وفي هذا الوقت تحديدا يمثل بادرة ايجابية لكل من يساهم فيه كما يأتي مكملا ومتكاملا مع المبادرات والفعاليات الأخرى التي تحاول تجديد وتطوير السياسة الاقتصادية . وقال إن المؤتمر يستهدف الخروج بتصور وخطة عمل لجمع وتنسيق الجهود الحالية والمستقبلية في سبيل الاتفاق على الفلسفة الاقتصادية للمرحلة المقبلة..مشيرا إلى أن الدراسات والتقارير العديدة حول أداء الاقتصاد اليمني منذ تبني الدولة نظام اقتصاد السوق الحر في عام 1995م والذي ترجم في برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري أظهرت تواضع ذلك الأداء بصورة عامة وعدم تحقيق المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي استهدفها البرنامج.كما انه نتيجة للازمات السياسية المتتالية وتراكم التحديات الاقتصادية والاجتماعية منذ عام 2007 وفشل السياسات الاقتصادية في مواجهة الصدمات الخارجية والتي انعكست نتائجها السلبية على المؤشرات التنموية المختلفة اشتدت الحاجة إلى مراجعة تلك السياسات والبحث عن بدائل تحرك عجلة الاقتصاد وتخفف من المعاناة. وأكد أهمية التوقف بجدية وإرادة صادقة لتقييم الأوضاع وتجاوز السياسات التقليدية التي ثبت عدم جدواها وفشلها خلال المرحلة الماضية والانتقال إلى مقاربات جديدة أكثر شمولية واقرب إلى التطبيق وبناء منظومة متكاملة وشاملة من السياسات والبرامج الاقتصادية غير التقليدية وذات الطبيعة الإنمائية والاجتماعية تعمل على وضع الاقتصاد اليمني على مسار نمو مستديم يحقق الأهداف الأساسية للعدالة الاجتماعية..مشددا على ضرورة النظر إلى اقتصاد السوق الاجتماعي باهتمام اكبر بما يتضمنه هذا النموذج من أسس وعناصر تلبي التغيير المنشود خاصة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي . حيث يمثل اقتصاد السوق الاجتماعي فلسفة وفكراً يوازي بين حرية الأسواق وتوفير الاحتياجات الأساسية والاجتماعية للمواطنين. كما يتميز بالمرونة والتطوير وقابليته للموائمة في الاقتصاديات المختلفة سواءً المتقدمة أو الأقل تنمية. وأوضح أن المؤتمر سيناقش في جلساته الأربع الأسس والسياسات التي تمكن من بناء اقتصاد سوق اجتماعي تتوازي فيه أهمية النمو الاقتصادي مع تحقيق العدالة الاجتماعية وإنشاء نظام حماية اجتماعية يحمي الضعفاء والفئات الأكثر هشاشة مع المحافظة على البيئة واستدامتها للأجيال القادمة. وقال إن أوراق العمل التي سيناقشها المؤتمر تغطي مكونات اقتصاد السوق الاجتماعي والعلاقة الحيوية فيما بينها وتلقي نظرة عامة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في اليمن وتحدياته المتنامية بالإضافة إلى بيان مبررات تبني اقتصاد السوق الاجتماعي..مؤكدا أن تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية يحتاج نموا اقتصاديا يتجاوز نمو السكان ويتسم بالاستدامة والعدالة ويوفر فرص عمل للعاطلين وللمنضمين الجدد إلى سوق العمل. ولفت إلى أن أوراق العمل ستتناول التحديات التي أدت إلى انسداد أفق النمو والتشغيل والمعطيات المتوفرة لإعادة هيكلة الاقتصاد نحو القطاعات الإنتاجية غير الريعية والتنمية الريفية لخلق فرص عمل منتجة وتحقيق معدلات نمو اقتصادي تتجاوز نمو السكان ..مشيرا إلى ضرورة تركيز النمو على قطاعات الزراعة والأسماك لتصب ثمارها على أوسع شريحة وخاصة الفقراء والمرأة التي تتحمل عبئاً كبيراً في الحياة الريفية. وقال إن الصناعات الصغيرة والأنشطة الحرفية تمثل مجالاً مهماً لسياسات اقتصاد السوق الاجتماعي.منوها إلى أن خطراً أخر يظهر في الاقتصاد الوطني ويتمثل في انعدام الاستدامة المالية خاصة في ظل المخاوف من تراجع الإيرادات النفطية بالتوازي مع استمرار اختلال الإنفاق العام وعدم التمكن من إعادة هيكلته وترتيب أولوياته بما يخدم التنمية وتحفيز النمو في القطاعات الإنتاجية غير النفطية وتحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية..موضحا أن حسن إدارة الجانبين الاقتصادي والاجتماعي يرتبط بسيادة القانون ودور مؤسسات الدولة كشرط ضروري ولازم لتحقيق النمو الاقتصادي وتوفير الحماية الاجتماعية . وقال إن اقتصاد السوق الاجتماعي يتطلب بنية مؤسسية ومرافق عامة وكوادر بشرية مؤهلة ترتبط بوجود الدولة نفسها. من جهته أوضح الأخ توفيق الذبحاني من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي أن هذا المؤتمر ليس وليد اليوم وهو نتيجة لجهود سابقة تمتد لعام 2010 حيث قامت الوكالة بالتعاون مع وزارة الصناعة والتجارة بطرح الفكرة وإقامة عدة ورش عمل في صنعاء وعدن . وقال إن الوكالة الألمانية بصدد تنفيذ العديد من الأنشطة والفعالية في هذا الإطار خلال الفترة القادمة بما فيها ورشة عمل مع القطاع الخاص الشهر القادم حول المسئولية الاجتماعية في العمليات الاقتصادية المختلفة. وأشار إلى أن اقتصاد السوق الاجتماعي عبارة عن إحياء لأسس ومبادئ هي في الأصل من ثقافتنا ومتوفرة في شريعتنا وديننا الإسلامي..آملا أن تشهد الفترة القادمة تأسيساً لنظام مؤسسي يخدم كافة شرائح المجتمع. وكان المؤتمر الأول لاقتصاد السوق الاجتماعي قد ناقش في جلسة العمل الأولى يوم أمس والتي ترأسها الدكتور مطهر السعيدي أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء عضو مجلس الشورى السياسات الاقتصادية حيث استعرض الدكتور يحيى المتوكل ورقة عمل حول اقتصاد السوق الاجتماعي - المفهوم والأهمية فيما قدم كل من الدكتور طه الفسيل والدكتور عبدالله العاضي والدكتور علي سيف ورقة عمل حول السياسة الاقتصادية : الوضع الراهن وشروط اقتصاد السوق الاجتماعي. أما جلسة العمل الثانية والتي ترأسها الدكتور محمد يحيى العاضي أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء عضو مجلس الشورى فقد ناقشة السياسات المالية والنقدية وتم خلالها عرض مجموعة من أوراق العمل من قبل الأخ عبد المجيد البطلي حول السياسات المالية والنظام الضريبي والأخ نبيل الطيري حول السياسة النقدية والقطاع المصرفي. وستتواصل جلسات أعمال المؤتمر اليوم حيث ستناقش الجلسة الأولى التي سيترأسها الأخ نبيل شمسان وزير الخدمة المدنية والتأمينات البناء المؤسسي للدولة وبيئة الاستثمار وستعرض خلالها عدد من أوراق العمل المقدمة من الأخ السلامي صالح السلامي حول المؤسساتية في اليمن والأخ علي دهاق حول اللامركزية في اقتصاد السوق الاجتماعي والدكتور طه الفسيل حول الاستثمار وبيئة الأعمال وتناقش جلسة العمل الثانية التي تترأسها الدكتورة نورية علي حمد أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء البعد الاجتماعي والسياسات الاجتماعية والبيئية وستعرض خلالها عدد من أوراق العمل المقدمة من الدكتور فؤاد الصلاحي حول اقتصاد السوق الاجتماعي: البعد الاجتماعي والدكتور عبد الحكيم الشرجبي حول مكونات المجتمع اليمني والعلاقات الاجتماعية والأخ نبيل الطيري حول السياسة الاجتماعية وشروط اقتصاد السوق الاجتماعي والأخ أمين الحمادي حول الأبعاد البيئية لاقتصاد السوق الاجتماعي.